أعلن الرئيس عمر البشير،أمام البرلمان نهار الأثنين 18 يونيو الماضي، حزمة من الإجراءات والخطوات»خطة تقشف» لمواجهة الأزمة الاقتصادية شملت رفعا تدريجيا للدعم عن المحروقات ،وتقليص الوزارات ووزراء الدولة والخبراء في الحكومة الاتحادية ، وتقليص الهيئة التشريعية على المستوى الولائي في المجالين التنفيذي والتشريعي. وعزز ذلك وزير المالية الذي تحدث بلهجة متشددة عقب مصادقة البرلمان على ميزانيته المعدلة ان اجراءات التقشف تشمل خفض الانفاق و تقليص سفر المسؤولين والوفود الى الخارج،ووقف المباني والسيارات الجديدة،وتبع ذلك سحب سيارات من الوزراء ورؤساء لجان البرلمان. تلك الخطوة على رغم أنها لا توفر مبالغ حقيقية لكنها كانت رسالة ايجابية وبادرة حسن نية من الحكومة بأنها تشعر بمعاناة شعبها،وتشاطره بربط الحزام على بطنها المترهلة. يبدو أن الحكومة الاتحادية تراهن على ضعف ذاكرة الشعب،وتعتقد أنه يمكن تخديره بمسرحية تلهيه أياماً ثم تعود الى سابق عهدها وهي مقتنعة أنها غير خاضعة للمحاسبة على أقوالها وأفعالها. لم تمض أسابيع على خطة التقشف حتى بدأ الوزراء والمستشارون الذين خرجوا بالباب من العودة عبر الشباك،فزاد عدد أعضاء مجلس الوزراء بتعيين وزيرين وعدد من وزراء الدولة. وتحدثت لجنة برلمانية نهاية الاسبوع الماضي عن التفاف على خطة التقشف، و إعادة توظيف عدد كبير من المسؤولين الذين تم إعفاؤهم مؤخراً من مناصب بالمركز ليتم تعيينهم في الولايات. تقرير المراجع العام الأخير أيضاًَ أشار الى توسع الولايات في تعيين خبراء ومستشارين في الوقت الذي كان يمكن فيه تسكينهم في وظائف هيكلية،ولكن يتم تمييزهم تحت مسمى خبراء لينالوا العقود المليونية. الزميلة «الرأي العام» ذكرت أن رؤساء لجان البرلمان الذين سحبت منهم سيارات بوكس قبل شهور في إطار التقشف أعيدت لهم بل وتملكوها بسعر يقل عن سعرها الحقيقي،وقبل اسابيع سعى نواب لطرح زيادة مخصصاتهم في عام «الرمادة». أما السفر فحدث ولا حرج، وأعتقد أن هناك زيادة كبيرة في عدد الوفود والمسؤولين الذين يسافرون الى الخارج،واليوم يغادر الى أديس ابابا وفد كبير للمشاركة في ورشة عن المحكمة الجنائية الدولية،والأسبوع الماضي كان اثنان من الوزراء السياديين ووكيلي وزارتيهما في الخارج لا اعتقد أن مهمتهم جميعاً كانت لا يمكن أن تقوم بها سفاراتنا هناك..!! «فضيحة» كشف عنها الزميل الدكتور ياسر محجوب في «المجهر السياسي» عن أن وزير المالية بولاية الخرطوم سيغادر في «رحلة الأحلام» إلى البرازيل يقود وفدا من 26 عضواً بينهم وزراء ومسؤولون كبار في الولاية، وتبلغ تكاليف رحلة الشتاء نحو مليون جنيه، وإن شئت مليار بالقديم.،نأمل أن لا يكون ذلك صحيحاً..! أخي وزير المالية، البرنامج الاسعافي الذي يستمر ثلاث سنوات استهدف خفض عجز الموازنة وتحقيق استقرار اقتصادي عبر خفض الانفاق الحكومي بنسبة 25 في المئة و20 في المئة في العامين الاولين، لكن لن يحدث لأنه رهن ب «اعادة هيكلة شاملة وجذرية في كافة مستويات أجهزة الدولة الاتحادية والولائية» ولا تزال الأجهزة منبعجة ومترهلة. ما يجري يعكس غياب ارادة التغيير وعدم الشعور بوطأة الأزمة الاقتصادية فهزمت الحكومة نفسها ووجهت ضربة قاضية الى شعاراتها وبرنامجها الاسعافي،وخذلت شعبها الذي لم تف بوعدها تجاهه وتركته يعيش آلامه وأحزانه يواجه غول السوق وظروفا معيشية قاسية. فإذا كانت الحكومة لا تصبر على خططها ،وتفشل في تنفيذ برنامج عمره شهور فكيف تخطط لادارة الدولة في خطة تمتد سنوات، فليس عدلا ان تطلب من المواطنين الصبر وهي تتوسع في الصرف السياسي والترضيات التي لا تغير شيئا.