في الإجازة التي امتدت لشهرين، انشغلت بتكملة بحث الدكتوراة، وأرهقت أبنائي والدكتور المهذب والعالم المجتهد في «مجاله» الدكتور عبد الدائم عمر الحسن، وكانت الدراسة التطبيقية وعمل استبيان استنسخنا منه ألف صفحة، ثم توزيعه على أكثر من مئتين من قادة الرأي العام والإعلاميين وغيرهم في كلية الإعلام بالسجانة، وكان مكتب الأستاذ «الكجم» وقد أعجبني الاسم ولم أجد له تعليلاً هو المكان المفضل للدكتور عبد الدائم، حيث يأتيه طلاب الدراسات العليا من أمثالي، ويلتف حوله طلاب كلية «الإعلام»، كما التف بالبدر النجوم الزواهر كما يقول البارودي، التي حظيت بحضور حفل افتتاح استديو الإذاعة والتلفزيون للتدريب العملي للطلاب، وحضر مدير الجامعة الذي ارتجل خطاباً أو كلمة رصينة جامعة، فلم يلحن في كلمة واحدة، بل كان مالكاً لزمام اللغة، ولم أستغرب ذلك من عالم نحرير، لكنني بحكم مهنتي الإذاعية، أقدر كل من يعلي من لغة القرآن، لاسيما في هذا الزمان الذي تنحر فيه اللغة على رؤوس الأشهاد، فحيا الله ذلك العالم الجليل، ولغتنا بخير ما دام مثل هؤلاء الأفذاذ والأحبار موجودين.. وأغتنم هذه النافذة، لأستصرخ هذا الرجل المسؤول، وعلى رجال الإعلام السودانيين في كل مكان، أن يمدوا مكتبة هذه الكلية الرائدة بالكتب والمراجع الحديثة، لأن ما لفت نظري، أنها تكتظ بمراجع أكل عليها الدهر وشرب، في علم ومجال وتخصص، هو الرائد في التنوير، كما أتمنى أن تكون مكتبة رقمية حديثة، لا كما هي عليها حالها اليوم العمل فيها يدوي كلاسيكي، فعناوين المراجع مكتوبة على «ورق فلسكاب» بخط أحد الموظفين، فهل يعقل أن تكون مكتبة هذه الكلية التي تخرج فيها أساطين الإعلام بهذا المستوى الذي يرجع لعصر «الورّاقين» في البصرة والكوفة، في العهد العباسي التليد؟! وكانت الإذاعة في أم درمان هي المقصد الثاني، لقد تغيرت المباني لا المعاني، واختفى زملاؤنا ورفاق دربنا بالأمس، ولم يبق منهم إلا القليلون الذين رسم الزمن خطوطه على وجوههم ورؤوسهم وشعورهم، إلا رأس «صلاح التوم» الذي مازالت «تفته» تصارع الزمن. وفي القسم السياسي كان الحوار مع رئيسه الزبير عثمان أحمد ابن «رفاعة» مدينة العلم والعلماء، وهو من زملائنا الأجلاء من بقايا الزمن الذي مضى، فقد خاض التجارب وقدم البرامج، وناطح السياسة، وبقي يقود هذا القسم المهم وسط خضم السياسة المتلاطم الأجواء، كما كان مساعده «محمد بريمة» الجندي المجهول، الذي أجاب عن أسئلتي المتعلقة بالقسم كالأخ الزبير بدراية الخبير الذي يعمل من خلف الكواليس، ثم اجتمعنا في مكتب «عوض أحمدان» فني التسجيل الطموح، والمعجب كأستاذنا «عمر الجزلي» بعثمان حسين الذي صار مديراً لإذاعة « ذاكرة الأمة» كما أنني لن أنسى لأستاذنا «الجزلي» ترحيبه وحرصه على ملء الاستبيان الخاص بعينة البحث، فهو أنموذج لإنسان نادر تهذيباً وكفاءة، ثم لا ننسى «معتصم فضل» الذي يتحمل هذه المسؤولية الضخمة بإدارة هذه الشبكات الإذاعية المتعددة، وهو قدر الإنسان في حمل الأمانة التي أشفقت منها السموات والأرض، وأبين أن يحملنها، أعانه الله.