في عهد الديمقراطية الثالثة 85 - 89، كان الرجل في قائمة أهم الشخصيات التي احتلت ذهنية الشعب السوداني، انطلاقا من مواقفه التي تبدو متحيزة لعامة الناس ومناصرة لقضاياهم وحقوقهم البسيطة التي تؤمن لهم البقاء في فضاء الحياة الواسع، مما اتهمه بعض أبناء لونه السياسي قبل الآخرين بان الرجل يرتمي في حضن الشيوعية ولديه ميول يساري ، بينما قال عنه آخرون بأنه يحمل أجندة خاصة يعمل لتحقيقها بتبنيه لمواقف معارضة، ولكن بين هذا وذاك ظل د.محمد يوسف أبوحريرة رجلاً وطنياً يتدثر بثوب الوطنية الحق، وظل صاحب مواقف ومبادئ ممسكا بتلابيبها منافحا لتحقيقها طوال سنوات وجوده في الحكم لفترة أشهر معدودة أو خارج الحكم أثناء ممارسته لعمله السياسي في دهاليز الفضاء السياسي السوداني، حسبما يقول العارفون به، فأبوحريرة الذي فارق الحياة صبيحة يوم أمس الأربعاء وتم تشييعه بمقابر القبة المايقوما بحضور لفيف من الناس تتقدمهم شخصيات سياسية ووطنية أبرزهم مولانا محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، يصفه معاصرون بأنه رجل نموذج للخلق الرفيع والنزاهة والشجاعة والمروءة والشهامة حيث كان يجسد كل المعاني والقيم الانسانية النبيلة. «أبوحريرة شمٌ شطٌه فعطس»، تلك عبارة أسقطها رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، وهو يرد على أبوحريرة في عهد حكومته عندما صاغ الأخير مذكرة الى مجلس الوزراء حشد فيها جملة اعتراضات على سياسات الحكومة التي يترأسها المهدي ومن ضمنها اتهامات صريحة الى مبارك الفاضل المهدي عندما كان يشغل منصب وزير الصناعة حينها، او كما أورد الكاتب الصحفي سيف الدولة حمدنا الله عبدالقادر في احد مقالاته المنشورة في موقع «سودانايل»، وكانت تلك المذكرة بحسب معاصرين هي امتداد لمواقف أبوحريرة داخل الحكومة والتي اظهر فيها بعض الخلاف البائن مع السياسات المتبعة حينها سيما في جانب مهامه كوزير للتجارة...سيف الدولة في مقاله ذاك والمنشور بتاريخ يوليو 2011، ووضع له عنوان «حزب المستقبل ..لماذا لا تقودنا يا دكتور أبوحريرة» كان يوجه رسالة الى أبوحريرة يدعوه فيها الى قيادة السودان بتأسيس حزب المستقبل، ويعتقد جازما بان الرجل أفضل من يقود السودان، ويقول سيف الدولة، عن الرجل حينها عندما كان في قيد الحياة «ان أول فرصة «حقيقية» سنحت لخلق «حزب» سياسي يجمع أهل السودان ، ولدت على يد أستاذ القانون والسياسي النزيه الدكتور محمد يوسف أبوحريرة . شح المعلومات عن سيرة الرجل في روابط المواقع الاسفيرية تؤكد بان أبوحريرة اختفي عن الأنظار طويلا، مثلما حال الديمقراطية الثانية فبخلاف موقع سودانيز اون لاين الذي نعي الرجل باعتباره عضوا في الموقع لم تجد الشبكة العنكبوتية معلومات سوي القليل منها عن الرجل، وبحسب ما هو متوفر عن أبوحريرة بانه كان وزيراً للتجارة ونائباً بالجمعية التأسيسية عن الحزب الاتحادي الديمقراطي ، إبان الحقبة الديمقراطية التي أعقبت ثورة ابريل 1985، وعمل أستاذا للقانون بجامعة الخرطوم ثم انتقل الى خارج الوطن مهاجرا و عمل مستشارا لوزارة العدل بكل من سلطنة عمان ودولة قطر، و حصل أبوحريرة على الدكتورة في القانون بانجلترا في اوائل الثمانينات، ويحكي سيف الدولة في مقاله المذكور بعض مواقف الرجل التي وضعته في صفوف الشعب اذ يقول «وقد تسببت جملة قرارات اتخذها أبوحريرة بصفته الوزارية في صالح المواطنين لتعرضه لغضب وهجوم اقطاب حزبه من التجار ، فأذعنت قيادة الحزب الاتحادي الديمقراطي لضغوط التجار ، وأعربت عن وقوفها الى جانب التجار وتخليها عن أبو حريرة ، فتقدم باستقالته من الوزارة، ويسترسل سيف الدولة بقوله «شهدت تلك الفترة اول تجمع تلقائي ل«الاغلبية الصامتة» ، حيث وقفت كل القوى الحديثة والنقابية بقوة خلف الدكتور أبوحريرة ، وتدافع جمهور العاصمة لحضور الندوة السياسية التي اقامها الرجل بدار المهندس بالعمارات، التي اوضح فيها ما يدور في دهاليز الحكم من صراع وفساد ، وقد برزت في تلك الفترة اصوات تنادي بميلاد حزب سياسي بقيادة الدكتور أبوحريرة ، بيد أن أبو حريرة لم يشأ أن يضع نفسه في مرمى الاتهام بتضخيم الذات» على حد تعبيره». يقول بعض المعاصرين ان أبوحريرة فى عهد الديمقراطية الأخيرة كان يقف بجانب الشعب البسيط واستطاع أن يثبت بصورة عملية ان الغلاء فى السودان مفتعل لمصالح أناس معينين، ومن ضمن انجازاته التي علت من شأنه لدي اذهان البسطاء حينها هو قيامه باستيراد الزيت والخراف من الخارج حيث كانت متوفرة باقل من نصف سعرها في السوق، ويقول عنه القيادي الاتحادي د.على السيد «ان أبوحريرة عندما كان وزيرا للتجارة ابدي قدرات هائلة ووضع خطا مستقيما لعمله فوجد بعض المضايقات من بعض رجال الاعمال في ذلك الوقت لكنه ظل مداوما ومدافعا عن مواقفه» ويضيف السيد ل«الصحافة» قائلا»عندما جاءت الانقاذ كان بالخارج وحاول ان يجمع الصف الاتحادي في كثير من المساعي وكانت له اسهامات في العمل العام» . يحكي مقربون من أبوحريرة بان الرجل كان لا يجامل في الحق، وكان يسعي الى تطبيق قناعاته على نفسه اولا قبل الاخرين، ويقول فتح الرحمن البدوي احد القيادات المعاصرة للرجل «ان أبوحريرة صاحب كفاءة علمية ووطنية ورجل مبادئ وصاحب مواقف شجاعة ولا يجامل ابدا ، وكان قد حل الصادق المهدي الحكومة من اجله، عندما اعترض أبوحريرة على قرارات المهدي خاصة بتسعير السلع سيما اللحوم، وذلك عندما اصدر المهدي قرارات بتسعير بعض السلع بأسعار عالية ولكن أبوحريرة بوصفه وزيرا للتجار رفض ذلك ووقف ضدها بقوة» ويشير البدوي الى ان أبوحريرة رجل واضح ينتقد حتى الممارسات داخل الحزب الاتحادي وقام بعمل مشروع إصلاحي داخل الحزب، عندما كان الاتحاديون وحدة واحدة، وكان يري ان الحزب يجب ان يكون فيه القرار مؤسسا وليس قرار فرد، مما حدا ببعض الناس داخل الحزب بعدم احتماله وافتكروا ان الرجل لديه ميول يسارية» ، وأضاف» أبوحريرة كانت لديه قناعات بان الديمقراطية تبدأ من داخل الحزب ويجب اشاعتها في المؤسسات الحزبية اولا» ، بينما يري أزهري علي وهو أيضا احد القيادات التي عاصرت أبوحريرة «بان الرجل فضيل ويكفي انه كان مثالا للانحياز الى حاجات الجماهير، ولديه مواقف مشهورة في الديمقراطية الثالثة ضد الفساد والمفسدين داخل الحكومة، يميل الى تطبيق المبادئ التي يؤمن بها على نفسه في المقام الأول وكان له موقف مشهود في أزمة اللحوم عندما انحاز الى الفقراء والمساكين، ورفض زيادة الأسعار، وأضاف أزهري ل«الصحافة» امس بقوله «هذا الموقف رغم انه بسيط لكنه كبير في معناه وقيمته»، ومن ضمن المواقف التي أبداها أبوحريرة إبان فترة توليه منصب وزارة التجارة بحسب أزهري ، موقفه ضد تخصيص عربات امتياز للدستوريين، واشار أزهري الى ان الرجل رغم ان القرار مر الا انه رفض وطبقه على نفسه مما يؤكد بان المبادئ والقيم عنده لا تتجزأ.