انطلقت جيوش الفتح الإسلامي في بلاد فارس مثل سهم ماضٍ لا يقدر أحد على إيقافه، تحطمت عروش الأكاسرة و فر الأساورة، و سقطت المدائن، ووقف القائد المنتصر سعد بن أبي وقاص وحيداً» في) إيوان كسرى الخالي)، يتأمل خزائن كسرى، كانت النفائس التي فيها تفوق الوصف، ويعجز الرجل الذي عاش طوال عمره في الشظف أن يتصورها، و كان كل ما فعله أنه جمعها وقسمها إلى أسهم بين جنوده، ثم قسم بيوت المدائن وقصورها بين قادته، ثم جمع الخُمس ليرسله إلى الخليفة عمر بن الخطاب ووضع فيه كل شئ أراد أن يعجب به عمر من ثياب كسرى وحليه وسيوفه . وصلت الغنائم إلى المدينة و هي تحمل صورة غريبة وباهرة عن ذلك العالم الراقد خلف الصحراء، عالم الحضارات القديمة الذي طالما حلموا به، ولكنهم لم يتصوروا مدى فخامته، ولكن عمر لم يتأثر كثيراً»، كان زاهداً « لدرجة الكفاف، فرق كل الغنائم على مستحقيها، ولكن بقيت واحدة منها مستعصية على التقسيم، سجادة طولها ستون ذراعاً» في مثلها، جاءت مباشرة من قاعة العرش الرئيسية التي كانت تحتلها في إيوان كسرى، متداخلة الألوان لحد فاق الدهشة، كأن كل بلاد فارس مصورة في خلال نسيجها، الأرض مبسوطة فيها تتداخل فيها خيوط من الذهب والصوف الأخضر وتشقها أنهار من الفضة، وتحيط بها سماوات صافية الزرقة فيها نتف من السحب وأسراب من الطيور وكواكب تتأهب للبزوغ، أما حافتها فقد نسجت فيها فصول الدنيا الأربعة، زهور من عبق الربيع، وجداول تتدفق فرحاً» بالصيف وشذرات خريفية من ورق مذهب، وثلوج ناصعة كالروح من برد الشتاء . تأمل عمر السجادة في حيرة، تحسس النسيج الناعم، لم يتصور أن يوجد إنسان مكن له أن يطأ بقدميه هذا العالم المتداخل حتى ولو كان كسرى نفسه، لم يدر ماذا يفعل به، ولم يحلم يوماً» بإمتلاك هذا الشئ، وقال له مَنْ حوله، احتفظ بها يا أمير المؤمنين، فليس لنا أمير إلا أنت، وليس هناك بيت أحق بهذا البساط إلا بيتك، وظلوا يلحون عليه حتى نهض ووقف على السجادة، أحس أنها تفصله عن الرمل الذي تعود دوماً» أن يقف عليه، الرمل الذي أحياناً» ما يكون ساخناً « وأحياناً» ما يكون بارداً»، ولكن لهذه السجادة ملمساً» واحداً» لا يتغير . نسيج من عالم خاص، يحيطه ويعزله، للحظة أحس عمر أن بيته فقير وثيابه خشنة و طعامه قليل، شعر أنه قد قتر على نفسه وعلى الآخرين وأن انتظاره الطويل للفردوس السماوي ما كان يجب أن يحرمه إلى هذه الدرجة من الفراديس التي يمكن أن توجد على الأرض، أحس أنه متعب من سنوات المعاناة الطويلة، وأنه بعد أن أصبح أميراً» وراعياً» ومسئولاً» يحق له أن يلتقط أنفاسه قليلاً»، نظر إلى الوجوه التي حوله وهي تبارك وتهلل، وكان بينها وجه مختلف تماماً»، يبرز أمامه كأنه قادم من ظلمة الضمير الخفية، كان هذا وجه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتقدم نحوه وهو يقول : ( يا أمير المؤمنين، ليس لك في الدنيا إلا ما أعُطيت أو لبست أو أبليت أو أكلت أو أفنيت، و إنك ان تبقه اليوم على هذا لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس به ) وأحس عمر بالخجل من لحظة الضعف العابرة، وقال موافقاً : ( صدقتني و نصحتني )، و أمر الناس فأخذوا السجادة من أمامه و قسموها إلى قطع صغيرة فرقها بين الجميع، وعادت قدما عمر تقفان مرة أخرى على الرمل الساخن و البارد ) ! .