استيقظت مبكرة هذا اليوم.. كيوم خاص في حياتها ابتسمت لأمها ابتسامة تحمل أكثر مما يدور حولها.. فأجات الجميع بنشاطها المبكر وذلك التسامح الذي حملته منذ الصباح. جلست.. وقفت .. خرجت.. ودخلت ألف مرة حتى حين موعد خروجها، رتبت شعرها وأشياءها وارتدت ما يجعلها تفكر بهدوء. فجأة تذكرت نصيحة صديقتها حذرتها من التسرع في الكتابة الظاهرة، قالت لها اخفي خصوصية أنثاك في عمومية المرأة.. لا تجعلي قلمك يفضحك، تذكري دوماً ما حولك لا تمارسي عشقك في القلم فدوما يتربص العالم لقلم المرأة. فضحكت في سرها .. لا تدري لماذا ولكن ما أتعس حظي كامرأة في زمن لا تباح فيه مشاعر المرأة توصبح محكومة بأقوال العادة والتقاليد. تصلبني في ساحة الطهر والعفة ليست مصرحاً لها أن تصرح بما يجول في خاطرها حتى يؤذن لها بعصي الرجل السحرية. فآه يا بلداً محكوماً بالأبواب كلما فكرت في فتح باب أجد عبارة.. «قفي إنت امرأة».. ومازلت امرأة هائمة على وجهي.. تؤرقني الكتابة التي لا تشفي.. أقرأ كثيراً.. تداهمني شيخوخة مبكرة.. أفقد مقدرتي على الاندهاش.. تطفو عادية الأشياء أمامي.. يحزنني عدم وجود شخص في دار قلبي، ولكن رغم عجزي عن الكتابة مازلت أكتب.. أضع القلم تحت رأسي والورقة مكانة القلب، محاولة الإمساك بكل كلمة خارجة أجدني ألهث خلف الكلمات.. أجمعها.. أرتبها.. أصفها .. في ورقي الأبيض بعناية.. فجأة تتبعثر وتصير نجوماً في فضائي تغازلني كلما حاولت جمعها.. أضحك وأنا ألهث خلفها.. تمد لي لسان غربتها.. وتمدني بكل ما هو دافئ في حياتي وتقول لي «يا فتاة في عينها حزن بلدين ووجع امرأتين .. لا تبكي .. ولا أبكي».. أنجولا: وتعني أنجولا للنساء المترفات.. المترفات الفكر وليس مترفات الشكل.. تعني لهم الاندهاش.. ذلك الاندهاش الذي يعلق في لوحة ثم يباع في معرض ثم يحضر في ندوة .. ثم في مؤتمر .. ثم احتفال بمرور عام.. ثم .. ثم.. أخيراً وصلنا أنجولا.. رسمت على وجهها أدوات حزنها ليلائم المكان، ثم أخرجت خط الأسى فوق حاجبها ليلتقي مع خط «الماسكرة» الخارجة من جفنيها وبذلك أصبحت عيناها أجمل وأكثر حزناً من قبل ونزلت.. حيتهم بابتسامة جميلة، فحيوها بأجمل منها.. والتفوا حولها بفرح حقيقي، حاولت أن تتجاذب أطراف الحديث معهم فعلمت أنهم يلا يتكلمون العربية ولا تجيد الانجليزية «ولا لغة الرطانة».. سبت تلك المناهج التي لا توحد بين أبناء البلد الواحد، وسبت أستاذ اللغة لأنه رفض التدريس في مناطق السكن العشوائي. فحاولت رسم مساحة حزن على وجهها حتى تحاول التواصل معهم دون لغة تخاطب مشتركة. وبحثت في دواخلهم عن حزن أو أسى تدخل به إليهم.. كانوا شبه عراء يعملون بهدوء أطفالهم.. مرضى بسوء التغذية النساء شبه عاريات.. الرجال تفوح منهم رائحة الخمور البلدية.. ويضحكون بسعادة.. عند دخول عربتنا المنطقة استقبلنا الأطفال بلوحات في أيديهم.. علمت فيما بعد أنهم يمارسون الرسم في الخلاوي ويعشقون الموسيقى!! استقبلتنا قابلة الحي بابتسامة مرهقة، قالت لنا إنها لم تنم طوال ليلتين، فأغلب النساء في حالة وضوع، وهي سعيدة لأن أغلبهن أنجبن فتيات وهن خير وبركة في السكن... فضحكت للمرأة في عاصمتي وجلست.. وجلست بجانبي فتاة صغيرة تحمل شقيقها المريض بسوء التغذية.. سألتها الدكتورة عن عمره؟ قالت: ولدته أمي عند حضورنا هذا السكن.. فقالت لها: ومتى حضرتم الى السكن؟ قالت: عند ولادة أخي هذا!! فضحكت الدكتورة وضحكت أنا فاليوم هو يوم ميلادي. أتوقع أن نقيم احتفالاً خاصاً في منزلنا بكل تفاصيل الاحتفال في عاصمتنا.. أحاول جاهدة أن أكون رائعة في هذا اليوم، ولكن أشيائي تتلاشى في لا شيء أمام حزنكم.. فرحكم .. أحلامكم التي تحدث فأنا خجلة صغيرة أمامكم.. فأنجولا لا تعشق حتى الثمالة.. تتبادل العلاقات فيها بصورة حميمة.. وتفاصيل صغيرة خاصة وبسيطة، ضحك الصغير الذي بجانبي عندما رآني ارتدي النظارة وأرسم خط الأسى فوق حاجبي فارتبكت.. وانكسر خط الأسى خجلاً منه.. وسالت ماسكرة الحزن في عيني من جراء شمس أنجولا الحارة.. وضحكتُ وضحِكت أنجولا ملء سكانها.. وذهبت... لحق بي الصغير أعطاني القلم والورق الذي كنت أحمله.. قلت له: لا أحتاجهم فأنجولا بخير تمارس تفاصيل عاداتها بانتظام.. يتكاثر الجميع... يغنون.. يتوارثون.. يرسم الأطفال.. يمرضون بالملاريا... وعندما يكبرون يشربون الخمور والأسى الموروث.. وتضحك أنجولا للعاصمة