: تعانى الشخصية السودانية من عدم توازن يظهر جلياً عند مواجهة الآخرين ويمكن أن نصفه أيضاً بفقدان الثقة بالنفس .. فنجد الإنسان السودانى دوماً متردداً ، وقد يعتريه بعض الاضطراب اذا ما صدف وأجبر على أى مواجهة أو مقابلة خاصة ان كانت تلفزيونية فتجده غير واثق من نفسه أمام الكاميرا مهما كان مركزه أو تعليمه ونجده لا يستطيع التعبير عن نفسه أو عن علمه بطريقة تلقائية جاذبة فيكثر من التلعثم والتأتأة ، والأمثلة أمامكم كثيرة فقط تمعنوا حولكم وأحكموا بأنفسكم. ولعل ذلك ينسحب على كل ما من شأنه أن يضع الإنسان السودانى فى أى مواجهة ، فان ذهب مثلاً لمكان يطلب فيه خدمة ديوانية أو خدمية تجده متردداً وغير واضح فى تقديم نفسه أو توضيح ما يريده من الموظف الذى أمامه ، ولعل هذا مرده لطبيعة التربية السودانية وأثرها فى تنشئة الطفل، فأسس التربية عندنا تقوم على عدم منح الطفل الفرصة الكافية للتعبير عن نفسه وهواياته، واذا علمنا أن السن التى تبدأ فيها الهوايه فى الظهور تبدأ عند الطفل من الثانية وحتى الخامسة ، نجد أننا لا نهيىء للطفل ما يتيح له ابراز موهبته وتنميتها فى هذه الفترة من عمره فنكون قد جنينا عليه وضيعنا عليه فرصة ابراز وتنمية الموهبة الفطرية التى بداخله ، فأسلوب القمع هو السائد لأطفالنا ومن الطبيعى أن تموت الميول الفطرية عندهم ، كما أن عدم اتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم والحديث مع الغير وعدم اعطائهم الاهتمام الكافى كفيل بقبر مواهبهم وميولهم فى هذه السن التى من المفترض أنها المرحلة التى يتم فيها صقل ما لديهم من اشراقات ومما يعتمل فى دواخلهم من تطلعات... لذا نجد أن الفرد السودانى يتجه بطريقة عشوائية نحو الدراسة التى قد لاتكون مناسبة لامكانياته فلا هو يعرف ولا ذويه يعرفون ما هو مهيأ ومؤهل له فيصير طبيباً ويجتهد أن يكون ناجحاً أو مهندساً ويبذل قصارى جهده ليكون نابغاً برغم أن ما بداخله قد يكون غير ذلك تماماً ولو تم الالتفات له فى تلك السن الصغيرة من العمر كما أسلفنا من عمر الثانية وحتى الخامسة لأختار طريقه الذى يمكن أن يبدع فيه ويجد فيه نفسه . ومن قصور التربية أيضاً أن أطفالنا يلجأون كثيرأ للكذب خوفاً من العقاب فما تعودنا أن نستمع بصبر لأطفالنا، ولكننا نفرض عليهم ما نريده منهم فيضطرون مرغمين وقد يلجأون للكذب حتى يرضوا أباءهم وأمهاتهم لكى لا يتعرضوا للعقاب فتنموا فيهم خصلة الكذب والتى هى آفة الإنسان الكبرى كما أنها تخالف تعاليم ديننا الحنيف ، فينشأ الطفل على أن الهروب السهل من المواقف يكون عن طريق الكذب . نأتى أيضاً الى نقطة مهمة جداً وهى أننا لا نؤهل أنفسنا كما يجب فنكتفى باقل ما يمكن أن يضمن لنا الاستمرار على رأس عملنا فليست لدينا ثقافة التدريب وترقية الأداء ومحاولة اتقان العمل ويشترك فى ذلك الإنسان المواطن والدولة التى منذ عهد بعيد أهملت جانب التدريب، بل ويؤمن كثيراً من المديرين والمسؤولين بأن التدريب يعنى صرفاً مادياً يكون خصماً على الميزانية ويثقل كاهلها دون النظر الى المردود العظيم الذى يمكن أن تجنيه المؤسسات والشركات والوزارات، وفى نهاية الأمر الدولة من التدريب ، والذى ترصد له الدول المتقدمة الجزء الأكبر من ميزانياتها لعلمهم التام بما سيعود عليهم من وجود كوادر مؤهله ومدربة يدفعون بعجلة الانتاج للأمام ، ومن المؤكد أن إحساس الشخص بأنه غير مؤهل التأهيل الكامل واللائق لشغل وظيفته يجعله مضطرباً عند أى مواجهة فينعكس ذلك اضطراباً فى السلوك العام والذى نلحظه فى الشخصية السودانية . وهناك آفة أخرى تتمثل فى وضع الأشخاص فى مناصب أكبر من امكانياتهم العلمية والمعرفية والاجتماعية فيكون الموظف نفسه أول ضحية لذلك، اذ يكون ملازماً له دائماً الشعور بأنه لا يملأ مركزه كما ينبغى ليكون ذلك خصماً على ثقته بنفسه وبمرؤسيه فينعكس ذلك تماماً على تصرفاته فيبدو مضطرباً اذ يتملكه الإحساس بأن من حوله ينظرون اليه كمن اعتدى على حق غيره ومن هو أجدر منه فيكون فاقد الثقة بنفسه وبمن حوله ، ونجد ذلك ماثلاً فى تصريحاته وفى حديثه عند أى لقاء تلفزيونى أو اذاعى كما يكون ذلك جلياً فى اللقاءات المشتركة مع نظرائهم من المسؤولين من دول أخرى ، يجدهم مسلحين بالعلم والمعرفة فيخصم ذلك من ثقته بنفسه ويولد لديه الدونية العلمية والمعرفية، وهنا تكون الدولة هى التى تسببت فى خلق الشخصية السودانية الضعيفة. من الأشياء التى تزيد من ارتباك الشخص عموماً تكليفه بأكثر من عمل فى وقت واحد فلا يجد الوقت ولا الجهد الذى يمكنه من القيام بأى من المهام الموكلة اليه فتكون النتيجة أن المردود يأتي ضعيفاً فيها جميعها ، ولو اقتدينا بالدول المتقدمة فى هذا المنحى أيضاً لخرجنا بنتائج جيدة ، ففى تلك الدول يكلف كل فرد فى المجتمع فى مجال تخصصه بعمل واحد ومهمة محددة فيعمل عليها حتى يحذقها تماماً ويكون خبيراً فيها وبذلك يكونوا قد وزعوا فرص العمل لأكثر من فرد بدلاً عن تكديس المهام فى يد شخص واحد وعدم اتاحة الفرصة للآخرين ، ومن هنا تتولد الثقة فى بعضهم البعض لأن الكل يعلم أن من يقوم بمهمة يتقنها تماماً لأنه يبذل كل وقته وجهده فى مهمة واحدة. كما أن هناك خصالا سيئة فى كثير من السودانيين تجعل دواخلهم تفتقر الى النقاء والسماحة وذلك مثل الحسد والأنانية وعدم النزاهة المتمثلة فى الاعتداء على المال العام دون وجل ... ودعونى هنا أتساءل وليتنى أجد الاجابة ممن يعرفها هل هذه الخصال فى أصل الشخصية السودانية من الأصل أم أنها أتت مؤخراً نتيجة لضغوط الحياة الاحتماعية والاقتصادية وخلافه ...ليتنى أجد اجابة ... وكل هذه التصورات التى سقتها هى من منظور شخصى بحت مع العلم أننى لست متخصصاً فى علم النفس أو علم الاجتماع ولا أتغول على أصحاب هذه العلوم ولكنها ملاحظات عامة لمواطن عادى يحب أهله وبلده، وأحسب أن الكثيرين قد وقفوا عليها ولكن كل بمنظوره الخاص. ختاماً أدعو الجميع مسؤولين ومواطنين العمل على وضع هذه السلبيات قيد البحث والدراسة لمعرفة أسبابها والعمل على استنباط منهج جديد يعيد للشخصية السودانية توازنها وألقها وقوتها وذلك باقامة الورش والسمنارات للخروج بتوصيات نعمل عليها سوياً لنعود كما كنا تفخر بنا كل المحافل الدولية. والله من وراء القصد [email protected]