عزيزي القارئ نتحدث اليوم عن بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية المقاومة لمضاد الميشيسيللين (MRSA) وتسمى أيضاً ببكتيريا المكورات العنقودية شديدة المناعة، وهي بكتيريا مسببة لأنواع من العدوى التي تصعب معالجتها، وتسمى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وبالتالي تعتبر مسببة خطيرة للأمراض، وهي مسببة للمشكلات الصحية خاصة في المستشفيات والسجون والمدارس «الداخليات» حيث تكون جروح المرضى المفتوحة والجهاز المناعي ضعيفاً، ويكون هؤلاء في خطر التعرض للعدوى من بقية الأشخاص الآخرين، وهناك أشخاص وفئات أكثر تعرضاً للإصابة: المصابون بالايدز، مرضى السكري، نزلاء السجون والعاملين بها، الطلاب والعسكريون المقيميون بالداخليات وفاقدو المأوى، العاملون في بيئات عمل وسط الحيوانات المنتجة للغذاء، رياضيو العاب القوى، الاطفال، البشر ضعاف جهاز المناعة. وتتوالد هذه البكتيريا بصورة عامة داخل تجويف الانف او منطقة الابطين، ما بين الفخذين وعلى الجلد بوجه عام، ربقية الجهاز التنفسي والجروح المفتوحة ومداخل ابر الحقن المخدرة والجهاز التناسلي ايضاً من المواقع الاكثر احتمالاً لوجودها، ولمنع انتشارها وعدواها، يجب فحص المريض المنوم بالمستشفيات قبل الدخول للمشفى للتحقق من عدم الاصابة، بالإضافة الى تطبيق اجراءات الوقاية من لبسة خاصة «لبسة واقية وكمامة خفيفة وواقٍ للحذاء وغسل الايدي بمحاليل معقمة بعد التعامل مع مصاب هذه البكتيريا»، وهذه تسمى اجراءات الوقاية المشددة للمتعاملين مع المصابين. وهذه بكتيريا المستشفيات!! واكتشفت في عام 8591م عند فحص قمح كان بإناء مدفون بمقبرة فرعونية ما يزيد عن 0004 سنة مضت وتجاوز عمر وتاريخ البشرية نفسها!! ويقدر العلماء أن الجراثيم سواء أكانت بكتيريا او فيروسات قد قتلت ما يزيد عن «021» مليوناً من البشر خلال القرن العشرين وحده!! لقد خلق الله عز وجل الانسان في أحسن صورة مصداقاً لقوله «في أنفسكم أفلا تبصرون» «الذاريات»، وزوده بثلاثة خطوط دفاع ضد الجراثيم، أما خط الدفاع الاول فهو الجلد والأنف والحنجرة والاذن، الجلد هو الفاصل بين اعضاء الجسم الداخلية والوسط الخارجي، وهو غطاء ذو ثلاث طبقات تمنع اختراق ونفاذ الجراثيم من خلاله، وفي الاذن والانف اهداب وشعيرات وانزيمات يمكنها قتل الجراثيم، والمعدة بافرازاتها الحمضية قادرة على ذلك، واذا تمكنت الجراثيم من اختراق كل ذلك فهناك كرويات الدم البيضاء، فاذا سقط خط الدفاع الثاني فليس هناك سوى الجهاز المناعي «خط الدفاع الثالث والأخير»، واذا تمكن من القضاء على الجراثيم فلن تحدث الإصابة، بيد ان هناك حالات لا تنجح فيها المقاومة، وعندها تتحول الاصابة الى مرض مزمن، ويصبح جسم الانسان حاملاً للميكروب الذي يبقى ساكناً في انتظار ضعف المقاومة لينقض عليه مرة اخرى. يمكن أن تتعايش هذه البكتيريا «MRSA» في جسم الانسان دون ان تسبب عدوى او اصابة، وهي ظاهرة تعرف بالتعايش البكتيري، وعند حدوث تشققات بالجلد او خدوش فإن هذه البكتيريا تتسبب في بعض الالتهابات كالقروح والدمامل في المناطق المشعرة مثل الرأس، الرقبة، تحت الابطين، منطقة العانة، وهذه التقرحات تتحوصل بفعل الأنزيمات ولا تنتشر لاماكن اخرى. وتختلف هذه الأمور تماماً عندما تصيب تلك البكتيريا ذوي المناعة الضعيفة مثل «حديثي الولادة»، الاطفال، كبار السن، مرضى السكر، مرضى زراعة الاعضاء، مرضى السرطان، وعندها تسبب هذه البكتيريا اصابات خطرة حيث تنفذ الى الدم وسائر أعضاء الجسم مسببة تسمم الدم او التهابات رئوية او التهابات صمامات القلب او التهاب العظام او غيرها، وقد تؤدي الى الوفاة احياناً!! وتعتبر هذه البكتيريا «MRSA» من بكتيريا المستشفيات وخاصة المتخصصة منها، وتوجد في وحدات العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة والخدج «ناقصو النمو» والعناية المركزة للحروق، ووحدات الامراض الجلدية واقسام الجراحة، اضافة الى دور واجنحة رعاية كبار السن. وتصيب هذه البكتيريا المرضى قليلي المناعة والضعفاء، وهؤلاء عادة ما يمكثون بالمستشفيات فترات طويلة نظراً لطبيعة أمراضهم، ويقابل ذلك وجود المرضى الآخرين وكذلك العاملين من البيئة الطبية والتمريضية، وكلا الفئتين من الممكن أن تكون حاملاً لتلك البكتيريا، لأنها يمكن أن تعيش في جلد الانسان، وهنا سهولة عدوى قليلي المناعة عند رعايتهم او ملامستهم للآخرين، ويتفق الاطباء على أن كثرة وسوء استخدام المضادات الحيوية المختلفة قد كان له دور سلبي للغاية، وساهم في زيادة مقاومة تلك البكتيريا اللئيمة للمضادات الحيوية، ويشمل ذلك تلك التي في صورة مراهم أو كريمات. إذن هذه بكتيريا المستشفيات الخطرة «MRSA» سواء بمرضاها او العاملين بالمستشفيات، لأنها تمثل بيئة مناسبة لنشاط هذه البكتيريا الخبيثة. وتوجد هذه البكتيريا للأسف الشديد في العديد من المستشفيات السودانية، وخاصة تلك الفاخرة التي لا يستطيع الا الميسورون دخولها!! فما بالنا بتلك الشعبية التي يدخلها الفقراء والمساكين، وتعاني من سوء النظافة وصعوبات في التعقيم وضعف وعي المرضى والزائرين!! والوقاية خير من العلاج، ومن اهمها فحص المرضى قبل دخولهم للمستشفيات، وعند ظهور الاصابة بهذه البكتيريا يسهل التعامل معها وبحرص شديد لسهولة العدوى والانتشار، والتقيد بأسس التعامل الوقائي مع مصابي هذه البكتيريا خاصة من قبل العاملين بالمستشفيات، وتنبيه المرضى وتوعيتهم بإصابتهم، وكذلك الزائرين وتوفير الفرصة لهم بسبل الوقاية عبر توفير كمامات خفيفة، وبعض المطهرات، ومنع الاطفال من الزيارة، وتوفير نظام لغسل ملابس العاملين بالمستشفيات وداخل المستشفى بمواد معقمة ضد الجراثيم، حتى لا يساعد في انتقال هذه البكتيريا الخبيثة لخارج المستشفيات. اللهم قد بلغت فاشهد.