تحت رعاية قطر وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة « فصيل بشر» مساء امس، اتفاقا للسلام على أساس وثيقة الدوحة وذلك بفندق الريتز كارلتون بالدوحة بحضور رسمي كثيف يعكس سعي الخرطوم الكبير لانضمام قيادات دارفورية اخرى الى مسار تنفيذ الوثيقة. وجاء التوقيع الجديد ليتوج جهودا مضنية من الوسطاء والطرفين استمرت لأكثر من شهرين، انتهت الى التوافق على جملة من الملفات المطروحة وهي الترتيبات الأمنية والشراكة السياسية، واللاجئين والنازحين ، والتعويضات ، والعدالة والمصالحة. ويؤهل هذا الاتفاق حركة العدل والمساواة « فصيل بشر» للانضمام الى آليات تطبيق وثيقة الدوحة، والعمل على اقرار السلام كحقيقة في الإقليم حسب التصريحات الحكومية. وكان من المتوقع ان يثير هذا الاتفاق جملة من ردود الافعال المتباينة. الا ان الوساطة الخاصة المشتركة لدارفور والتي يمثلها أحمد بن عبد الله آل محمود نائب رئيس مجلس الوزراء القطري ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، و عائشة مينداودو القائم بأعمال الممثل الخاص المشترك والوسيط المشترك بالإنابة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، عدت الاتفاق «إنجازا هاما من شأنه أن يسهم في تعزيز السلام والاستقرار في دارفور بصفة خاصة ، وفي السودان بصفة عامة». وفي ما يلي الحكومة السودانية فقد مضت في ذات الاتجاه المعزز لاهمية الاتفاق مع «فصيل بشر» والمبشر بنتائجه على ارض الاقليم، كما كشف رئيس مكتب متابعة تنفيذ سلام دارفور الدكتور أمين حسن عمر في تصريحات بالدوحة عن « اتصالات اخرى تجري مع حركة دارفورية ثانية ترغب في الانضمام للوثيقة، سيتم الإعلان عنها في حينه». اذن ردود الافعال المختلفة من كل الاطراف حول هذا الاتفاق تكشف عن حجم التباين الحقيقي حول واقع ومستقبل سلام دارفور، فالحكومة ووسطاء المنبر التفاوضي متفقون على اهمية ما تم أمس في الدوحة ويطمحون في جلب مزيد من القيادات والفصائل النافرة الى المنبر، بينما الحركات التي تشكل تهديدا حقيقيا للسلام والاستقرار في الاقليم « تقلل من الخطوة وتتوعد بالتحرك في اتجاه معاكس». اما هنا في الخرطوم فالوضع يحتاج لتوضيح حتى تكتمل الصورة، لان اغلب القوى السياسية تعاملت مع الاتفاق بشكل يعكس اتفاقها على مخرجاته وان كان ذلك غير مقصود. القيادي الشيوعي الدكتور الشفيع خضر في حديثه ل» الصحافة» فالرجل يرحب، من ناحية عامة، باي اتفاق يؤدي الى وقف القتال،». ورأى الدكتور الشفيع خضر بان عملية حل أزمة اقليم دارفور « بسيطة وعميقة في آن واحد»، وتتمثل في التوجه الى مؤتمر قومي بمشاركة كل القوى السياسية يعمد الى مخاطبة جذور الأزمة بشكل مباشر. . لا غير». كان هذا موقف التيارات الرئيسية في الساحة السياسية من توقيع الاتفاق الجديد في الدوحة، فماذا عن موقف الحركة الرئيسية في الاقليم الان، والشريك الاصيل في اتفاق الدوحة الذي اضحى مرجعيا لاي مفاوضات لاحقة مع الحركات المسلحة؟. تقول حركة التحرير والعدالة انها كانت شريكا اصيلا في جهود التوصل الى اتفاق في الدوحة مع فصيل محمد بشر، واشارت أمس مصادر الحركة في الخرطوم «للصحافة» انها « اوفدت كلا من القياديين أحمد فضل وحسن خميس لمتابعة المفاوضات في الدوحة حتى التوصل لاتفاق». ويعبر هذا الموقف عن دعم التحرير والعدالة لاتفاق الدوحة الجديد واستعدادها لتقاسم تبعاته مع الحكومة التي ستكون في حالتها» مجموعة جديدة من الوظائف والحقائب والمقاعد في الولايات ومجالسها البرلمانية»، فبحسب منصوص اتفاق الشراكة السياسية مع الفصيل الموقع سيحصل على نسبة متفق عليها من السلطة في دارفور الكبرى. وكان الدكتور التجانى السيسى قد رحب بتوقيع الاتفاق الأخير بين الحكومة و»العدل والمساواة» ، ووجه رسالة مباشرة إلى حملة السلاح من الحركات التى لم توقع بعد على وثيقة السلام بسرعة التوقيع عليها ، ودعاهم للتوجه صوب الدوحة ، حيث لا جدوى من القتال - كما قال - ، معربا عن قبول أية إضافة لاتفاق الدوحة من شأنها أن تعزز استدامة الأمن والاستقرار بالإقليم . ومن الواضح ان الاتفاق سيحظى لحين اشعار اخر بدعم كبير من حركة التحرير والعدالة، لكن ماذا عن دعم المجتمع المدني وأهل الاقليم؟، هل سيتم التعامل مع مترتباته كاستحقاق ضروري لاعادة السلام والاستقرار، وكعامل مساعد عليهما ام العكس؟. يرى الناشط الدارفوري عثمان حرو ان انضمام «فصيل محمد بشر» سيشكل اضافة الى العملية السلمية الجارية في الدوحة لانه سيشجع بقية الفصائل على التوقيع، لكنه يؤكد ان التوقيع لا يكفي وحده لجلب السلام النهائى لدارفور، ويضيف « الموضوع تشعب والفصائل انقسمت الى حركات ولا يمكن تحقيق الحل بمفاوضتها جميعا». ولذلك يطالب عثمان حرو ، في حديثه «للصحافة»، بمنبر جامع داخل دارفور نفسها يجمع جميع القيادات والحركات والفصائل للاتفاق معا على حل يلتزم به الجميع. الاستاذ عبدالله ادم خاطر قال ل» الصحافة» ، هاتفيا من الدوحة، ان الاتفاق يعد استكمالا ودعما لوثيقة الدوحة ، خاصة وان المفاوضات فتحت ملفات جديدة مثل الرحل والطلاب والتمويل الاصغر ، واضاف خاطر قبل انقطاع الاتصال الهاتفي « كل هذا يصب في مصلحة الاستقرار». اما الدكتور صفوت فانوس فيعلق على مختلف الاراء المتباينة حول الاتفاق وحجمه وتأثيره ، بالتأكيد على ان الاتفاقات الجزئية عديمة الجدوى ولن تحل المشكلة، ان لم تكن تزيد من تعقيدها. ويستند المحلل السياسي في ذلك الحكم القاطع على سببين: الاول هو « المجموعة التي وقعت في الدوحة تهدف للحصول على مغانم في شكل وظائف واموال، وهو ما سيكون على حساب من وقع سابقا مما سيخلق تنافسا حول من سيحصل على ماذا؟»، اما السبب الثاني « ان الاتفاق لن يحل مشكلة حاملي السلاح على الارض، ولن يمنعهم من تهديد الأمن والاستقرار او تعطيل التنمية ومنع عودة النازحين لقراهم». ويقول الدكتور صفوت فانوس ان المجموعة التي وقعت في الدوحة لا تستطيع تأمين نفسها ناهيك عن المواطنين في دارفور، فكيف يمكن الركون والاعتماد عليها. وطالب المحلل السياسي في حديثه ل» الصحافة» الحكومة بان تعي درس نيفاشا، وذلك بالتوقيع مع القوى المسلحة الحقيقية في الاقليم، والتي بمقدورها ضمان السلام وضبط المسلحين المتفلتين، كما فعلت الحركة الشعبية في الجنوب بعد توقيع اتفاق السلام.