(حين تستلهم الحياة روحها من العشق تزدهى الأرض بالشعر والغناء. ارض الشايقية من امرى للغابة تنبت من عشق انسانها لارضه تلك المحبة الشفيفة التى تعبر عن ذاتها بالشعر الغناء والرقص.رواة هذا العشق كثيرون من مهيرة لبت نعمى لفاطمة بت ودخير، من الطيب صالح لمحمد طه من حد الزين لحميد من النعام آدم وحتى طيف محمد كرم الله. الا ان محجوب كرار كان اكثر الولهين بهذا العشق الخرافى شعرا وغناء.غاص محجوب كرار فى عمق تراث تلك المنطقة وابحر فيه منذ الخمسينيات وعاد باجمل ما اخرجت تلك الارض من غناء.). مقدمة المقالات. لازلنا فى فضاء محجوب كرار وهو يبوح لصديقه سيداحمد بلال باسرار غناء الشايقية وشعرهم عبر الحوار الذى جمعته مدراك فى ( زاد المبدعين).فى مقارنة جديدة بين قبيلة الجعليين والشايقية من خلال الجغرافيا والتاريخ و الغناء والشعر يجد محجوب كرار مداخل ادت لصنع الفوارق بين القبيلتين .يقول محجوب كرار ( الجعليين يعيشون اصلا فى (بوغار) يعنى هم يعيشون فى ملتقى قبائل (قبائل شرق السودان وقبائل البطانة) ارضهم مفتوحة على ولذلك هم دائما منافحون عن ارضهم، يعنى النداء للقتال عند الجعليين كثير.). هنا يشير محجوب الى ان شجاعة الجعليين التى يعتقد كثيرون انها موروثة (جينيا)انما جاءت بسبب التحديات التى تشهدها ارضهم بحكم الجغرافيا وطبيعة المنطقة المفتوحة وليس اصلا فى الجينات، وحين يشير محجوب فى موقع آخر من الكتاب لعلاقة الشايقية بالمهدية والحروبات التى خاضوها ضدها ثم اعقبها باشارة اخرى لمهيرة بت عبود وقصة طه والقيقر انما يشير الى ان الشايقية لم تكن تنقصهم الشجاعة متى ما فرض عليه القتال.فالتحديات والاستجابة لها فى الظرف التاريخى والجغرافى هو ما يعلى من شأن خصيصة من الخصائص لا الجينات.فالشجاعة لاتورث انما تفرضها التحديات وطرائق الاستجابة لها. على العموم هذا رأى كرار... هل لجعليين رأى آخر؟. يذهب محجوب كرار ليقرأ فى جغرافية منطقة الشايقية مؤكد على نظريته اعلاه من خلال الشعر هذه المره (اما الشايقية فارضهم محمية وهى ليست طريق ورود ومن الصعب على العدو انا يدخلها وهى محصنة النهر والصحراء. بالتالى تفرغوا لقيم الكرم والشهامة اى القيم الانسانية العامة.وهذه القيم تجدها فى فن السيرة والمدح). بلاللك بلاللك يالعشى الكنان. . وليك البيت ياوج .. الرحمن الولد المنفل وراجح الميزان ياود الرجال اليقروا فى القرعان... قائمين فى مسيدهم ويعبدوا الديان .... وهاجرين للمجالس امات حجج وفتان) ويمضى محجوب قائلا (ان شعر الجعليين اغلبه ينظمه الرجال ولذا اتسم بالحماسة ونزع للحرب والتفاخر ( نحن المابندى عطانا بنتفشربوا .....نحن المابندس الزاد ونتحشربو.. . ونحن الموت ندورو ويومى نتباشربو. ..... ونحن هنية الولد البنتعاشربو). يدهشنا فى محجوب كرار، ليس بمعرفته العميقة بالتاريخ والجغرافيا فحسب بل باهتمامه الذى يمتد لمصادر الالهام عند الشايقية وبعد نظره لجذور الشعر وفن الغناء عندهم وامتداده فى الحظارات القديمة ما خلال تتبعه لايقاعاتهم الغنائية. يقول محجوب ( ايقاعات الشايقية موروثة من النوبة القديمة، فالشايقية سواء اتوا من مكان آخر او تدجنوا فان معظم ثقافتهم مأخوذة من النوبيين الاصليين اهل البلد، يعنى لو سمعت ايقاع الدناقلة والسكوت والمحس فى اصولها تجدها تشبه ايقاع الشايقية.. الشايقية سريعين شوية.الطمبور بتاع المحس والدناقلة بطئ. سرعة الحركة عند الشايقية جاءت نسبة لارتباطهم بتراثهم الشعرى العربى.وقال ان الشايقية اتو بالرقص من النوبة القدماء (رقصة تنقسى انما هى نوبية الاصل).الشايقية ساهموا فى احياء تراث النوبة وفتح الابواب له بعد ان كاد ان يندثر. هذا الاستعراض لكتاب( زاد المبدعين) انما هو فاتحة شهية اذ لاغنى عن الاستمتاع بمطالعته. يقول سيد احمد على بلال صاحب الكتاب عن صديقه محجوب كرار( كان عذب الكلام قادرا على التواصل مع مختلف الاعراق والثقافات والشرائح العمرية، تجده وسط رواد الانداية يستمعهم والطنابرة يشاركهم العزف ويصفق مع ايقاعاتهم ويسافر مع الرواويس فى عرض البحر ويشاركهم الغناء. كان منغمسا فى الحياة الشعبية ملتصقا بالبسطاء والمسحوقين. ملح الارض).نعم كان هو ذلك الرجل واكثر كما عرفناه وانا على ذلك من الشاهدين.عليك السلام ايها المحجوب عنا فى عليين بإذن الله ولاستاذ سيداحمد والياس فتح الرحمن صاحب (المدراك) خالص الشكر لاهدائهما لنا هذا السفر البديع.