قبل ان نتحدث عن عنوان هذا المقال ان ما يجري في الساحة السودانية والعربية يدعو للاسف فالصراعات العبثية بين السلفيين وغيرهم وما نراه اليوم في الساحة المصرية يؤكد ان ما ذهبنا اليه يعكس الواقع وكما يعلم الكل الدين الاسلامي رسالة عالمية جاء لاخراج البشر من الظلام الى النور ويدعو للتسامح والوفاق، والذي حدث بكل اسف في الدندر مع مجموعة من المتشددين يدعو ايضا للحزن وفي مختلف جامعاتنا هناك اتحادات مثل اتحاد ابناء الشايقية والدناقلة والمسيرية.. الخ. وكان من المنطقي ان يكون هناك اتحاد واحد لكل الطلاب والطالبات، فالطلاب والطالبات بدلاً من ان يحملوا الكتب والمراجع يحملون السكاكين وممارسة القلة من الطلاب والطالبات ممارسات غير اخلاقية في جامعاتنا يشكل خطورة لا يمكن تصورها بأية حال من الاحوال. فالطلاب والطالبات كان اجدر بهم ان يمارسوا مختلف انواع الانشطة التربوية مثل الرياضة، واصدقاء المرضى، والاذاعة المدرسية، والصحف وغيرها من الانشطة التربوية فالعملية التعليمية تقوم على ركيزتين التربية والتعليم فالعمليتان عبارة عن كفة ميزان لا نستطيع ان نتحدث عن التربية في غياب التعليم، ففي العمليات التربوية الطلاب والطالبات يكتشفون بيئاتهم المحلية وزيارة المستشفيات والمتاحف والمصانع ويتعرفون ايضاً على ما يجري في الساحة الاقليمية والدولية. ولكن وزارة التربية والتعليم سميت بوزارة التعليم العام وهذا ما يدعو للاسف. وقد التقيت بالاخ الدكتور معتصم عبد الرحيم ابان شغله منصب وزارة التربية والتعليم وذكرت له كيف تحذفون اسم التربية!! تتصاعد الدعوات منذ قريب الى انشاء قنوات فضائية اسلامية وجاءت آخر تلك الدعوات من المشاركين في المؤتمر الدولي لمسلمي اميركا اللاتينية الذين رأوا في شأن هذه القناة بديلاً عن القنوات التي لا تلتزم بالضوابط الاسلامية في الدول التي يعيشون فيها وكانت كوكبة من العلماء والمفكرين الاسلاميين واساتذة الاعلام قد دعت ايضا في تحقيق صحفي موسع نشرته «جريدة المسلمون» الى ضرورة التفكير الجاري في مواجهة القنوات الفضائية المعادية سواء أكانت تنصيرية ام منحرفة عن الاسلام كالقناة القاديانية، واكد اولئك العلماء والمفكرون والخبراء ان المواجهة لن تكون مجدية الا بوسائل مكافئة وانشاء قناة فضائية اسلامية بعد الاستجابة الطبيعية للتحدي الاعلامي الذي يتميز به العصر الذي نعيش فيه. وبسؤالنا الذي عنونا به هذا المقال ليس التشكيك في اهمية المطلب الملح بل هو للتأكيد باننا بحاجة ماسة الى تحقيقه في الواقع الملموس اما لماذا فللأسباب التالية: 1- ان عصرنا - او الفترة التي نعيشها منه - هو عصر الفضائيات.. والامم جميعاً - حكومات واصحاب مصالح - يتحركون صوب امتلاك قنوات فضائية للتعبير عن هويتهم وتحقيق مصالحهم وقد دخل العرب عصر الفضائيات من أوسع ابوابه ونجاحهم يدفعنا بالإلتفات الى ميدان خاص من ميادين العمل الاعلامي وهو تسخير قناة من القنوات لخدمة الدين وهذا واجب ينبع من رسالة التبليغ التي كلفت بها هذه الامة. 2- لقد تشوشت عقول قطاعات عريضة من المسلمين بسبب المفاهيم المغلوطة عن الدين وجاء التشويش ثمرة مرة لتصارع المذاهب والتيارات الدينية في عالمنا العربي والاسلامي ونبتت في مجتمعنا طوائف بعضها تسببت في عرى الاسلام ففقدت هويتها المميزة وبعضها الآخر غلت وتطرفت في آرائها وسلوكها فابتعدت بذلك عن وسطية الاسلام ولكل هذه الطوائف تأثيرات سيئة على كثير من شرائح المجتمع ولذلك فان انشاء قناة فضائية اسلامية قد يسهم مع غيره من الخطوات في تصحيح المفاهيم ونشر الاجتهادات السليمة وتقويم الانجرافات وتحصين عامة المجتمعات العربية والاسلامية من الوقوع في براثن الطوائف المنحرفة متسيبة كانت او متطرفة ويمكن لاجتهادات هذه القناة ان تشبع روح التدين الصحيح القائم على الوسطية في الاعتقاد والسلوك. 3- يقيم في احضان كثير من المجتمعات غير المسلمة وبخاصة في اوربا واميركا ملايين عديدة من الاقليات والجاليات الاسلامية المحرومة من العلم الشرعي والثقافة الاسلامية وهذه المجموعات الاسلامية تعيش في عزلة عن العالم الاسلامي وتعاني اجيالها الجديدة من الانقطاع الجزئي او الكلي عن قيم حضارتها، ومكونات ثقافتها ودعوية واعلامية لتربطهم بجذورهم وتقدم لهم زاداً روحياً وفكرياً يقوي تحصينهم الحضاري فيجعلهم يتفاعلون مع قيم المجتمعات التي يعيشون فيها وثقافتها دون ان يذوبوا فيها وينسلخوا عن معتقداتهم وعاداتهم. ولكن التفكير العميق والتخطيط المتقن وقبل ذلك وبعده النية الخالصة كل هذا مما لا ينبغي التقليل من اهميته وخطورته اذ بغيره لا يتحقق الامل على النحو الذي ننشده لا يكفي الحماسة العاطفية وحدها كما ان الاندفاع الذي لا يستوعب شروط العمل الاعلامي المميز ولا يراعي الظروف المحيطة اقليمية كانت أو دولية، ولا يحسن رسم السياسات والخطط الاستراتيجية منها والتكتيكية ان هذا الاندفاع ستكون له عواقب وخيمة على مستوى الامة والرسالة. لذلك فان الاقدام على تحقيق هذا الحلم ينبغي ان يكون مدروساً وموزوناً وقادراً على تخطي العقبات والولوج الى المستقبل. ان الذي يهمنا ليس ما قد نكسبه من راحة نفسية مؤقتة بدخولنا عالم الفضائيات بل ما نؤسسه من قواعد متينة تضع اقدامنا على ارض صلبة تنطلق منها الى مستقبل مأمول لنا وللاجيال القادمة من بعدنا. واحسب ان من القواعد التي لا بد من الاستناد اليها في اي محاولة ناجحة لتحقيق مثل هذا المشروع ما يلي: ٭ ان يكون التوجه الذي يتبناه المشروع توجهاً «انسانياً عالميا» ولا يقع في شرك القطرية او الاقليمية الضيق. وبذلك لا بد من ان يعبر المشروع عن انسانية الاسلام وعالميته بوصفه دينا للجميع ورحمة للعالمين ولهذا لا بد له من ان يستوعب الانسان كل انسان ويلبي اشواقه وتطلعاته ويراعي ظروفه وحاجاته. ٭ ان يبتعد عن تسييس الدين فلا يوظف الدين لخدمة مصالح سياسية او ليعكس آراء جبهة او حزب او جماعة او تيار بل لا بد ان ينحاز لقيم الدين الكبرى ومقاصده الكلية كما يجب ان ينأى بنفسه عن مواطن الخلاف والصراع والتنافس بين التيارات والقوى الدينية والسياسية التي تعج بها الحياة الاسلامية من حولنا. ٭ ان ينتهج الوسطية في خطه الفكري العام فلا يميع قضايا الدين واحكام الشرع الثابتة الواضحة ولا ينزلق الى هاوية الغلو والتطرف واعنات الناس باختيار الآراء المتشددة وعدم مراعاة مقاصد الشريعة وتقدير ظروف العصر وما اشد حاجة الناس في عالم رحب ممتد الآفاق متغير الظروف كالذي نعيشه الى منهج يراعي التيسير والتبشير وليس التعسير والتنفير. ٭ ان يكون الخطاب الذي ينطلق منه المشروع خطاب اعتدال واتزان يعتمد على الاقناع والعقلانية والتأجيج الآيديولوجي الذي يتسم بها خطاب كثير من الاسلاميين اليوم. وخاطب الاعتدال بمضمونه الديني واسلوبه العقلاني هو الملائم لرسالة موجهة الى ملايين البشر يختلفون في خلفياتهم وبيئاتهم وانتماءاتهم الفكرية والاجتماعية والجغرافية. ٭ واخيرا ان يكون شعار المشروع التعايش والتفاهم والتفاعل مع الثقافات والافكار الاخرى وليس الصراع والتصادم معها. ان كثيرا منا ويا للاسف بارعون في النقاش غير المجدي الذي يؤثر سلبا على الاسلام والمسلمين. والخاتمة: فيما سبق تحدثنا عن الضرورة القصوى لاطلاق فضائية اسلامية متخصصة لنشر قيم الدين الحنيف وفي تعريف العالم بسماحة الاسلام بمختلف اللغات الاجنبية مثل اللغة الانجليزية والفرنسية والاسبانية والصينية والروسية، لا سيما وان معظم الشعوب في العالم المعولم الذي نعيش فيه لا يعرفون الدين الاسلامي هذا الدين العالمي الذي جاء لانقاذ البشرية من الظلمات الى النور وكما ذكرت في مرات عديدة وبكل اسف وسائط منلوجية اي اننا نخاطب انفسنا ولا نخاطب الآخرين وكان من المنطق ان نطبق فكرة الاتصال الديالوج، واخيرا نأمل من الله تعالى الا يكون مقالنا هذا كخطبة المقابر! خارج النص: طالب أحد المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية ان يحترم السودان حقوق الانسان، ونقول لهذا المسؤول ان السودان يحترم حقوق الانسان والسجون السودانية ليست بها مسجونون كما حصل في غوانتنامو وابو غريب وفي ليبيا وقد لا يعلم البعض منذ سنوات طلبت المملكة المتحدة من الافارقة الذين كانوا بها وطلبت منهم الرحيل وعرضت عليهم مبالغ لكي يغادروا المملكة المتحدة اليس هذا يتعارض مع حقوق الانسان، فالمملكة المتحدة استعمرت السودان لمدة خمسين عاما والمشاكل التي نعاني منها كان للمملكة المتحدة دور رئيسي فيها وتحتضن هي حالياً المعارضين السودانيين وتقدم لهم الدعم المعنوي والمادي وشر البلية ما يضحك كما يقولون. فالحلف الناتوي ينص ميثاقه بعدم ان لا يقوم المنضمون فيه باي اعمال حربية ولكنه تدخل في الحرب الظالمة ضد العراق وافغانستان. المملكة المتحدة دخلت في حرب ضد فوكلانت في احد دول اميركا الجنوبية. وفي عين الوقت هي تطالب مع غيرها من الدول الاوربية بمحاكمة المشير عمر البشير امام محكمة الجنايات الاستعمارية الصهيونية. والاخ عمر البشير لم يحتل دولة من دول العالم بل هو يدافع عن وطنه بينما هي احتلت دول أخرى كثيرة في مختلف القارات.