الخيال والتخيل مساحة خصيبة بالعقل الباطن تستطيع من خلالها ان تقدل على شواطئ الكاريبى وجزر الهاواى وحتى حدائق بابل نفسها، وارتقاء سور الصين العظيم، ويمكنك ان تمشى على سطح البحر وانت مستلقى على فراشك فى الواق الواق. فى بعض الاحيان يكون ذلك الخيال حالة ايجابية، واعظم المخترعات التى غيرت حياة البشرية ولدت فى رحم خيال العلماء والعباقرة الخصيب، ثم تحولت من صورة وهمية رمادية اللون الى حقيقة ساطعة تخلب الالباب وتشغل الناس وترى بالعين المجردة. والخيال ايضا قد يكون حالة مرضية سيكلوجية تقود صاحبها الى خلف اسوار المصحات العقلية، وفى كل الاحوال يظل خيالك كظلك يلاحقك كل الوقت وانت في المكتب وفى الشارع وبالبيت، ويستطيع الفنان ان يرسم لك ملامح صورة ما تعشعش فى ذاكرتك كل الوقت، وبالطبع ليس هناك اخصب من خيال الشعراء. والجمال فى الخيال لا حدود له، واجمل من كل حسن الواقع الذى تراه بأم عينك فى رابعة النهار، ويحتوى الغناء السودانى بصورة عامة والحقيبة على وجه الخصوص على نماذج مختلفة لقصائد بديعة ولدت من رحم الخيال، وصوراً لحسناوات اضفى عليهن خيال الشعر جمالاً معنوياً خرافياً، وجعل منهن مصدر الهام تبلور اغنيات ذاعت وانتشرت كالنار فى الهشيم، ومن منا لم يعشق ظبية المسالمة وبدورالقلعة وغزال المسالمة، والبت الحديقة، ومن يستمع لتلك الالحان ترتسم فى ذهنه تلقائيا صور مختلفة لجميلات من لحم ودم الخيال، وكلما كان خيالك اخصب كانت الصورة اجمل. قبل ايام شاهدت واحدة من اشهر جميلات السبعينيات وليس الخمسينيات والاربعينيات، وقد صاغ فيها احد الشعراء قصيدة لحنها وتغنى بها فنان كبير، وادهشنى ان وجهها كان عادياً جداً، والزمن فعل فعلته وغير ملامحها، ولو ان ذات الشاعر شاهدها معى لما كتب بيت شعر واحد، ولحظتها هوت وتناثرت فى فضاء ذاكرتى صورة وهمية كبيرة. والخيال عنصر اساسى فى تشكيل وتكوين ملامح الاذاعى والصورة التى ينقلها اثير الراديو للاحداث فى ذهنية المتلقى، ويحكى ان احد المستمعين كان شديد الاعجاب بمذيعة أثيرية مشهورة ذات صوت مؤثر، ورسم لها بخياله الخصيب وجهاً وكياناً وعينين، وذات يوم دفعه فضوله لرؤية مذيعته المفضلة، وكانت الصدمة ان المذيعة كانت أكثر من عادية، وبالطبع تمنى لو انه احتفظ بها فى ذاكرته كما تخيلها. عفوا هذه الحروف ليست دعوة للكف عن السباحة فى فضاءات الخيال والهروب الى دنيا احلام اليقظة والمنام، لأننا بحاجة لذلك لبعض الوقت حتى نتخلص من الشعور بالعجز، لكن علينا ان نغمض عيناً على حدائق الخيال البهية ونفتح الاخرى على واقع الاشياء. فوتوغرافيا ملونة لا تقل إنى بعيد فى الثرى فخيال الشعر يرتاد الثريا كان بالأمس لقانا عابراً كان وهماً كان رمزاً عبقريا كان لولا أننى أبصرته وتبينت ارتعاشاً في يديا بعض أحلامى التى أنسجها في خيالي وأناجيها مليا صديق مدثر [email protected]