السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير، أكتب إليك لأني أعلم مدى مشغولياتكم وما تبذلونه من جهد حتى أصبحت صحيفتكم في طليعة الصحف السودانية تعلق بها الكثير من القراء - لذا فقد رأيت أن أذكركم وأنتم في هذه الدوامة، بما درجتم من تسطيره احياءً وتخليداً لذكرى معركة أم دبيكرات الخالدة، كلما أطلت هذه الذكرى برأسها في 24 نوفمبر من كل عام وذلك تذكيراً للأجيال الحاضرة بتاريخهم المجيد وايقاظاً لاحساسهم وشعورهم الوطني والديني بما قدمه آباؤهم وأجدادهم من تضحية وفداء في الدفاع والذود عن هذا الوطن وعقيدته في أروع وأعظم مواقف البطولة والاستشهاد. ٭ ان معركة أم دبيكرات في 24 نوفمبر 1899م هي آخر معارك المهدية وليست كرري في 2 سبتمبر 1898م كما أراد المستعمر أن يثبت ذلك في عقول الناس تهميشاً لمعركة أم دبيكرات وتزويراً لتاريخنا الذي درج على تزويره وتشويهه، وهو يعلم ان معركة أم دبيكرات كانت من أعظم المعارك وآخرها لأنها جسدت رفض الهزيمة في كرري واصرار الخليفة عبد الله للرجوع إلى أم درمان لمنازلة الغزاة أعداء الإسلام مرة أخرى مما أزعج كتشنر كثيراً عندما بلغته هذه الأخبار بعزم الخليفة الرجوع إلى أم درمان. ٭ كما ان معركة أم دبيكرات كانت تجسيداً للوحدة الوطنية لأهل السودان وذلك بوقوف كل أبناء الشعب السوداني بجميع أمرائه الذين بقوا على قيد الحياة بعد كرري حول الخليفة عبد الله/ والأمير عثمان دقنة ومعه أمراء المجاذيب محمد الطاهر وعبد الرحمن المجذوب ، وأمراء الجعليين بقيادة الأمير أحمد جمال الدين، وأمراء الشايقية بقيادة الأمير العطا ود أصول، وأمراء البطاحين بقيادة الأمير النائب الفحل، وأمراء كنانة وغيرهم من القبائل. ٭ كذلك جسدت معركة أم دبيكرات قمة الاستشهاد في أروع صورها باستشهاد القائد وهو رأس الدولة وإمام الدين الخليفة عبد الله محارباً وسط جنوده وهو ما ليس له مثيل في التاريخ الإسلامي أو غيره باستشهاد القائد وسط جنوده وكان ذلك حسن الختام. مما أثار اعجاب الأعداء وجعلهم يؤدون التحية العسكرية عندما أُنزل جثمان الخليفة في قبره بأم دبيكرات، ووقف الضابط أركان حرب (وندهام) مشدوهاً ومتسائلاً أمام الجنرال ونجت قائلاً أنؤدي التحية العسكرية لهذا الخصم اللدود؟؟ فأجابه ونجت، أنت لا تعرف يا فتى عظمة من دفنا. ومهما كان رأينا في الخليفة ورجاله فانهم ماتوا ميتة الأبطال. ٭ والشهداء حول الخليفة هم: الخليفة عبد الله - الخليفة علي الحلو - الأمير أحمد فضيل - الأمير الصديق بن المهدي - الأمير هارون بن السيد محمد - الأمير البشير عجب الفي - الأمير أبو جكة - الأمير النموري وغيرهم كثيرون. وجزاكم الله خيراً وكل عام وأنتم بخير أخوك/ محمد داوود الخليفة ٭ نأسف لتأخير نشر أسطر الأستاذ/ محمد داوود الخليفة، فالربكة التي أصابت بلادنا في الأيام الماضية وأحداثها المتلاحقة، أربكتنا كذلك، واضطربت دورة حياتنا اليومية، فمعركة أم دبيكرات ملحمة وطنية عكست ايمان رجال بقضيتهم واستشهادهم دونها دون أن يتزحزحوا عن مبادئهم، وعطروا بدمائهم الأرض الطاهرة، وتركوا إرثاً سيظل خالداً على مر الدهور.