أربع وثلاثون وأربعمائة سنة وأربعة عشر قرنا انصرمت أمس منذ هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينةالمنورة إيذانا بهجرة الكفر إلى الإسلام والجور إلى فضاءات العدل والمساواة والتناحر والتنافر إلى المحبة والوئام والعيش في سلام وقد كان لسلف الأمة الإسلامية والعربية بفضل صدق نواياهم وقوة عزيمتهم وسيطرة شكيمتهم ما أرادوا وابتغوا من تحقيق أهداف سامية وإرساء قيم نبيلة تكفل للجميع العيش الهنيء الكريم، وكيف لا يكون لهم ذلك وهاديهم وقائدهم رسولنا الكريم محمد بن عبد الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة الذي أرسله الله إلى الناس كافة نعمة و رحمة فأدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وأنار الظلمة وكشف الغمة وترك الجميع على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فما أكثر الهالكين بين ظهرانينا اليوم جراء تركنا لأصول الدين وتمردنا الجلي غير الخفي على تعاليمه السمحة فبعد أن كان إيماننا قوة ومنعة لنا ومصدرا لعزتنا وسؤددنا وسيادتنا للأمم الأخرى تبدل الحال وصرنا نرضى بالدنية في ديننا ودنيانا والسبب وراء ذلك الابتعاد عن شرع الله والحكم به على المستوى الشخصي والعام . فالعالم العربي والإسلامي أضحى اليوم أضحوكة ولقمة سائغة للغرب جراء تملكه لأسباب القوة المادية البحتة ونسياننا بل تناسينا إلى أننا نمتلك الإيمان الذي أكثر قوة و أشد مضاء إن نحن أجدنا استخدامه بيد أنه لن يتأتى لنا استعماله والاستفادة من مزاياه ما لم تتوفر فينا شروطه ومتطلباته التي على رأسها اليقين التام بأن الله عز وجل هو النافع والضار الأوحد لا الأسباب لأنه رب الأسباب ويكيفنا شاهدا قصة نبي الله ابراهيم مع النار فلماذا لم تحرقه رغم توفر الأسباب ؟ لأنه ببساطة مؤمن برب الأسباب فأيم الله إذا ما تزعزع إيمانه برهة من عمر الزمان حينما قذفه قومه بالمنجنيق في النار لما توانت النار في التهامه لكنها قوة الإيمان بالله أنه الأكبر الذي بيده الضر والنفع فتحولت النار إلى برد وسلام عليه ، لأجل هذا ما لم نتسلح بالإيمان لن تقوم لنا قائمة ولن يكتب لنا الخروج من دائرة الذل والهوان التي تدور في أطرها ومتونها الأمة الإسلامية والعربية فلنؤب جميعا إلى الله ولنتب توبة نصوحة من ذنوبنا ولتتوحد كلمتنا في مشارق الأرض ومغاربها لجهة أن مصيرنا مشترك على الصعيد الإسلامي والعربي . أوليس عيبا في حقنا التفريط في كرامتنا والعدو الكافر يستبيح أرض الإسلام نهارا جهارا ويظل جاثما على صدرنا عنوة واقتدارا لما يربو عن نصف القرن بأكثر من عشر سنوات مدنسا للمقدسات وهاتكا لأستار الحرمات ومبددا للثروات ومنكسا للرايات فما يحدث في فلسطين السليبة قمين بأن يرجع كل المسلمين إلى جادة الحق وكفيل بأن يقف أي مسلم في مشارق الأرض ومغاربها أمام مرآة ذاته مسائلا إياها لماذا الخنوع والقنوع بالمذلة وإخوان لنا في فلسطين تنهب أرضهم وتزهق أرواحهم وتستباح حرمات نسائهم ويؤتم أبناؤهم وترمل زوجاتهم دون أن تحرك تلكم الاعتداءات ساكنا في نفسه أو ليس من فارضات الجهاد مهاجمة العدو أي بلدة من بلاد المسلمين ؟ أم أن فلسطين عندنا جميعا (العرب والمسلمين) تقع خارج دائرة الإسلام ؟ وأقول لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية انهضوا من سباتكم ولا تنتظروا دورا من حكام يشيحون أبصارهم عن كل منكر وتتعامى بصائرهم عن كل ما يمكن أن يهز عروش كراسي حكمهم فالذي أتيقنه ويشاركني فيه كثير بلا أدنى شك أن حكام الأمة العربية والإسلامية بلا استثناء لا هم لهم سوى (الكنكشة) في كراسي الحكم والعض عليها بالنواجذ والابتعاد عن كل ما يمكن أن يزلزل أركانها رغم الحقيقة البائنة الغائبة عن أرض الواقع إن كتب لهم الاتحاد والتعاون فلن تقف في وجههم قوة على وجه البسيطة مهما كثرت وقويت شوكتها غير أنى لنا بحكام بقلوب ملؤها الإيمان وبأن الحكم عرض دنيوي زائل مهما تطاول عهده وليكن لهم في الربيع العربي أسوة حسنة لمن أراد أن يعتبر فمن كان يظن أن حسني مبارك سيكون سيناريو نهايته كما نقف ونشاهد ومن كان يشطح بخياله بأن ملك أفريقيا وزعيم الأمة العربية كما يزعم معمر القذافي سيكون مصيره وبالا وحزنا وتشريدا لأسرته ودحرا لزبانيته وكذا الحال يمكن أن نسقطه على زين العابدين بن على وعلى بشار الاسد الذي سيلحق بركبهم الباطش الدموي بعد ان لم يرع في أهله إلا ولا ذمة من أجل البقاء على سدة الحكم وستدور الدائرة على كل جبار وطاغية وسيشرب من ذات كاس المذلة والمهانة. وما دام وصلنا إلى قناعة تامة بأن حال الحكام العرب وقادة المسلمين يحتاج إلى مراجعة تامة وإعادة صياغة كبرى تمكنهم من قيادة الشعوب واستثارة جذوة الإيمان والجهاد فيها فإن الدور ينتقل إلى الشعوب نفسها لجهة أن المسؤولية فردية حال عدم القدرة على أدائها جماعةً إذ لا يعفي المسلم كون أن رئيسه لم يحدث نفسه بالجهاد رغم ما يمتلك من ملك أو الرئيس بما له من قوة وعتاد لأجل هذا على الشعوب أن تنهض من سباتها الذي تطاول عهده وأن تلعب دورها المنوط بها في استعدال الصور المقلوبة رأسا على عقب على كل الأصعدة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية فلا قوة تهزم إرادة الشعوب التي تبقى وتذهب الحكومات ويمضي الحاكمون ولتكن أولى خطوات تصحيح المسار اتباع النهج الإسلامي والتأصيلي في كل خطوة لجهة أن الدين هو الحياة فلنعمل على إنزال تعالميه واتباع منهاجه القويم على الأرض واقعا معاشا لا مجرد شعارات جوفاء تبعد عن الواقع فراسخ وأميالا فلا نجني منها سوى التضييق من الله عز وجل والكفار على حد سواء فمن خاف الله خافه كل شيء . فليكن العام الهجري الجديد 1434 مدعاة للتحلل من كل مسالب وإخفاقات الماضي ونواة لفتح صفحة جديدة تنير الطريق للأمة العربية والإسلامية وكل عام والجميع بخير .