جاء تاريخ السودان مبدلاً ومغيراً وقد صاحبه الحذف وإعترته الإضافة وكتبه الغرض وسطرته الأهواء ... كتب التاريخ حين غفلة من أهله ووسط أمية متشفية ، كتب التاريخ عندما كان أهله لا يعرفون التاريخ ولا يعرفون أثره على حاضر الأمة ومستقبلها .... كتبوه ليصنعوا وجدان الأمة على غير ما هو عليه ... وليأسروا تفكيرها بعد أن علموا ما فيها من صفات تصادم أهدافهم ومقاصدهم الإستعلائية وترفض الإستكانة والتبعية وعلى رأس تلك الصفات الإسلام. فكتب التاريخ كتاب جاءوا إلى العالم الثالث وأغلبهم جواسيس وعملاء وكتبوا معه تقارير أخرى عن تلك المستعمرات ليهيئوا مجتمعاتها وليمهدوا لسياسات متنوعة الأطوار ومتعددة الصور والأشكال مع تعاملات ممرحلة وخطط ممنهجة. فجاءوا يكتبوا لتحقيق الأهداف والتي من بينها إضعاف الأمة والتفريق بينها وإثارة النعرات القبلية وخلق الطوائف والفرق التي كان لهم اليد الطولى في صناعتها خاصة تلك التي تسئ إلى سلف الأمة وتطعن في نزاهتهم وأمانتهم وصحة تدينهم ... بدءاً بالصحابة وما بعدهم وإنهاءاً بالمتصوفة مما جعل المسلمين ينشغلون بأنفسهم وبإثارة الجدل والنقاش في المسائل الخلافية الفرعية التي أقعدت الأمة وحدت من حركتها ... فإنصرفوا بذلك عن تبليغ الدعوة وإيصالها إلى الذين لا يعرفون بديهيات الدين .. وبهذا يكونوا قد حققوا هدفاً من أهداف هؤلاء ألا وهو الحد من إنتشار الدعوة ... فكتبوا التاريخ من بعض ما كتبوا لتشكيك الأمة في سلفها وعظمائها حتى تنفصل عن ماضيها وتفقد البوصلة وترتبك في حاضرها ... فكان للسودان حظه الأوفر من تلك التقارير والكتابات ، فكتبوا عن الثورة المهدية ما كتبوا وأساءوا إلى الخليفة عبد الله في كثير من الحكايات المفبركة مما جعل كثير من السودانيين يصدقون هذا الهراء ، ولأنه رسخ في أذهانهم (أن الخواجة لا يكذب) ومن المؤسف أن النخب والمثقفين والحكومات إنطلى عليهم هذا الوهم ولم يتحرروا من عقدة الرجل الأبيض وأنه الأصدق قيلا والأمثل طريقة .. حتى بعد أن أزاح الزمان وبعض الأحداث المعاشة الستار عن حقائق وأوهام كانت تخفيها ثقتنا في الغربيين .. ولا زال البعض في ضلالهم القديم ونسوا أن هؤلاء الغربيين لا يعتبروا الكذب كذباً ولا الظلم ظلماً إذا كان يحقق مصالحهم ولو تصادم ذلك مع الأخلاق والمثل والقوانين التي وضعوها وخطوها بأيديهم ... فإن لم يكن ذلك فكيف يكون الرئيس البشير مجرم حرب ومطلوب لدى المحكمة الجنائية ، وبشار الأسد يعتبر مدافعاً عن بلده من إرهابيين خارجين عن القانون ولم يجمعوا على إدانته حتى هذه اللحظة ... ثم كتبوا عن الزبير باشا من قبل وإتهموه بتجارة الرق ونفوه إلى مصر ... وإذا جاز لنا أن نتناول هذه القضية بالفحص والتحليل القائم على المعطيات والمقارنات والواقع الذي خلقه الزبير باشا في تلك المنطقة مسرح الأحداث فإنني سوف أبني هذا التحليل على وقائع وأحداث عصرية ... وقد أثبتت تلك الوقائع أن الغربيين ظلوا على مر التاريخ يوجهون هذه التهمة لكل من سعى مسعى الدعاة أو تحدث عن الإسلام وإعماله في الدولة ، يفعلون ذلك صداً وتشويشاً على الإسلام والمقصود حقيقة إلصاق التهمة بالإسلام نفسه وليس الأشخاص ، فبدءاً بمولانا محمد الأمين القرشي الذي ذهب إلى جبال النوبة داعية وواجه الكثير من العقبات والعوائق ، ثم جاء بعد ذلك كتاب عشارى وبلدو والذي تحدث عن تجارة الرق في السودان والذي أتى متزامناً مع الحديث عن تطبيق الشريعة والجدل الذي كان حولها ... ومن التهم كذلك التي وجهت إلى حكومة الإنقاذ في أول عهدها بأنهم يجبرون غير المسلمين على دخول الإسلام وأن هناك تجارة بالأطفال تتم بعلم الدولة .. ثم الشيخ صاحب الخلاوى المشهورة في غرب كردفان والذي أنشأ كثيراً من خلاوى القرآن في جبال النوبة وأدخل عدداً كبيراً من أبناء الجنوب في الإسلام وزوج إبنته لأحدهم ، ولم يسلم بعد ذلك من نفس التهمة ... ولا ننسى ذلك الشاب من دار فور والذي لجأ لإسرائيل وظهر على شاشة الجزيرة وتحدث أن الإسرائيلين عرضوا عليه تمثيل دور في فيلم يعكس تجارة الرق في السودان لكنه رفض ... وبناءاً على كل ما ذكرت من وقائع وحيثيات فإني أرجح أن الزبير باشا ذهب إلى هناك داعية إسلامي لأن كل المناطق التي عمل فيها صار أغلبية سكانها مسلمين وتركهم كذلك حتى بعد إتهامه وإعتقاله لم يرتدوا عن الإسلام وهي مناطق راجا وديم زبير وقبائل كريش ... فلا أظن أن من يتاجر في الناس أن يكون من همومه إدخال الناس في الإسلام لأن الإسلام يحرر ولا يعبد ويبصر ولا يجهل .. ولا أظن كذلك أن من يبيع الناس ويشتريهم كالأنعام يجد دينه قبولاً وإسمه قبولاً حتى تُسمى بإسمه منطقة كاملة (ديم زبير) وسؤالنا للذين كتبوا التاريخ هل قدم هذا الرجل إلى محاكمة عادلة لها حيثيات ووقائع ...؟ وهل أُتيحت له الفرصة ليدفع عن نفسه ...؟ فليبحث كتاب التاريخ عن إجابات لهذه الأسئلة ... وما أدراك بعد الذي ذكرنا أن الزبير باشا لم يكن ضحية وفزاعة لتخويف كل من يسعى مسعاه أنه سيكون مصيره كمصيره ... وأخيراً نحن لا ننكر أن تجارة الرقيق كانت سلوكاً إجتماعياً منذ القدم ... ولم يكن السود وحدهم الأرقاء ، فقد بيع سيدنا يوسف وبيع سلمان الفارسي رقيقاً وبيع صهيب الرومي الأوربي رقيقاً. لكن الثابت الذي لا نتزحزح عنه أن الإسلام لم يغض الطرف عن تجارة الرقيق ولم يقرها بل سعى سعياً حثيثاً لمحاربتها فشجع على عتق الرقاب وجعله من كفارات الذنوب ومن العمل الصالح وجعل مصرفاً كاملاً من مصارف الزكاة لتحرير الأرقاء وسماه في الرقاب وتدرج في علاج هذه الظاهرة كما تدرج في تحريم الخمر ... ولم تكن من أهداف المسلمين عندما فتحوا العالم جلب الرجال والمال لكنهم كانوا أصحاب رسالة جاءت لتحرير الناس من كل أنواع العبوديات ولتكون العبادة لله وحده ... جاءوا ليعلنوا للعالم بصوت داوي (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ... لم يكن ذلك هدفهم ولم يرجعوا من حيث أتوا محملين السفن بالعبيد والمال بل كانوا يستقرون في تلك المناطق لتستقر الدعوة فصاهروا أهلها فكانوا جزءاً منهم وذابوا في مجتمعاتهم حتى تغيرت ألوانهم وأشكالهم على عكس ما هو في جنوب أفريقيا والجزائر وأمريكا ... ظل هناك البيض بيضاً والسود سوداً ... لهم كنائسهم وأنديتهم ومساكنهم الخاصة ... وقد قالها أوباما بعظمة لسانه أن والده قبل أربعين عاماً فقط لم يكن يستطيع أن يدخل مطعماً للبيض خادماً ناهيك عن أن يدخله طاعماً ... لذلك أُختير أوباما رئيساً لينسى السود مرارات التاريخ ... وقصة الكاتب الكيني مشهورة والذي رفض أن يُستقبل في فندق في أمريكا بحجة أنه أسود ... وأوربا لم تكن إستثناء من ذلك فقد مارست تجارة الرقيق بعلم الكنيسة وسنت القوانين لتنظيم تلك التجارة .. هذه القوانين التي أُلغيت قبل مائتي عام فقط ... فبالله قارنوا ما بين من يسن القوانين لتكريس تلك التجارة قبل مائتي عام وبين من يسن القوانين ويقدم الحوافز لإنهاء هذه الممارسة قبل أربعة عشر قرناً ويعد بالثواب ودخول الجنان لمن يعتق الرقاب ... ولا ننسى قول سيدنا عمر بن الخطاب في ذلك التاريخ (متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) ... إن كان هناك من مارس هذه التجارة من المسلمين والأعراب (والذين هم أشد كفراً ونفاقاً) فإن هؤلاء يعتبروا مخالفين كالذي يشرب الخمر ويعلم أنها حرام .. وتصرفات هؤلاء الأفراد لا تُحسب على الإسلام .. ذلك المنهج المتكامل الذي جاء ليعالج كل مشاكل البشرية .. ومن عجب أنه أكثر إنتشاراً قي أمريكا وأوربا هذه الأيام. فكتبوا كتاباتهم تلك لتبنى عليها سياسات تكرس لسيادة الرجل الأبيض المفضل على العالمين بلونه المميز وبفكره الثاقب وحضارته المتفردة التي لا تقبل المنافسة والنزاع ... وعلى ضوء تلك الكتابات رسموا السياسات وسنوا القوانين فكان ثمار ذلك الأممالمتحدة وقيودها ودول الكومونولز وهيمنتها ومجموعة الدول الفرانكفوتية وسيطرتها لتحقيق نفس الأهداف سالفة الذكر .. فجاء نصيبنا في السودان من تلك القوانين قوانين المناطق المقفولة والتي لم يسأل أهلها حتى الآن هذا السؤال (لماذا هي مقفولة) وسُميت مقفولة؟؟ ونأمل أن يسألوا هذا السؤال للمعنيين الآن .. وقد تأتي الإجابة للكشف عن جميع ما تعيشه تلك المناطق من أزمات وإشكالات وما هي أسبابها وإجباتنا على هذا السؤال وإن لم نكن معنيين به أن الهدف من هذه القوانين أن يظل إنسان تلك المناطق بعيداً عن التعلم والثقافة والمجتمع المتحضر بصفة عامة والثقافة الإسلامية بصفة خاصة ، فقفلوها على جهلها وحالها ولم يعلموا أهلها ولم يتركوا التعليم والثقافة تنساب تلقائياً بالتواصل والتداخل والتصاهر بل زادوهم عزلة إلى عزلتهم ..وجهلاً إلى جهلهم ... بإستخدامهم في الأعمال المهينة كالصحة وغيرها والتي لم تكن موجودة من قبل .. فعلوا ذلك ليزكوا الشعور بالدونية وقتل العزة والهمة ... فعلوا ذلك وكان يمكنهم أن ينشئوا المدارس والجامعات والمشاريع التنموية في تلك المناطق لكنهم لم يفعلوا ، حتى الكنائس كانوا زاهدين في إنشائها وكان دورها يصب في نفس المستنقع ، مستنقع التحريض وأفلام الرق المفبركة ليبقوا على التمايز وزرع الحقد ... لم يفعلوا شيئاً يُحسب لهم في تلك المناطق ... وقد حكموا السودان ستين عاماً ، أطول فترة حكم وأكثر الفترات إستقراراً وهيمنة لكنهم أرادوها كذلك لتبقى كما وجدوها ، وقد وجدوا أهلها حفاة عراة .. وقد قفلوهم على التخلف والجهل حتى يأتوا بعد نصف قرن ويفتحوهم على الحرب والإغاثات والنزوح .. وليجدوا الوضع ممهداً لما حدث ويحدث اليوم في نفس المناطق .. ونذكر أن النميري هو من فرض إرتداء الملابس وأنشأ جامعة جوبا وغيرها ... والرئيس عبود هو الذي أنشأ كثيراً من المشاريع والمصانع في الجنوب وهو الذي أوصل خط السكة حديد لمدينة واو كما أوصله إلى دارفور ... والإنقاذ هي التي إستخرجت البترول وأنشأت كثيراً من الجامعات ... فأروني ماذا فعل هؤلاء طيلة الستين عاماً غير أنهم قفلوا تلك المناطق على الجهل وفتحوها على الحرب .. فهل بعد ذلك يظن أهل تلك المناطق أن هؤلاء يريدون بهم خيراً .....؟؟؟؟ خارج النص: ولاية النيل الأزرق وما حدث فيها من إستقرار وإستتباب للأمن .. أليس هذا كافياً لإقناع المسئولين أن الولاة العسكريين هم الأجدر والأقدر على توفير الأمن وحسم التفلتات الأمنية مع عجز الولاة والمعتمدين عن توفير الأمن لأنفسهم وداخل عواصمهم ... نرجو تدارك الموقف قبل فوات التدارك ... ثم ما يحدث من معارك وصراعات بين الحركة الإسلامية في السودان عامة وشمال كردفان خاصة ليس للقواعد والقبائل فيه ناقة ولا جمل .. وإنما هو صراع مصالح ذاتية أرادوا أن يجعلوا القبائل وقوداً لذلك العراك ... فالرجاء أن لا تدخلوا القبائل وتقحموها في معترك ليست معنية به أصلاً .. ويكفي القواعد ما اصابها من تردي للخدمات. . ويكفيها ما أصابها كذلك من خوف من المجهول بسبب هذه الصراعات .. فإننا نرفض هذا الذي يحدث ونريد معايير غير هذه المعايير القبلية للتوظيف إذا كان للعمر بقية ... تلك المعايير التي فرضها هؤلاء ما كنا نعرفها من قبل ... فأتركونا كما كنا قبل مائة عام (لبن على عسل) متعايشين بود وإحترام كل قد علم حقه وواجبه تجاه أخيه ... دون السؤال عن قبيلته ... ليس مقبولاً لحركة تسمى نفسها إسلامية أن تتعامل مع بعضها تعامل الجاهلية الأولى .... ؟ أي إسلام هذا ...؟ إتقوا الله في الإسلام يا هؤلاء ..... وإتقوا الله في البلاد والعباد..!!!!!!