البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته ومرافقيه إثر تحطم مروحية    والى ولاية الجزيرة يتفقد قسم شرطة الكريمت    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    الجنرال في ورطة    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم توفق محاولات المجتمع الدولي في القضاء على الارهاب لانه ظاهرة ذات أبعاد متعددة وليس عملاً اجرامياً
أثر الإرهاب على التنمية الإجتماعية في الوطن العربي (23)
نشر في الصحافة يوم 09 - 01 - 2013

الدكتور منصور خالد مفكر موسوعي ،وقلم موضوعي ،كتب في شتى المجالات بعمق ورصد أحداثاً وظواهر مرت على المنطقة والعالم برؤية ثاقبة،وظل متابعاً دقيقاً للتطورات السياسية والإجتماعية وله عدة مؤلفات في هذه الشؤون مما أكسبه احترام وتقدير قادة ومفكرين في العالم.
وقد شارك مؤخراً في ندوة نظمتها جامعة الأمير نايف للدراسات الأمنية بورقة وجدت صدى طيباً في الندوة لمناقشتها (موضوع الإرهاب واثره على التنمية الاجتماعية في الوطن العربي).
وخص الدكتور منصور خالد "الصحافة" بالورقة التي قدمها في الندوة وستنشرها الصحيفة تباعاً تعميماً للفائدة.
جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أنشأها الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز طيب الله ثراه لتعميق مفهوم الأمن في الوطن العربي وتطوير قدرات العاملين به.. وقد درجت الجامعة، إلى جانب الدورات التدريبية التي تعقدها، للعاملين في مجالات الأمن والشئون الاجتماعية على عقد ندوات بين الحين والآخر لتدارس القضايا ذات الصلة بالأمن بهدف بلورة رؤى مشتركة بشأنها..
وكان د.منصور خالد من بين من دعي لتقديم أوراق لتلك الندوة بحكم خبرته في القانون والإدارة وبالمؤسسات الدولية التي عمل في عدد منها.
2.الارهاب الدولي واللحظة الفارقة
2-1 في الحادي عشر من سبتمبر 2001م وقع خطب جلل قامت به جماعة القاعدة، وما كان ذلك الحدث ليهز العالم بالصورة التي اهتز بها لولا عدة أسباب:
* ضرب أكثر دول العالم نفوذاً الى حين إشعار آخر (الولايات المتحدة الأمريكية ) . تلك الضربة جاءت بصورة مست عصب القوة الاقتصادية للولايات المتحدة (بُُرجي مركز التجارة الدولية ) ، وقلب قوتها الدفاعية (مبنى البنتاغون) .
* القيام بهذا العمل من مجموعة من الشباب لم تنحدر من البيئات التي تُُفََرخ ، أو تعين على تفريخ ، الارهاب ، وإنما من عائلات موسرة في المجتمعات التي نشأت فيها .
* حسرة امريكا على وقوع ذلك الحدث من طرف منظمة اسهمت امريكا في دعم ، ان لم يكن خلق ، أهم العناصر المكونة لها : الافغان العرب وحركة طالبان خلال الصراع الذي كان يدور بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على افغانستان . وحينما كان النعت الذي يطلق على هذه الجماعات في عهد الرئيس ريغان هو المجاهدون الافغان اصبحوا ينعتون في عهد بوش الابن بالارهابيين .
* تلقي تلك المجموعة للتعليم ليس في المدارس السلفية أو تلك الدينية المنغلقة عن العالم بل في جامعات و معاهد الغرب ، أو المؤسسات التعليمية الحديثة في بلادها .
* نشوء الغالبية العظمى من المجموعة ، بل نمو وعيها «الثوري» ، في الغرب بحيث ينطبق عليهم قول المؤرخ الإسلامي اوليفيه روا : « ولدوا في قْطر ، وتعلمو في قْطر آخر ، ونمى وعيهم الثوري عبر العالم».
* توجيه المتطرفين لضربتهم لا الى قوم محاربين ، أو يحتمل ان يكونوا مصدر خطر على «الغزاة» ، بل دون اكتراث لذلك.
* نجاح هذه المجموعات في تسخير كل وسائل التواصل الإجتماعي الغربية لنشر أفكارها ، واستغلالها للمعارف العلمية التي حصلت عليها في أوطانها الجديدة لتطوير تكنيك الإرهاب لا تكتيك السياسة.
2-2 ودون التهوين من حدث راح ضحيته ثلاثة الف مواطن امريكي ، نقول ان عدد ضحايا «غزوتي» نيويورك وواشنطون اقل بكثير من ضحايا حوادث السيارات في شوارع امريكا سنوياً ، كما لا يقارن بضحايا التدخين الذين يبلغ عددهم سنوياً مائة ضعف ضحايا 9 سبتمبر . وعلى أي ، القضية تختلف في حالة القتل العشوائي عبر الارهاب اذ ان هناك جانب طوعي في الحالتين الاخريتين . ولئن أدركنا ، بسبب من كل ذلك ، ان المصيبة قد لحقت في عقر دارها بأكبر دول العالم إعتداداً بنفسها وأكثرها غروراً بسلطانها ؛ وان وََعينا ما ينم عنه الاعتداد الامريكي بالنفس من غطرسة بلا حدود ، فلا مشاحة في أن يكون رد فعل تلك الدولة عنيفاً . تعبير « غطرسة القوة « (The Arrogance of Power) لم ننحته نحن بل هو عنوان لكتيب أصدره وليام فلبرايت رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في عام 1966 إبان حرب فيتنام ، وكان من أشد ناقديها صلابة . وعبر التاريخ ما انفكت الامبراطوريات الكبرى تسعى لفرض ارادتها على العالم بدءً بالامبراطورية الرومانية التي سعت لان تجعل من السلام العالمي سلاماً رومانياُ (Paxa romana) .
2-3 كان من البدهي ، اذن ، ان تكون لذلك الحدث تداعيات على كافة الأصعدة : على الصعيد السياسي المحلي ، على الصعيد الفكري ، على صعيد الاستراتيجيات الدولية ، ثم على صعيد القانون الدولي . فعلى الصعيد المحلي اقدمت الولايات المتحدة على ما لم تقدم عليه حتى في ابان حرب فيتنام ألا وهو تقليص الهامش الواسع للحريات الذي يضمنه للمواطنين الدستور الامريكي (وثيقة الحقوق)، والتي ظل القضاء الامريكي حريصاً على الزام الدولة والمواطن بتطبيقها . ومن الواضح ان الهزة التي تعرضت لها امريكا كانت بدرجة من العنف حملتها على محاربة خصومها الجدد بإسلوب رد الفعل وهو اسلوب يقود الدول الى مجافاة المهنية في الاداء ، بل يغريها بالقفز على ما يُُلزمها به الدستور .
2-4 من الناحية الفكرية دفع رد الفعل هذا اغلب صناع القرار ، وبعض المؤثرين على الرأي العام ، في الولايات المتحدة إلى قراءة خاطئة للأحداث وبالتالي الى تفسير مغلوط لها . مثال ذلك تحول محاربة الارهاب من جريمة يُُعاقب عليها فاعلوها الى ادانة لمجموعات بأكملها (المسلمين والعرب) ، أو لدين محدد (الاسلام) . وكان ذلك ابتناء على دعوى القاعدة بانها تقود جهاداً يدور في فسطاطين : فسطاط الكفر وفسطاط الاسلام . تلك الجماعة لم تقف عند تزيين الجهاد لشبابها بل أفتت بان ذلك الجهاد فرض عين يثاب المسلم على فعله ويعاقب على تركه باعتباره واجباً متعلقاً بعين المسلم لا يقوم به أحد غيره نيابة عنه . لم يقف الأمر عند هذا بل افتى بن لادن أيضاً بقتل الامريكان بمدنييهم وعسكرييهم دون تمييز ، وبنزع الشرعية عن الانظمة الاسلامية التي لا تتقبل رؤاه أو تقف حجر عثرة في سبيل تحقيقها . أفتى أيضاًً بتحرير الأقصى باجلاء اليهود ? لا الصهاينة ? عن أرض فلسطين ، وتحرير المسجد الحرام وكأنه قد اصبح أرضاً محتلة . اضافة الى ذلك استباح دم « الكفار» الذين يُُفترض أن يكونوا مستأمنين في دار الاسلام بدعوى أن حكام تلك الدول كفرة مارقون لا يحق لهم استئمان كافر. تلك الأصولية الجهادية ذهبت ايضاً الى رفض القيم والثقافات الانسانية ذات المنبع الغربي واعتبارها وثنية جديدة دون وعي ? أو حرص على وعي ? بأن الحضارة الغربية المعاصرة هي أيضاًً حضارة عربية ان اخذنا في الاعتبار دور العرب في نقل ، والحفاظ على ، آثار الحضارة الهيلينية . وعلى كل ففي سبيل القضاءعلى تلك « الوثنية « لم يََضِِر تلك الجماعة في شئ أن تهتز قواعد الأمن والسلام الدوليين التى ارساها ميثاق الامم المتحدة وعهود ومواثيق حقوق الانسان . هذا الفهم للسياسة يزعزع ، دون شك ، الأمن الخارجي كما يمتد أثره الى كل ارجاء العالم الاسلامي . فمن ناحية ، تمزق هذه التوجهات ان تُُركت تنمو وتتفاقم النسيج الاجتماعي في العديد من الدول التي تجمع فيها المواطنة بين المسلم وغير المسلم ، كما يلحق الأذى بالمجموعات الاسلامية المتعددة التي اتخذت من العالم الغربي على ضفتي الاطلسي وطناً جديداً لها . الى جانب ذلك لا يمكن لهذه النظرة المسرفة في التطرف أن تصبح قاعدة فقه ? فكرية لاحياء الدين الاسلامي ، بل هي وصفة ضارة بذلك الدين لتوفيرها لخصومه أرضية مطواعة لاذكاء الفتنة بين المسلمين وغير المسلمين ، بل ووسط المسلمين أنفسهم .
2-5 لكل هذه الأسباب ، ذهبت الولايات المتحدة إلى الإنتقام من ارهابيين مزعومين وفق تصور ذاتي للارهاب ، بدلاً من تركيز الجهود على البحث عن جذور الإرهاب وتحديد الارهابيين الحقيقيين ، خاصة بعد خطاب الرئيس بوش حول محوري الشر والخير . بذلك الخطاب وافق شن طبقة ، فتقسيم العالم كله الى فسطاط كفر وفسطاط اسلام لا يقل في غيوته عن تقسيمه الى معسكر خير ومعسكر شر . وبما أن مخاطر الارهاب (أين ستقع وممن) لا يسهل قياسها اخذت تسيطر على الولايات المتحدة عقلية تجنح الى تفادي أي احتمال لوقوع الارهاب (Zero ? risk mentality) . ونتيجة هذا الخوف المرضي اصبح كل عربي او مسلم ، أو صاحب اسم عربي او اسلامي ، متهماً حتى يثبت العكس ، كان ذلك في المطارات الجوية أو مناطق السكن . تلك الظاهرة المرضية صحبها ايضاً ما اسماه اوليفيه روا «الجهل المقدس» . التجسيد الفاضح لذلك الجهل يجليه اعتراض نائب يهودي على رغبة نائب الكونقرس كيت اليسون في اجراء القسم على القرآن بعد انتخابه كاول نائب امريكي مسلم . وبلغ الحمق بالمعترض حداً جعله يقول ان الامر لا يتعلق بقضية دينية بل هو قضية ثقافية تُُلزم كل النواب على القسم على الكتاب المقدس المسيحي .
2-6 وعلى أي ، فتماماً كما خلقت الجماعات المارقة عن التيار العام للمقاومة الفلسطينية بقيادة جبهة التحرير رد فعل غير معافى نحو القضية من جانب الرأي العام العالمي بل والعربي في بعض الأحيان ، تعرض الاسلام كعقيدة يدين لها 6,1 مليار نسمة عبر العالم لأذى جسيم بسبب غلواء جماعة اختطفت ذلك الدين وآنست في نفسها الكفاءة لتصبح المُُعََبِِر الوحيد عنه . ثمة عاملان تفيد الاشارة إليهما في هذا المجال إذ كان لهما أثر ملموس إن لم يكن في اضفاء شرعية على الرؤى الملتبسة حول الاسلام التي تبناها المختطفون ، فعلى الاقل في الايحاء بان تلك الجماعة تحوز على دعم شعبي رغم أنها لا تمثل الا اقلية في اوطانها . هذا الايحاء يعود الى عاملين :
الأول هو ما رآه بعض المسلمين في ضرب امريكا ? أو ان شئت في «غزوتي» واشنطون ونيويورك ? من رد للإعتبار بعد فترة من الهوان والإستضعاف . ومن المدهش أن تتأرجح مواقف المتعاطفين مع تلك الجماعة بين الإعجاب والتهجين ، وبين التقدير والزراية . فرغم إعجاب هؤلاء (غير المعلن ) بالغزاة الا انهم سعوا لانكار مسئولية القاعدة عن أحداث نيويورك و واشنطون لان ذلك العمل في تقديرهم يتطلب قدرات لا يملكها ، أو يقدر عليها المسلمون . ولا نظن أن هناك تهجيناً وزراية أكثر من وصم العرب أو المسلمين بلا استثناء بالعجز عن اللحاق بركب الحضارة المعاصرة واستجادة استخدام آلايتها . على هذه المجموعة التي ادعت النأى بنفسها عن افعال بن لادن وصحبه في ذات الوقت الذي لم تُُخف فيه اعجابها بما فعل أطلق الكاتب المصري مامون فندي إسم «جماعة بن لكن» ، أي جماعة لا ونعم .
العامل الثاني هو ضعف المجابهة الفكرية الشجاعة لتسخير الدين من أجل تحقيق مشروع سياسي يتخذ من الدين غطاء له ، ربما بسبب من البنلاكنية التي اومأنا اليها .
2-7 الإرهاب السياسي لم يكن غريباً على التاريخ الإسلامي كما اشرنا من قبل ، الا أن ذلك كان الإستثناء لا القاعدة . وعلنا ننحي جانبا الارهاب الذي لم يكن يستحي من ذكر اسمه مثل عمليات الحسن بن صباح ، شيخ الجبل الذي إنشق عن الفاطميين واتجه شرقاً إلى فارس فعاث في الأرض فساداً .وفيما يروي التاريخ ان الحسن كان ، وصحبه ، يدمنون تناول الحشيش ، خاصة قبل البدء في غزواتهم لتوهمهم بأن ذلك يوفر لهم شجاعة وقدرة على البطش باعدائهم . هؤلاء نعتوا ب «الحشاشين» أي مدمني الحشيش الا ان اسمهم في لغة الفرنجة اصبح (assasins) أي السفاكين . باستثناء تلك الفئة المارقة كان الاسلام ، خاصة في فجره وضحاه ، من اكثر الديانات ادانة للفجور في الخصومة ، والعنافة في التعامل مع الآخر المغاير حتى في دار الحرب . بيد أن القراءة المختزلة والمخلة لكتاب الله من جانب المتطرفين تبريراً لعنفهم العشوائي زادت من الالتباس عند غير المسلمين بشأن ذلك الدين . مثال ذلك زعم تلك الجماعة بان الارهاب الذي يباشرون هو امتثال لقوله تعالى « وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ « (الانفال الاية 60) . جلية الأمر ان كلمة ارهاب باللغة الانجليزية (terrorism) لا تعني غير اشاعة الرعب إذ أن جذرها هو الكلمة اللاتينية (terrero) والتي تعني : «انا ارعبك « . فلا شك ، مثلاً ، في أن الذين الحقوا غير المسلمين من مواطنيهم في « دار الاسلام « بفسطاط الكفر الذي ينبغي تدميره لم يقرأوا ، أو على الاصح تجاهلوا ، عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (بيت المقدس ) عند فتحها عام 638 ميلادية . في ذلك العهد أعطى عمر المسيحيين من أهلها « أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أن لا تُُسكن كنائسهم ولا تُُهدم ولا يُُنتقص منها ولا من ُُصلبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يُُكرهون على دينهم ولا يُُضار منهم أحد « . كما تجاهلت تلك الجماعة عندما دعت الى ممارسة العدوان العشوائي بلا تمييز رسالة الخليفة الأول ابي بكر ليزيد بن ابي سفيان عند توجهه لغزو الشام ، وكانت دار حرب . قال الخليفة :» إحفظوا عني عشرا : لا تخونوا ، ولا تَغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثّّلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا أمراة ، ولا تعقِِروا نخلاً أو تحرقوه ، ولا تذبحوا شاة ولا بقراً ولا بعيراً إلا لمأكله ، وسوف تمرون باقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم لما فرغوا له ، وسوف تقدمون على أناس يأتونكم بآنية فيها الوان الطعام فأذكروا إسم الله عليها « . أو لا ترى أن الجهاد الذي دعا له المتطرفون هو لوي بالحق وجحود . (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب ، وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَاب وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران 3 ، 87) .
2-8 مهما يكن من أمر، فان تََمدُُد الارهاب أفقياً (تجاوزه الأوطان والقارات) وعمودياً (شموله لمجموعات مختلفة الأعراق والديانات بل والانتماءات الطبقية في داخل الوطن الواحد) قاد الى اختلال حسابات المجتمع الدولي حول دوافع الارهاب اذ لم تعد هي البؤس ، الإحباط ، الظلامات الموروثة ، أو اليأس . فرغم أن كل هذه الاوضاع قد تخلق البيئة التي تفرخ الارهاب ، الا ان الارهاب الدولي المعاصر كشف عن ظاهرة جديدة هي دور العوامل الدينية او العقائدية في دفع البعض للتضحية بحياته وعدم الاكتراث لحياة الآخرين ان كان في ذلك تحقيقاً لما يحسبه ارادة الله . تضافر هذه العوامل مجتمعة أعان على خلق أرضية للصهاينة واليمين الانجيلي الجديد في أمريكا لإشعال الحرب ، ليس في الغرب وحده بل في العالم ، ضد الإسلام والمسلمين بإعتبارهم مصدر جميع الشرور التي تهدد العالم . ذهب هؤلاء ايضاًً للزعم بأنه في الوقت الذي يدعو فيه الاسلام المسلمين للتضحية بانفسهم بتفخيخ اجسامهم لتحقيق ما أمر به ، فان نبي النصارى عيسى بن مريم عليه السلام آثر ان يضحي بحياته من اجل اتباعه : «لأن ابن الانسان ايضاًً لم يأت ليُُخدم بل ليخَّّّدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين « (مرقص ، الاصحاح العاشر ، 45 ) . هذا التلاقي بين المتطرفين في الجانبين جعل الأمور تختلط وتتلبط على كليهما ، ولهذا فبدلاً عن أن تكون الحرب على الإرهاب حرباً على جماعات إختطفت الإسلام لتسعى به نحو حرب كونية جديدة لا يبررها الإسلام أو أي دين آخر ، أضحت حرباً دينية على العالم الإسلامي كله ، بل على الاسلام نفسه . وكأن العالم مازال على ما كان عليه في عهد بليز باسكال (1663-1662) الذي روى عنه قوله عن الشرور التي يمارسها البشر « ليس هناك ما يفعله المرء بغبطة وبكل مافي كلمة الفعل من معنى غير ذلك الذي تحركه عقيدة دينية « . لهذا عوضاًً عن تركيز المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة على معالجة الجذور الإجتماعية والسياسية والإقتصادية للارهاب إنصرف لاشعال نيران حرب انتقامية ضد عدو مفترض . وما أن حل الثامن والعشرون من سبتمبر 2001 حتى اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها 1373 الذي منح الدول الحق في اتخاذ اية اجراءات للدفاع عن النفس تحت مادة المادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة . تلك المادة تتعلق ، من بين اشياء اخرى ، بالدفاع المشترك عن النفس (Collective self defence) . نصت المادة أيضاًً على « أن ليس في الميثاق ما يُُضعف ، أو ينتقص من ، الحق الطبيعي للدول ، فرادى أو مجتمعة ، في الدفاع عن نفسها اذا اعتدت قوة مسلحة على أحد اعضاء الامم المتحدة» . في ذات الوقت الزمت الدول الاعضاء نفسها بالتعاون الكامل مع الاجهزة الفرعية لمجلس الأمن المناط بها مكافحة الارهاب .
2-9 رغم هذه النصوص لم توفق محاولات المجتمع الدولي في القضاء على الارهاب قضاءاً كاملاً نتيجة تجاهلها لان الارهاب ظاهرة ذات أبعاد متعددة وعناصر متشابكة وليست فقط عملاً اجرامياً بحتاً . ولو سعى المجتمع الدولي ممثلاً في الامم المتحدة ? ولو قليلاًًً ? لتحقيق الاهداف التي دعت لها استراتيجية مكافحة الارهاب لتبدل الحال . ففي القرار 288/60 الصادر في سبتمبر 2006 اعلنت الدول ، بما فيها الدول العربية ، عزمها على تحقيق الاهداف التالية لمكافحة الارهاب : فض النزاعات الداخلية ، انهاء الاحتلال الاجنبي ، محاربة الظلم والاضطهاد ، ازالة الفقر ، تشجيع النمو والتنمية المستدامة ، تحقيق الرفاه العالمي والحكم السليم واحترام حقوق الانسان للجميع ، سيادة حكم القانون ، تحسين العلاقات الدولية ، وضمان احترام كل الاديان وكل القيم والثقافات والمعتقدات الدينية . هذه بلا شك اجندة عملاقة تتطلب تضافر جهود جميع الدول ، خاصة الكبرى منها التي تهيمن على مؤسسات صنع القرار الدولي على الصعيدين السياسي والاقتصادي . في ذات الوقت على الدول العربية ان تُُقبل على أداء ما يليها في تلك الاجندة من واجبات اقتصادية واجتماعية و سياسية لان في ذلك مصلحة لها ولشعوبها .
2-10 ان كان المجتمع الدولي ، بل اغلب الدول ، لم توفق في التنفيذ الكامل لاستراتيجياتها لمحاربة الارهاب فقد باءت بالفشل ايضاً السلفية الجهادية التي اختطفت الاسلام وسعت الى خصخصته لتحقيق مآربها بتأليب المسلمين ضد الآخر المغاير . فباستثناء باكستان والعراق واليمن (الى حد ما ) تضاءل مد التطرف في دول العالم الاسلامي في اسيا . وفي اوروبا ? بما فيها من دول اسلامية كبرى مثل تركيا وصغرى مثل دول البلقان ? عجزت السلفية الجهادية عن ان يكون لها موطئ قدم ثابت . كان ذلك ايضاً هو حال الجيوب المتطرفة التي استغلت هامش الحريات الذي وفرته لها بعض الدول الاوربية التي لجأت اليها هرباًً ( يا للمفارقة ) من أوطانها الاسلامية مما مكنها من ان تجعل من تلك الدول مرتكزاً خلفياً لحملاتها أو التجهيز والاعداد لتلك الحملات . انحسر المد ايضاً ? بل انكسرت شوكته ? في شرق افريقيا (الشباب في الصومال) كما حوصر في شمال افريقيا وفي غربها . ولعل الولايات المتحدة قد ادركت من تجاربها في افغانستان المخاطر الكامنة في تدخلها المباشر فتركت الأمر لأهله . ففي خطاب قريب عهد للجنرال كارتر هام Carter Ham قائد القيادة الأمريكية في افريقيا قال : «ان افضل ما تفعله امريكا هو تمكين دول المنطقة والمنظمات الاقليمية ( الاتحاد الافريقي ) من ايقاف ذلك المد « . هذا تحول محمود إذ كان الهدف الرئيس لهذه القيادة عند انشائها في ديسمبر 2006 ، الى جانب دعم الدول الصديقة وبطلب منها ، هو « القيام بمناشط وعمليات عسكرية بهدف خلق بيئة افريقية آمنة في خدمة السياسة الخارجية الامريكية « .
2-11 أياًً كان الحال ، فان القضاء على ظاهرة الارهاب لا يكتمل الا إذا ذهبت الدول الى معالجة ، أو بالاحرى القضاء على ، كل ما يحمل الناس على التطرف . تحقيق هذا يقتضي جهوداً متنوعة : جهد فكري يزيل التلوث الذي ران على عقول البعض بسبب التطرف ؛ وجهد تربوي يعين على تطهير امخاخ الناشئة من الثقافة العدائية نحو الآخر والتي غرستها مناهج تعليمية تقود الى تخالف وفساد حتى بين ابناء الوطن الواحد ؛ وجهد دعوي تنويري يُُطََهِِر الاسلام من الغلواء ويبرز طبيعته الإنسانية السمحة اذ لا يمكن لدين قال عنه نبيه الكريم : « ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق « إلا ان يكون سمحاً . تحقيق هذه الاهداف لا يتم الا بتربية طالب العلم على الفهم الصحيح لمقاصد الدين عوضاً عن الفهم الحرفي له ، فالفهم الحرفي يقود دوماً الى انحراف عن الجادة . لا يتحقق ذلك الهدف ايضاً الا بتنشئة الطالب على القراءة النقدية للتاريخ بدلاً عن التلقين الذي ينتهي دوماً بضمور عقل الطالب و تعطيل تفكيره . فطالب مثل هذا سيضحي ، بلا جدال ، شخصاً غير مُُخََير يتصرف بغريزته ، وليس في التصرف الغريزي اختيار . من مقاصد الدين ايضاً محاياة الآخرين على اختلاف النوع والعرق . ولئن قضى رب الخلق بان يتعايش خلقه ? رغم اختلاف النوع والعرق ? وهو بهم «عليم خبير» ، فما هو الحق الذي يملكه اي بشر سَََوْْي ? ناهيك عن غير الاسوياء ? لكيما يفرق فيه الناس الى شعوب وقبائل لتتصادم ولا تتعاون ، وتتخالف ولا تتآلف . اوليس رب العباد هو القائل : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» ( الحجرات 13) .
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.