(3) ثالثا: في الحلقة الاولى وقف بنا الحديث عند اهتمام امريكا والصديق بالسودان تمامه في حلقة اليوم ، لفت نظري بذات الخطاب تشخيصه لشخصية السيد الصادق والرئيس البشير والعاملين معه (ارجو الرجوع الى ما قاله عن الصادق والبشير بخطابه بالحلقة الاولى تفاديا للتكرار)، ولفت نظري اكثر قوله عن العاملين معه بالحرف (وهم في معظمهم ابناء المزارعين والرعاة من ابناء الاقليم الشمالي) . وهذا يعني انهم ليسوا من ابناء المدن السارقة لأخلاق الرجال والحمد لله ، ان اصبحت تربية القرى مكان مدح بعد ان كان ابناء المدن يعيروننا (بالعربي ده) بالاربعينات ونحن نسكت على مضض وان كان القائل من عامة الناس بالمدن والقرى ، وللتوضيح اذكر مثالا يوضح سرقة تربية المدن لأخلاق الرجال: اتى احد ابناء القرى بريفي الدبة الى الخرطوم مع والده واخوته، بعد ان استوى عودهم وهو طري بسن العاشرة.. بهذا الفارق اصبح يرى بتهافت ان بيع الآخرة بالدنيا ذكاء (إنتلجنسيا) ويفخر بتربية الخرطوم، والاشقاء على النقيض من ذلك امتداد طبيعي لأجدادهم الصالحين ولنارالقرآن لا رماد نار القرآن.. لفت نظري هذا اكثر، لأنني كثيرا ما اقول بمقالاتي ان خلخلة الشخصية السودانية التليدة ترجع الى منهج التعليم لا التعليم ، والى الافكار الوافدة اسلامية كانت او ماركسية. والى محاربة ما يعرف بالعادات الضارة كالخفاض لو كانت ضارة حقا لما لفت حاصل تربيتها نظر غرايشن، وفهم غرايشن للصادق والبشير يعني ان السياسة علم قبل ان تكون خطبا وزعامة. وقبله وصف دانفورث بتقريره السودانيين بالذكاء ، وقبلهما قال سير لادين (sirliawain) اي مساعد السكرتير الاداري بمذكراته عن السودان. قال: (افضل نخبة كانت ترسل للسودان بعد الهند).. وقال عن السيد اسماعيل الازهري (يفتقر الى حرارة القول واريحية الذهن) وعن السيد عبدالله خليل (ايجابي وذو حكمة متناهية) . وقال عن السودانيين بعامة (اهل فروسية وشخصيتهم متكاملة، وان المحكوم عليه بالاعدام يقدم عليه بشجاعة، كما يتميزون بملكة الصبر وتحمل الالم الحسي والمعنوي. وتقشفهم وصمودهم امام صدمات الحياة. لولاهم لما كان لبريطانيا الصمود في الحرب العالمية الثانية امام هجوم الايطاليين) (نقلا عن أ.د حسن مكي. الرأي العام 2009/5/3م - ص 7) /4 رابعا لفتت نظري خطة الامريكان لحكم الافارقة والعرب : الافارقة بصناعة رؤساء وحكام يفكرون كما يفكر الامريكان. والعرب نأخذ منهم كل ما نريد واكثر ما دمنا نوفر لهم الجلوس على العروش ونخيفهم. لكن السودان مختلف عن الافارقة والعرب؛ لما لهم من استقلالية واعتداد بالنفس ربما يرجع ذلك الى بيئتهم المسلمة العربية. الملاحظة صحيحة لذا قال (لما لهم ) لكن التعليل غير صحيح لذلك قال (ربما). فالعرب لهم ما لنا من اسلام وعروبة، ومع ذلك تمت الهيمنة عليهم بالعروش والتخويف الا من رحم ربك منهم كآل ثاني في دولة قطر وامثالهم على قلة تعدادهم ، ونجاد واردوغان بإيران وتركيا مقابل مصر العزيزة وامثالها من العرب. العلة حقا ترجع يا صديق غرايش الى التربية القائمة على المحافظة على القيم والمثل والعادات والتقاليد.. نذكر مثالا من التراث السوداني للتوضيح: (لا توجد فاحشة بين الشلك، والزاني والزانية لا عقاب لهما الا القتل، بل ان الرجل اذا انتصب ذكره وهو جالس مع غيره عوقب بالقتل في الحال، مع أنهم يجلسون عراة والنساء معهم) (المرجع المرأة السودانية ص80) وهم كالصين اليوم، وفي بولندا وامريكا العكس تماما وجوب فض البكارة بالزنا قبل الزواج، اعني بعادة البوي فرند (boyfriend)، ومما يؤكد صحة ما اقول وقناعتي به انني كتبت مقالا بعنوان (القيم في السعودية ريادة وفي الصين سلاح مطلق لا حيلة لأمريكا معه)، نشر بجريدة الرائد السودانية بتاريخ السبت 32/5/2009 ص 10 وبعد عام من مقالي قرأت مقالا بعنوان (انهيار امريكا.. وتوجه السودان شرقا)، بقلم الاستاذ عبدالله زكريا، نشر بالرأي العام بتاريخ 2010/4/3م ص7 خلاصته ان الولاياتالمتحدة ستنهارمن الداخل كالاتحاد السوفيتي بسبب الازمة الاخلاقية والمالية. المرجع كتاب البروفسير إيجور بانارين روسي تنبأ بذلك. مثال آخر عن علة اختلاف السودان عن الافارقة والعرب (سار ملك سنار بادي ابو دقن لمحاربة ملك تقلي بجبال النوبة ردا على سلبه تجارة صديق له، فكان يحاربهم بالنهار وبالليل يرسل لهم العشاء لأداء واجب الضيافة، فلما رأى ملك سنار مكارم اخلاقه صالحه ورجع عنه (المرجع تاريخ السودن: نعوم شقير : 392) لهذا التاريخ وغيره المترسب في اللاشعور الجماعي كان تفرد السودان بما لا حظ غرايشن. اين فلسفة جون ديوي شيخ المربين الامريكيين التي تقوم على البرجماسية (المنفعة) من هذا؟٭ واين تشجيع الفرنسيين وغيرهم من اوائل المهاجرين الى امريكا لإبادة الهنود الحمر بدفع باهظ الثمن لكل فروة رأس يأتي به الاوربي لهم من هذا ؟! اقول هذا وذاك لا للإدانة ا و الفخر ولكن لمجرد التوضيح بالمقابلة لاشباع رغبة صديق غرايشن السامية في المعرفة بعيدا عن السياسة، وقاعدة لا اخلاق في السياسية، وقريبا من حقوق الانسان التي كانت بالفطرة والسجية لا بالتمشدق بالالفاظ .. ومن قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) وقول السيد المسيح : (ما لقيصر لقيصر وما لله لله). /5 ولفت نظري قوله: (اصدقاؤنا الذين نعتمد عليهم في السودان هم الجنوبيون وهم كالافارقة لكن يختلفون عنهم بشيئين... أ- الشراسة التي اكتسبوها من خلال حروبهم مع الشمال.. ب- وشئ من الاخلاق العربية التي تسربت بطريقة ما من خلال معاشرتهم لعرب الشمال. وهم يستمعون لنا جيدا)... هذه الفقرة اكثر الفقرات حاجة للتوضيح العلمي لامتزاجها بالسياسة المفسدة للحق والحقيقة.. وعليه اقول : اولا وصف الجنوبيين بالاصدقاء فيه بلبصة (مداهنة) واضحة وفيه استخفاف بعقول الآخرين. كيف تكون صداقة والقاعدة عندكم (ليس لامريكا اصدقاء دائمون ولكن لها مصلحة دائمة)؟ وخير مثال على ذلك تنكر امريكا لشاه ايران (رضا بهلوي).. ثانيا: وصف الجنوبيين بالشراسة هذا لا يتفق وسماحة اخلاق الدينكا كمثال. هل تعلم ان الدينكاوي لا يسرق؟. ثم ان الشراسة لا تكتسب بالحرب ولكن تظهر في الحرب لسابق التربية كالشجاعة عند الاعدام كما قال سير لاوين سابقا عن السودانيين. هذه ليست شراسة، ولكن نتيجة طبيعية لوقوفكم معهم ضد العرب والاسلام في كل ما يفعلون، وان كان بين الخطأ، كالطفل المدلل لا يتراجع الا اذا ردّ الى الحق بحزم. وكالعبد يشتط اذا وجد الفرصة، هذا عن الشراسة ، بقي الخلق العربي عندهم ، ندعه للحلقة الثالثة والاخيرة لطوله واهميته. والله من وراء القصد..