ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    مروحية الرئيس الإيراني تتعرض لحادث.. وعلى متنها عبد اللهيان أيضاً    عقار يؤكد ضرورة قيام امتحانات الشهادتين الابتدائية والمتوسطة في موعدها    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلوم وأربعات ومرافيت وهيا.. تحت وطأة الثالوث القاتل
« الصحافة » تتجول في شرق السودان

فلتكن بدايتنا بمحلية القنب والاوليب التي سجلنا لها الزيارة الاولى في اطار جولاتنا على ثلاث من محليات ولاية البحر الاحمر، واخترنا ان تكون البداية بالقنب والاوليب، وذلك للمفارقات الغريبة التي واجهتنا ونحن نتجول في المحلية ذات المساحة الكبيرة والموارد الضخمة التي تقع حاضرتها على بعد مسافة لا تتجاوز عشرين كيلومتراً من مدينة بورتسودان.
سلوم
كان دافعنا لتفقد واقع حال المواطنين بمحلية القنب والاوليب الشكاوى المتعددة التي ظل يدفع بها ناظر قبيلة الامرأر علي محمود للمركز الذي وكما بدا لنا واضحاً من خلال وجودنا في بورتسودان ان علاقته بوالي الولاية ليست جيدة، وعزا شباب برود العلاقة بين الناظر والوالي الى الظلم الذي تتعرض له مناطق القنب والاوليب التي يرى ناظر الامرأر انها تمتلك امكانات ضخمة، الا ان مواطن المحلية لم يستفد منها شيئاً، وتركنا ما بين الناظر والوالي خلفنا ببورتسودان، وفضلنا اتباع قاعدة من رأى ليس كمن سمع، وذلك حتى نعرف ايهما على حق الوالي ام الناظر ، وكانت بداية جولتنا بحاضرة محلية القنب وهي منطقة سلوم التي تقع غرب بورتسودان على بعد مسافة «18» كيلومتراً، ولهذه الخاصية توقعنا أن نجدها لا تقل جمالاً عن وسط حاضرة الولاية، وفي الطريق رسمنا لها صورة وردية وزاهية قياساً بامكانات المحلية الكبيرة، وفي الطريق اليها ورغم قصر مسافته لم تقابلنا قرى، والمرفق الوحيد الموجود هو الميناء الجاف الذي أنشأته هيئة الموانئ البحرية، وبعد وصولنا الى احدى المناطق اشار قائد العربة محمدوية، وهو ناشط سياسي، بيده الى قرية صغيرة لا يتجاوز عدد منازلها مئتي منزل، ومعظمها مشيد من الخشب والصفيح وقليلا منها شيدت بالمواد الثابتة، قال إن هذه هي سلوم، فدخلت معه في جدال كأنما سبق لي ان زرت المنطقة، وجدالي معه كان يعود الى انه ليس من المنطق ان تكون هذه القرية الصغيرة حاضرة محلية، واثناء حوارنا رأينا غرب سلوم منطقة تبدو عليها آثار المباني الثابتة واضحة، فطلبنا من صديقنا محمدوية التوجه اليها، وعندما وصولنا وجدنا انها احدى القرى النموذجية التي شيدها والي الولاية، ومثل غيرها لم تكن مأهولة بالسكان، حيث تجولنا في ارجائها وكانت كل المنازل خالية، ولحسن حظنا قابلنا احدهم وسألناها عن «الحاصل»، فتبادل مع محمدوية حديثاً بلهجة محلية لم افهمها، وعرفت بعد الترجمة ان ذلك الشخص افاد محمدوية بعدم وجود سكان في المنازل، وان سلطات الولاية طلبت منه ان يخبر الوفود التي تزور القرية النموذجية بأنها تضم اعداداً كبيرة من السكان الا انهم خرجوا للزراعة او الرعي، بعد ذلك فضلنا العودة الى سلوم، وعندما توغلنا في جنباتها تكشف لنا بؤس حال السكان الذين يقطنونها، وذهبنا الى المحلية التي هي عبارة عن اربعة مكاتب دون سور، وعلمنا ان المعتمد يأتي اليها بصورة متقطعة ومتباعدة، وذهبنا الى مدرسة اساس مختلطة، وهالنا منظر التلاميذ والفصول، فكل شيء يوضح استحالة ان يتقدم احد هولاء التلاميذ الى الامام في مسيرته التعليمية، فالفصول سقفت بالزنك، وقال لنا استاذ ان الصيف يعني الجحيم لهم وللتلاميذ، كاشفا عن ان معظمها آيل للسقوط، وقال ان الغذاء الذي التزمت به حكومة الولاية لم يعد منتظماً، ووجدنا مركزاً صحياً شيده صندوق اعمار الشرق، ولم يكن به مرضى رغم وجود طبيب، ولا توجد شبكة مياه شرب، وخدمة الكهرباء تسجل غياباً تاماً، وفضلنا العودة الى بورتسودان بعد ان ألجمتنا الدهشة حول اصغر وافقر حاضرة محلية في السودان.
أربعات.. المسكيت مصدر دخل
والوضع في اربعات التابعة لمحلية القنب والاوليب لا يختلف كثيراً عن سلوم، والاختلاف الوحيد هو ان مواطن اربعات كان يعتمد على الزراعة بدلتا الخور، الا انه وبعد تشييد سد ضخم لحجز المياه التي تسقي مدينة بورتسودان توقف عن الزراعة، وذلك لأن المياه لا تصل الى الاراضي الزراعية، وفضل الكثير من الاسر الهجرة، ومن تبقى بحسب القيادي محمد كرار تحول الى مهنة واحدة وهي قطع اشجار المسكيت التي نمت بكثافة عالية، ليصبح المسكيت هو المورد الوحيد لأهل المنطقة لكسب رزقهم، ولكنه الآن انتهى، واصبح بقاء المواطنين في المنطقة مهدداً بالخطر الشديد، مشيراً الى ان منطقة كسيباي تفتقر الى ادنى الخدمات، وتشكو تهميشاً واضحاً وفقراً على الاصعدة كافة، وقال ان المواطن ضاق ذرعا بواقعه، ففضل الكثيرون الهجرة بعد ان ظلوا سبع سنوات دون عمل عقب بناء الحاجز، مشيراً الى ان حكومة الولاية غير مهتمة بهم ولم تسع لتوفير البديل، ومن خلال تجوالنا تكشف لنا البؤس الذي يعيشه المواطنون الذين تمسكوا بارض الجدود ولم يفارقوها، وحدثنا محمد وهو شاب ناغم على حكومة الولاية ان المنطقة تعاني من ارتفاع نسبة الفاقد التربوي ومن امراض سوء التغذية والبطالة، متوقعاً ان يهجرها سكانها الى الاحياء الطرفية ببورتسودان كما فعل الكثيرون حسبما اشار.
أرياب .. حكاية أغرب من الخيال
وعزمنا على التوجه الى منطقة ارياب المشهورة بإنتاج الذهب بكميات كبيرة، الا ان بعد المسافة ورداءة الطريق حالت دون ذلك، ولكن اكتشفنا معلومة تبدو اقرب للخيال، اوضحها لنا معتمد محلية القنب الاوليب عبد الله اوبشار الذي اشار الى ان نصيب المحلية السنوي من الذهب المستخرج يبلغ 500 الف جنيه، وهذا يعني ان المحلية ومنطقة ارياب تنال في العام ما يعادل الكيلو ونصف الكيلو من الذهب من الانتاج الكلي غير المعروفة كميته، الا ان المعتمد اشار في حديث ل «الصحافة» الى ان هناك ارقاماً قدمتها الشركات تفيد بأن الذهب المستخرج من ارياب منذ بداية العمل في عقد التسعينيات تجاوز ستين طناً، ويعترف المعتمد الشاب بأن التنمية والخدمات في محليته ليست في المستوى المطلوب، الا انه يعزو ذلك الي حداثة نشأة المحلية، مشيرا الى ان حكومة الولاية وجهت بتسليم حصة الولاية من حقول الذهب بارياب الى المحلية، وقال انه خلال الفترة الماضية استفادوا منها في تشييد عدد من المرافق بارياب ابرزها مدرسة، وقال ان توقف السكة حديد اضر بسلوم، وبسبب ذلك هجرها السكان، وقال إن ندرة المياه السطحية من القضايا التي تؤرقهم، الا انه اكد اكتشاف آبار جوفية ضخمة سيتم استغلالها ليس لشرب الانسان وحسب بل لتنشيط القطاع البستاني، متوقعاً ان يشهد العام الحالي تشييد عدد كبير من المرافق الصحية والتعليمية بالمحلية.
عقيق.. معاناة الترحال
وفي رحلتنا الى محلية عقيق التي ظل يطاردها شبح المجاعة والهجرة المتواصلة للسكان منها بحثاً عن حياة تتوفر فيها ادنى مقومات الحياة، تعرفنا على اسباب انتشار امراض الجهاز التنفسي الكثيرة التي يعاني منها السكان، مع امراض اخرى تعتبر من متلازمات الفقر الذي يتفشى كالعمى والعمى الليلي والسل وسوء التغذية، فالطريق الوعر الذي يعتبر الوحيد الرابط بين محلية وحاضرة الولاية لم يعرف الاسفلت اليه سبيلاً، ليظل الغبار المنبعث من هذا الطريق داخل العربة هو الشغل الشاغل للراكب الذي عندما تعيه الحيلة يسلم للامر الواقع ويستنشقه مكرها، وذلك لان المشوار الى مرافيت التي لا تبعد عن محلية طوكر سوى ثلاثين كيلومترا يستغرق قرابة الساعة، وذلك لأن العربات تمر فوق رمال واراضي الدلتا، ومعظم العربات باستثناء سيارات الدفع الرباعي تتعرض للوحل، واجتزنا الدلتا بطريقها الوعر والقاسي، فلاحت لنا منطقة مرافيت التي توقفت فيها رحلتنا قسراً ولم نستطيع اكمالها وصولا حتى قرورة مروراً بعقيق وغيرها من مدن المحلية، وذلك لسببين الاول تعطل العربة التي كانت تقلنا وتعذر مواصلتها الرحلة، وثانياً أن الكثيرين نصحونا بعدم المخاطرة، لأن المشوار قد يستغرق يوما كاملا وذلك لرداءة الطريق، وقال لنا مواطن يدعى احمد حسن ان مرافيت صورة طبق الاصل لمناطق المحلية الاخرى، وقال: «هنا لا توجد جهود رسمية تشعر المواطن بأن الدولة تهتم به، بل في الكثير من انحاء المحلية لا توجد آثار للدولة، والمواطنون في مرافيت وغيرها يشربون مياهاً مالحة، ولولا رحمة الله لمات الكثيرون بأمراض الفشل الكلوي، فالأمطار التي تهطل يذهب جزء كبير منها الى البحر المالح «الاحمر» دون ان تكون هناك جهود من الحكومة لاقامة سدود لحجزها، وما يتبقى يشربه المواطنون لفترة محددة، ثم ما يلبث ان ينتهي، وذلك لأن محطة التحلية معطلة».
وفي مرافيت وهي قرية كبيرة لم ترق بعد لمستوى المدينة، زرنا السوق فوجدنا ان هناك حركة تجارية لا بأس بها، وحدثنا تاجر رفض ذكر اسمه بأن اقتصاد المنطقة يعتمد بصورة كاملة على بيع الفحم الذي يستخرجونه من المسكيت، مبيناً ان المنطقة اذا ما تم ربطها بطريق مسفلت بطوكر من شأنها ان تتطور، وقمنا بجولة سريعة، فوجدنا ان هناك مدرسة ثانوية مختلطة تشكو نقصا في المعلمين، كما افادنا بذلك احد المعلمين، الا ان بالمنطقة مدرستا اساس تضمان اعداداً كبيرة من التلاميذ ولا تشكوان نقصاً واضحاً، ويبلغ عدد سكان منطقة مرافيت «15» ألف نسمة، ويتطلع سكانها بحسب حامد عبد الله الى تشييد وسفلتة الطريق الرابط بينها وبين طوكر، عطفاً على تعيين طبيب في المركز الصحي الذي يديره مساعد طبي كما اشار، وقال إن مشكلة محلية عقيق لن تنتهي الا باعادة الحياة الى مشروع دلتا طوكر.
ويعتبر المدير التنفيذي لمحلية عقيق حسن ادريس في حديث ل «الصحافة» ان مشكلة مياه الشرب بالمحلية موقفها شبه مطمئن، مشيرا الى ان الامطار التي هطلت بغزارة عجلت بحل الازمة، وقال ان مشروعات المياه بالمحلية سيتم ادراجها في موازنة العام الجديد.
هيا.. وظائف وهمية وعطش
عندما يصل القادم من الخرطوم الى مدينة هيا تتهلل اساريره، وذلك لأن البصات السفرية تتخذ هذه المدينة العريقة محطة يأخذ فيها المسافرون قسطاً من الراحة قبل مواصلة رحلتها نحو بورتسودان، ورغم عبرونا الكثير بهذه المدينة لم يسبق لنا زيارتها، وكنا نكتفي فقط برؤية منازلها الطينية البائسة، ولكن من الزيارة التي سجلتها «الصحافة» لمحلية هيا تكشفت لها الكثير من الحقائق، والمحلية بصفة عامة تبدو افضل من القنب والاوليب وعقيق، وربما تكون المقارنة معدومة، وذلك لوجود مظاهر متعددة للدولة تتمثل في منشآت ومرافق خدمية وحكومية، ويبدو واضحاً ان هيا استفادت من محطة ضخ البترول التي وفرت الكثير من الخدمات بالمحلية، وتجولت «الصحافة» داخل مستشفى هيا الذي شيد على طراز حديث، وللامانة الصحفية فإنه متكامل وحديث ونظيف وبه طاقم طبي مصري وسوداني، وسجلنا زيارة للمدرسة الابتدائية فهي ايضا تبدو في حالة جيدة، وحتى سوق المدينة الذي وجدناه يضج حركة بسبب المنقبين عن الذهب الذين يقصدونه لشراء احتياجاتهم، فإنه يشهد تشييد مرافق كبيرة للخضر والفاكهة وغيرها، وبمدينة هيا أكثر من خمسة كيلومترات مسفلتة، وهناك ايضا استراحة مشيدة على طراز حديث للكوادر، ويوجد عدد من المرافق حديثة التشييد منها رئاسة المحلية، ومستوى اصحاح البيئة في المحلية يبدو ايضاً جيداً، وقد تكون هذه عناوين مشرقة لمحلية تمضي بخطوات جيدة الى الأمام.
ولكن لمحلية هيا وجهاً آخر يوضح ان هناك اشكالات متعددة يعاني منها مواطن المحلية، وابرزها مياه الشرب التي تمثل هاجساً يؤرق مضاجع السكان الذين شكوا لنا من «العطش» الذي يعانون منه، واشار المواطن حامد الذي التقيناه بالسوق الى ان تعطل محطة التحلية جعلهم مجبرين على شرب مياه غير صالحة للشرب، مبدياً دهشته من تطاول امد تعطل المحطة، عادا الامر فشلاً ذريعا لحكومة الولاية وادارة المحلية، وقال ان مواطن الريف بهيا يعاني كثيراً في توفير مياه الشرب خاصة بمناطق دوقديت واللانكليب وأدرديب وغيرها، ويتدخل مواطن يدعى اوهاج مشيراً الى انه لولا الذهب الذي ظهر بالمحلية لهاجر سكان هيا، وذلك لعدم وجود مصادر للدخل، وشكا من عدم وجود طرق مسفلتة تربط الريف بالمدينة.
ومن القضايا التي طالبنا مواطنون بسوق هيا القاء الضوء عليها قضية المرتبات والوظائف الوهمية، ويشيرون الي ان هناك ما يربو على «227» وظيفة وهمية تستخرج رواتبها شهرياً باسماء وهمية لا وجود لها على ارض الواقع، وهنا يشير القيادي بالمؤتمر الوطني بالمحلية عيسى عبد القادر الى ان المرتبات الوهمية ليست وليدة اليوم، ويقول في حديث ل «الصحافة» إنها بدأت منذ عام 2006م، متهما قيادياً سابقاً بالحزب الحاكم بصرف هذه المرتبات، وزاد قائلاً: «لأن في هذا الامر احتيالاً واضحاً واعتداءً علي المال العام تقدمت بعدد من الشكاوى الى قيادة الدولة بالخرطوم لإيقاف هذه الفوضى، لانه ليس من المنطق ان تصرف مرتبات وهمية لأناس لا وجود لهم في الهيكل الوظيفي وهم اسماء مجهولة، وهذا في تقديري يأتي خصماً على مواطن هيا، فهذه الاموال منذ 2006 كان من الممكن ان توجه نحو ترقية الخدمات المتدنية خاصة في الريف او لحل قضية مياه الشرب»، وطالب القيادي عيسى الجهات ذات الصلة بفتح هذا الملف الذي اعتبره سبباً اساسياً للغبن الذي يسيطر على قطاع واسع من الشباب العطالى.
ومن ناحيته يعترف معتمد محلية هيا ابراهيم طاهر الحسن بتعطل محطة تحلية المياه، مشيراً الى ان قطع الغيار لا توجد في السودان، متمنياً حل القضية قبل حلول فصل الصيف، وذلك حتى لا يعاني المواطنون، لافتاً الي وجوود دوانكي بمختلف انحاء المحلية، الا ان المعتمد يؤكد في حديث ل «الصحافة» ان محليته حظيت باهتمام كبير من حكومة الولاية، وزاد قائلاً: «نحن نمتلك واحداً من افضل المستشفيات في البلاد ومشيد على احدث طراز، كما أنه يضم طاقماً طبياً متكاملاً، ولم يعد مواطن المحلية يواجه معاناة في هذا الصدد، كما ان التعليم في المحلية يحتل المركز الثاني على مستوى الولاية، والدليل على ذلك ان هناك اكثر من «154» طالباً من ابناء المحلية بجامعة البحر الاحمر فقط»، معتبراً التعليم في المحلية مزدهراً ويمر بافضل حالاته، وفي ما يتعلق بالمرتبات والوظائف الوهمية ينفي معتمد هيا هذا الاتهام، ويعتقد ان هناك دوافع سياسية وراء إثارة هذا الامر، وقال إن ال «227» وظيفة يشغلها عمال في وظائف مختلفة مثل خفراء وفراشين وخلافها، مطالباً بإبراز المستندات التي تؤكد ان هناك مرتبات بغير وجه حق.
لا جديد
ثلاث محليات بولاية البحر الاحمر تجولت فيها «الصحافة».. نعم هناك جهود مبذولة من قبل حكومة الولاية وصندوق اعمار الشرق لتوفير حياة كريمة للمواطن حسبما نص الدستور، إلا ان هذه الجهود تبدو خجولة، والبون شاسع ما بين ما تحقق وما يحتاجه المواطن الذي مازال يشكو الثالوث القاتل الذي يتميز به الشرق، فالفقر يمشي بين الناس، والمرض أحكم قبضته على البسطاء، والجهل المتفشي هزم سياسة التعليم مقابل الغذاء، فإلى متى يظل الشرق تحت وطأة الثالوث القاتل؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.