قال الاستاذ أدريس عبد القادر رئيس وفد الحكومة المفاوض فى اتفاق أديس أبابا «نأمل أن ترتفع الحريات الى 40 وليس 4 مع الجنوب»، ووصف رافضى الاتفاق بأنهم «خارج التاريخ»، وعدد ادريس المزايا التى يجنيها السودان خاصة والبلدان عامة من توقيع الاتفاق، وحذر من أن بعض الجهات تحرض على شن حملة مناهضة للاتفاق تهدف الى أجهاضه، وذلك عبر استغلال منابر المساجد «الصحافة» 3 أكتوبر العدد «6888». ومن جهته قال الاستاذ سيد الخطيب «الجنوبيون أخواننا والعجرفة كلفتنا كثيراً»، واستنكر الخطيب الانتقادات التى وجهت لاتفاق الحريات الاربع، مضيفاً أن من تصدر منهم هذه الانتقادات يفتقرون للثقة بالنفس «الجريدة» 4 اكتوبر العدد «579». ومن ناحيته قال احمد هارون والى جنوب كردفان «الشمال نفسو قام والجنوب نفسو انقطع»، ومضى قائلا إن اتفاق التعاون حظي برغبة قوية من الدولتين فى تجفيف اراضيهما من الحركات المعارضة المسلحة، والنظر الى المصالح المشتركة بعين الاعتبار «السودانى» 6 اكتوبر العدد «2444». واشتملت هذه التصريحات المذكورة اعلاه على قدر كبير من الصراحة والوضوح، ولامست لاول مرة المسكوت عنه، ولاول مرة كذلك يدافع المفاوضون عن موقفهم بهذه القوة نافين عنهم صفة «الانبطاح» منددين ومفندين ومناقشين، واحتوت احاديثهم على مناقشات فكرية وسياسية ومجتمعية يا ليتهم لو تحدثوا بها قبل الانفصال، او حتى قبل ان تنفتح جراحات وتداعيات الانفصال المؤلمة، ولا ادرى بالضبط ما اذا كان الاستاذ الخطيب وهو احد القلائل الذين سمعتهم يتحدثون بالعربية الفصحى يعنى «بعجرفتنا»، ما اورده المعجم الوسيط او معجم المعانى، حيث شرح المعجمان العجرفة بانها «الجفوة والقسوة فى الكلام، والغرور والتعالى والغطرسة، التكبر وكراهية الآخر»، وهو حتى وان لم يكن يعنى هذه المعانى كلها فهو على الاقل على قناعة بأنها تشكل جزءاً من بعض تركيبتنا الثقافية والاجتماعية، وهى احد مكونات اساليب التفكير لدينا، وهذا ليس وقفاً على الذين عارضوا الاتفاق، او تصوروا انهم يعارضونه، واكاد اجزم انه بشكل عام يشكل احد مكونات الشخصية السودانية بشقيها الشمالى والجنوبى، وان كان نصيبنا فى الشمال من العجرفة اكبر، وحتى فى الجنوب فهناك من يتعجرف على آخر، وان اختلف المقدار فى التعجرف، ولدى اعتقاد ان الاستاذ الخطيب قد فتح موضوعاً جديراً بالاهتمام والمناقشة، ويتطلب قدراً من الشجاعة والثقة بالنفس، ولا ينبغى أن نتعامل مع مثل هذا المنطق الجديد باعتبار انه اتى فى سياق الدفاع عن الحريات الاربع، وعلينا توسيع المناقشات حوله وبمشاركة المختصين واهل العلم والاجتماع، ومثله الحديث الجديد للسيد هارون، وكلتا الدولتين كانتا تنفيان اى وجود لمعارضى الاخرى على اراضيها، وبرغم هذا النفى تحركت الاجهزة الامنية واعتقلت العشرات فى الخرطوم وصادرت كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر، واتت الاخبار من جوبا بابعاد معارضى حكومة الخرطوم، وهذا جيد، وبالرغم من ان السيد هارون لم يساوِ بين البلدين فى « قومة نفس الشمال وانقطاع نفس الجنوب»، الا ان الاعتراف «بقيام نفس الشمال» تحديداً يمثل حالة من الموضوعية والمصداقية لم تتوفر من قبل للسيد هارون ولا للبقية الباقية ابد الدهر من حكامنا على اختلاف مستوياتهم وصلاحياتهم، ويستوى فى هذا الدستوريون والتنفيذيون من هم على قمة هرم الجهاز التنفيذى والتشريعى، ولا استثناء لقيادات الحزب الحاكم والمساعدين وكل من تولى امرنا، ولعل الكثيرين يظنون الخير فى هذا الخطاب الجديد، واتمنى الا اكون من الواهمين، فاذا كانت الحكومة وحزبها الحاكم قد ألانوا عريكتهم بهذا القدر لحكومة الجنوب، وهم ذاهبون لمفاوضة قطاع الشمال على نفس النسق، فربما راودنا الامل فى ان هذا التغيير سيشمل خطابهم تجاه قوى المعارضة، واننا لن نسمع مرة اخرى عبارات مثل «لحس الكوع» و «الخيانة والعمالة» و «شذاذ الآفاق»، هذه العبارات التى لم تجن الحكومة منها شيئاً، ولا احسنت المعارضة التعامل معها، ولم تتحول إلى أسماء لأيام جمعات للتظاهرات، فهذه العبارات لا تشبه الحكومة ولا المعارضة ولا تشبه الشعب السودانى، والامل فى البدايات التى دشنها ادريس والخطيب وهارون. وهي ليست حرب داحس والغبراء.