تسللت المياه بهدوء رغم ثقل ما تحمله لتحيط بالمكان في قوة واحكام ووجد الاطفال أنفسهم محاصرين بالمياه الآسنة وعجز كبار السن عن الوقوف في الماء اللزج فترنحت خطاهم وهربت الطيور فزعة من نتانة الرائحة وتجرعت الابقار والاغنام والدجاج تلك المياه التي تحمل بقايا الانسان والآلات والزيوت والكيماويات،لتؤكد ظلم الانسان لاخيه الانسان وامتلأ الهواء روائح آسنة ازكمت انوف السكان البسطاء واندهش الجميع من جرأة الحدث وغرابته في ان يقع جميع مخلوقات الله بود دفيعة في حفرة صرف صحي وتوالت التصريحات وتوعد الجميع الجميع وانشئت اللجان وهلل الجميع لصحوة الضمير وان هنالك مخطئين تسببوا بالكارثة سيحاسبون وان تلك المأساة لن تتكرر وسيتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة مستقبلا لكن اتت الرياح بما لايشتهى اهل ود دفيعة الذين تعرفوا من خلال الحادثة ولاول مرة على مسئوليهم وفرحوا بتصريحات المسئولين الكبار الذين لم يروهم من قبل الا في التلفاز فقط بان هذا الأمر لن يمر بدون معالجة ومحاسبة وفجأة تمت ضربة مصنع اليرموك وتحولت الانظار الى هناك حيث الكارثة البيئية الثانية بعد ان تفجرت الأسلحة وتطايرت الدانات في الجو تحت انظار الصغار وهرعت النساء والرجال الى الشوارع وهم فزعون من رؤية السماء وقد تلونت بالوان عجيبة فظنوه يوم القيامة وتحسر البعض انه نام ولم يصل صلاة العشاء تلك الليلة وقدمت تلك الضربة هدية العيد لمسئولي الصرف الصحي في منطقة ودفيعة بعد ان تحول الجميع الى اليرموك الذي لا يعلم احد مدى الضرر البيئي الذي احدثته تلك الضربة ولم يتحرك اهل البيئة لمعرفة ماذا حدث، فالأمر شأن سياسي وعسكري ليس الا وقدمت اسرائيل طوق النجاة لجميع المقصرين في ود دفيعة والخائفين من قول كلمة الحق في اليرموك في ماذا يفعل مصنع لإنتاج الاسلحة وسط السكان وقرب ملاعب الاطفال؟؟ وماهي الضوابط البيئية والصحية التي اتخذت لتحمي السكان من ذلك الخطر. ان اسرائيل ليس لها الحق في مافعلت نحن ندينها لكن لو كان حصل اي خطأ ما في المصنع لاي سبب وتسربت او تفجرت تلك المواد التي تصنع منها الاسلحة ولنقل الرصاص مثلا فهل يتحول اطفالنا الى متخلفين عقلياً ونحن تشخص ابصارنا في صمت. ان هنالك مساحات شاسعة في بلادنا ليتم فيها صنع اي شئ يخطر على بال الساسة والمسئولين لكن رحمة بانسان هذا البلد يجب ان تتخذ الضوابط البيئية المطلوبة. ولنعد الى اهل ود دفيعة هل عادهم احد وتفقد كم طفل اصيب بالاسهال فهمد في سريره حزينا وكم امرأة اجهضت وكم عجوز بات ليلته وهو يتلظى من الحمى وكم شباب حرموا من لعب الكرة وليالي سمرهم في اطراف الحي وكم ابقار تفرز ألبانها كيماويات يشربها الناس في صمت.. ان الكارثة لم تنتهِ بالضربة الاسرائيلية ولا زال الملف مفتوحاً على الاقل امام الله لذلك من اجل كل مايصيب اهل السودان البسطاء الطيبين المسامحين في صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية من اجل جماعات غسيل الكلى وجماعات عنابر السرطان الممتلئة وجماعات العيادات من اجل اموات بلادي الذين تزداد نعشوهم كل يوم يجب ان تضمن الحقوق البيئية في دستورنا القادم . شاركت مطلع هذا الاسبوع في ورشة الحقوق البيئية في الدستور التي اقامتها الجمعية السودانية لحماية البيئة( مشروع تحسين البيئة الحضرية ولاية الخرطوم ) بالتعاون مع المركز الاقليمي لدراسات الجندر والتنوع والسلام وحقوق الانسان بجامعة الاحفاد والاتحادالاوربي بمركز المعلومات بالجمعية السودانية لحماية البيئة والتي تحدث فيها كل من دكتور عبد الرحيم بلال عن دور الدولة الاجتماعي والحقوق البيئية في الدستور وبروف احمد الوكيل عن الحقوق البيئية في القانون الدولي وقضايا الأخلاق واستاذ طارق مبارك مجذوب عن البيئة ومؤشرات الاصلاح الدستوري ودكتور سمية السيد عن المشكلات البيئية في ولاية الخرطوم وركزت تلك الاوراق العلمية عليى أهمية تضمين البيئة في الدستور القادم وحق المواطن السوداني في بيئة سليمة وصالحة لعيش الإنسان من غير دخان المصانع والنفايات التي لم يعد بقادر على استنشاقها أو تخزينها، والذي يعتبر حقاً اساسياً اقره الإعلان العالمي للأمم المتحدة ( للإنسان حق أساسي في ظروف الحياة المناسبة في بيئة نوعية تسمح له بالعيش بكرامة وسعادة وعليه مسؤولية حماية الطبيعة للأجيال القادمة). وحقوق البيئة، هي حقوق أساسية جماعية وفردية ،ولكن الإنسان قام بتنفيذ مخططاته الصناعية والتنموية والعسكرية على حساب البيئة، كما نسي في خضم أعماله اليومية الكثيرة أحد المفاهيم المهمة جداً وهي أن أي ظلم أو تعد على البيئة يُعد ظلماً وتعدياً على الإنسان نفسه وإهداراً لحقوقه الأساسية التي تتضمن حق كل إنسان في العيش في بيئة نظيفة وسليمة وصحية ويشمل ذلك حقه المشروع في الحصول على هواء نقي غير ملوث ، وماء صحي سليم بالإضافة إلى تربة سليمة ومنتجة يعيش عليها ويستفيد من منتجاتها وخيراتها،وهكذا نجد أنه لا يجوز لأي إنسان أو مجتمع أن يعتدي على حقوق الآخرين في البيئة التي يعيشون فيها ولا يحق لأي إنسان أن يلقي ملوثاته في الهواء أو الماء أو التربة مهما كانت الأسباب ، لأن الجميع شركاء في هذه الموارد البيئية .إن الحفاظ على البيئة ونظامها الإيكولوجي وثرواتها هو مطلب إنساني مشترك ، وحق أساسي من حقوق الإنسان . وينبغي رعاية هذه البيئة والحفاظ عليها لضمان قدرتها على الاستمرار والقدرة على العطاء .إن الدعوة إلى المحافظة على حقوق البيئة هي دعوة إلى ضمان حقوق الإنسان من أجل هذا الجيل ، ومن أجل بيئة مستدامة للأجيال القادمة ...متناسبة ومتوازنة إن التأثيرات البيئية الضارة (مثلاً المواد الكيمائية عالية التركيز، التصحر، التلوث المائي، فقر التربة الزراعية...الخ) وبدون شك تؤدي إلى الوفاة أو على أقل تقدير إلى تقصير مدة الحياة وتقليل الجودة الحياتية ،فإن تعيش وانت تقفز بين العيادات وروشتات الدواء الباهظ الثمن وتعجز عن العمل واطعام افواه الصغار فتلك لعمري حياة إجبارية وهي إذلال لكرامة الإنسان. التي ذكرها الله في محكم تنزيله وفضله على جميع المخلوقات . ان اي دولة ترتفع فيها نسبة المرض والمرضى بتلك الصورة التي نشهدها هذه الايام وتمتلئ مستشفياتها وعياداتها ويذهب رجالها في رحلة يومية الى مقابرها قبل ذهابهم الى اعمالهم يجب ان تراجع بيئتها وقوانينها البيئية بسرعة. إن حقوق الإنسان السوداني يجب أن يتم تطويرها في الدستور لتشمل الحقوق البيئية وبالتالي حق الإنسان في بيئة نظيفة وهذا يتطلب عمليات متوازية أخرى مثل دراسة وتطوير القوانين البيئية الحالية التي ليس فيها الزام ولا قوة وهذا يتطلب من المشرعين وقبل كل شئ فهم المسألة البيئية جيداً وتحديد أبعادها واسقاطاتها على الإنسان وكل ما يحيط به من حيوان وتربة وماء وهواء فالمنظومة واحدة لاتتجزأ هكذا وضعها الخالق عز وجل ولا يجب ان نفرط فيها. إن الإجتهاد القانوني من أجل تطوير حق الانسان في بيئة نظيفة يمكن ان ينطلق من تطوير حق الإنسان في الصحة لأن هذا الحق مرتبط ارتباطاً قوياً مع التلوث البيئي والناتج بالدرجة الاولى عن غياب النواظم القانونية العلمية لحماية البيئة. إن ضرورة صياغة مادة دستورية تضمن الحق بالبيئة النظيفة تنبع من النقاط الرئيسية التالية: 1/ حق كل الأشخاص في الحياة بشكل حر من كافة أشكال التلوث ومن كل أنواع المخاطر البيئية التي تهدد الحياة والصحة والنظام البيئي. 2/ حق الأشخاص في البقاء في نظام ايكولوجي سليم بتنوعه الحيوي. 3/ للإنسان الحق بالملاحقة القانونية لكل من يتسبب بأضرار بيئية تمس به أو بالنظام البيئي المحيط و من واجب كل حكومة (وطنية) وعبر مؤسساتها أن تكون ملتزمة بإعطاء معلومات حول الكوارث البيئية مهما بلغت درجة حساسيتها. 4/ يتوجب على الدولة إصدار قوانين خاصة بكل شكل من أشكال التهديد البيئي على أن يتم إدراج هذه القوانين في الدستور الوطني. 5/ ينبغي على القوانين التي تصدرها الدولة أن تكون على درجة عالية من المرونة لأن المخاطر البيئية ليست مستقرة وثابتة بل تتصف بالتغير المستمر يومياً، وهذا التغير يجب متابعته عن طريق تطوير حلول بمضامين مرنة أيضاً. 6/ يتوجب على القوانين ان تراعي ليس فقط الأذى البيئي الذي يهدد المجتمع بأكمله بل ذاك أيضاً الذي يهدد حياة الفرد الواحد. 7/ من واجب الدولة إعلام المواطنين بخططها البيئية قبل وضعها موضع التنفيذ وإصدار تقارير سنوية حول سير الخطة البيئية. 8/ من حق كل مواطن أن يشارك المؤسسات (السلطات) الحاكمة في إصدار القرارات بما يتعلق بالمخاطر البيئية التي تهدد حياته. أخيراً يجب القول بأن الحكومة التي هي افتراضياً نتاج لإرادة الشعب سوف لن تتخذ اجراءات من هذا القبيل والتي قد تتسبب بإحراجها وإظهار أزماتها إذا لم يتحرك المتضررون للتعبير عن مصابهم ولو بمسيرة صامتة ..ان البيئة لكي تتحسن يجب ان يتم توعية الجميع بحقوقهم البيئية وعلى جميعات البيئة العاملة في السودان الخروج من دائرة المناصرة للتصدي وان لا ينسوا انهم يعيشون مع (قرين بيس) في كوكب واحد ..ان سلامة البيئة حق جماعى وتضامنى يعطى الحق للمجتمعات - عن الأفراد - فى تحديد سبل حماية البيئة ومواردها الطبيعية وإدارتها بشكل سليم.