عندما استبد به العجب والغضب في جلسة التداول حول تقرير اللجان المشتركة حول بيان المراجع العام الذي ألقاه أخيراً بالمجلس الوطني وما حواه من أوجه فساد ووجوه فاسدة، قال الشيخ الدكتور الحبر يوسف نور الدائم وقد هاله وراعه ما سمعه وما اطلع عليه «التقول عليهو موسى تلقاهو فرعون»، والعبارة تلخص خيبة أمل شيخنا الحبر حتى فيمن كان يتوسم فيهم الطهر والنزاهة والاستقامة ولكنه فجع فيهم عندما تبين له فسادهم واكتشف كم أنه كان مخطئاً وحسن النية فيهم عندما خدعوه بمظهرهم الخادع وتقواهم الزائفة فانخدع لهم، ولم يكن يدري أنهم فراعنة أشرار يأكلون السحت ويسرقون المال العام، ولم يكن تدينهم المظهري إلا وسيلة ومطية لاشباع نهمهم الدنيوي، ومن سماحة نفس شيخنا الحبر وسلامة طويته ونقاء دواخله أنه كان يظن أن بين ظهرانينا من هم في مثل نزاهة وطهارة ونقاء وتقوى نبي الله موسى عليه السلام الذي كان يمثل رمز الخير والحق في ذاك الزمان الذي كان يمثل فيه فرعون جانب الشر والجبروت والطغيان، ففي هذا العصر يا شيخنا قلَّ أن تجد موسى الذي تبحث عنه فتركن إلى طهارته ونقائه وتقواه دون فحص أو اختبار حتى لا تنطلي عليك الألاعيب الثعلبية التي يجيدها هؤلاء الماكرون كما في قصيدة أحمد شوقي التي مطلعها وأنت لا شك تعرفها «برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظين» وخاتمتها التي جاءت على لسان الديك «مخطئٌ من ظن يوماً أن للثعلب دينا»، هؤلاء أخطر من الفراعنة أو كما يقول مثلنا السوداني «التركي ولا المتورك»، فمن خطورتهم أنهم لا ينهبون المال العام فحسب بل ويزينون للفرعون فرعنته، كما كان يفعل هامان مع فرعون سيد الاسم، فالفراعنة موجودون ونافذون على طول الزمان والتاريخ، وكذلك الهامانات - إن صح جمع اسم هامان على هذا النحو -، ورغم ذلك فالمشكلة ليست في فرعون ولا هامان، المشكلة في بقية الخلق الذين يرتضون هذا الوضع ويستسلمون له بما يبدونه من قابلية لاستمرار الفرعنة عليهم، وهنا يقال ان فرعون عندما سئل مين فرعنك، قال ما لقيتش حد يقولي لا... هنا يا شيخنا الحبر للفساد والسرقات جانبان، جانب يمثله فراعنة الفساد والجانب الآخر يمثله هاماناته ولا يوجد بينهما موسى، فأين ما فاحت رائحة فساد فثمّ هامان وفرعون فقط، ولهذا قد لا يتيسر كشف الفساد إلا حين يختلف هامان وفرعون فيظهر المسروق، ولعل العبارة الشائعة «دي على هامان يا فرعون» تفسر ذلك، فحين يجد هامان نفسه داخل ورطة جرّه إليها فرعون فلن يجد ساعتئذٍ مناصاً من أن يكشف اللعبة ويظهر المخبوء والمستور على خلاف مقولة الدكتور علي الحاج الذائعة «خلوّها مستورة»، ولكي نخفف عليك غضبك نهديك في الختام هذه الطرفة.... المعروف ان هامان هو من نفخ فرعون وزيّن له فرعنته وأدخل في رأسه فكرة الربوبية، أها قاليك يوم هامان وفرعون طشموا طشمة من أمها، وهامان دا قالوا كان شين شناة مرة وراسو ماكن بالحيل، أها فرعون وكت الطشمة حكمت معاهو، عاين لهامان كدااا وقال ليهو تعرف يا هامان أنا لمّان جيت أخلق البشر مافي حاجة عذبتني غير راسك الماكن دا، هنا ضحك هامان حتى استلقى على قفاه وحين نهض قال «دي على هامان يا فرعون»...