لقد قرأت في جريدة «الصحافة» في18/6/2013م العدد «7142» تفاصيل الندوة التي نظمتها الأمانة العامة لأنساب السادة الأشراف الهاشميين العباسيين، حيث شهدت مناقشات حول التاريخ العربي الاسلامي والدور الذي لعبه العباس بن عبد المطلب وذريته في مجال العلم والسياسة. وتحدث في مستهل الندوة الشريف الشيخ الدكتور حسني أحمد علي العباسي الذي تطرق إلى مفهوم الشرف، وكيف أن أبناء العباس هم من بني هاشم، ودحض الكثير من الافتراءات عنهم، كما تناول سلسلة الأنساب المتداولة في السودان، وأشار في ذلك إلى المجموعة الجعلية والشايقية. كما تحدث في الندوة الشريف الدكتور فيصل بن فهد العاصمي الأمين العام لأنساب الأشراف الهاشميين العباسيين، عن دور الأمانة في تتبع أحوال المجموعات العباسية في شتى الأقطار والتأكد من صحة نسبها، وأوضح أن الهدف من ذلك تحقيق شكل من أشكال التضامن معها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وستكون في الخرطوم أمانة لهذه المجموعات، وذكرت الندوة أن الوفد ومعه امرأة «شريفة» تدعى مها حسن مكاوي، زار منطقة العرشكول بالنيل الأبيض للوقوف على مقابر الملوك الأوائل للمجموعة الجعلية، وكذلك زار الوفد محافظة مروي التي بها مقابر شايق، وذكرت الندوة انه في المستقبل سيزور الوفد منطقة بارا التي شهدت قدوم الأسلاف. وأدار هذه الندوة الناقد مجذوب عيدروس الذي أشار إلى الدور الشعوبي في تزوير التاريخ العباسي. وهذا تلخيص ما جاء في الندوة. أستطيع أن أقول ان هذا ترف ما بعده ترف، ثم ما هو التزوير الذي أصاب التاريخ العباسي، والمعلوم ان الصراع كان بين الأمويين والعباسيين وهم أبناء عمومة، وبدأ الصراع بين هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد مناف لأن قريشاً اختارت هاشم على أمية، ومنذ ذلك التاريخ وقريش ومن حولها القبائل العربية لم تجد عافية، واستمر الخلاف على أشده في زمن عبد المطلب. ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ببعثة الإسلام، توحدت قريش لأول مرة لا لشيء وإنما ضد الرسالة المحمدية، وبعد انتشار الاسلام في العهد النبوي والصحابة الأجلاء الكرام البررة خفت حدة الصراعات قليلاً بين الأمويين والعباسيين فلا مجال للفتن وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب أحياء، لأنهم لم يهتموا بهذه النزوات الضيقة مستهدين بالحكم النبوية القائلة إن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى القلوب التي في الصدور، ومن لم يسرع به عمله لا يسرع به نسبه، ومحذراً أسرته القرشية قائلاً: «لا يأتي الناس بأعمالهم وتأتون بأنسابكم». ورسول الله صلى الله عليه وسلم يميز الناس بأعمالهم لا بأنسابهم، حيث قال: أرحم هذه الأمة أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأقرضهم زيد بن ثابت، وأقضاهم علي بن أبي طالب وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح، وأقرأهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأبو هريرة وعاء العلم، وسلمان عالم لا يُدرك، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. أين العباسيون والأمويون من هذا الحديث، فإن كان هناك ذكر للشرف والنسب لذكره الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكر. وهكذا تربى الصحابة المبشرون بالجنة بهذه الآداب. ولكن لما انقضى عهدهم أطلت الشعوبية والعرقية التي رمى بها الشيوخ في الندوة على الآخرين، أطلت بوجهها القبيح من أحد البيتين فغلب البيت الأموي البيت العباسي حينها قام الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أبي بكر وقال ما الخيار أردتم لأمة محمد ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل، رداً على اقتراح المغيرة بن شعبة بتولية يزيد بن معاوية خلفاً لوالده الصحابي معاوية كاتب الوحي، عندما قال الأمر لهذا ليزيد ومن أبى فهذا فأشار إلى سيفه، إذن إذا كانت هناك افتراءات ودس شعوبي كما ذكرت الندوة فمن البيتين الكبيرين اللذين كانا يمكنهما دعم الاسلام وحفظ بيضته كما فعل الصحابة الأوائل، وما شأننا نحن في السودان بهذه القضية التي أكل عليها الدهر وشرب، بل أصبحت بضاعة كاسدة يفر منها البوار، ولكننا لا بد أن نمضي قليلاً لكشف عيوب تلك الفترة وليس دساً شعوبياً كما ذكرت الندوة. واستمر الصراع بين البيتين الكبيرين القرشيين فوقعت فتنة الحكم وقتل الحسين بن علي كرم الله وجهه وتأزم الوضع، بل أن يزيد بن معاوية بعد انتصاره في واقعة الحرة شمال المدينةالمنورة، دخل المدينةالمنورة منتصراً فاستباحها لثلاثة أيام، وأمر بضرب الكعبة لمطاردة العلويين وهم من هم؟ هم أبناء هاشم، ويزيد ابن أمية وكلاهما ابنا عبد مناف حتى قال المقريزي، عبد شمس قد أضرمت لبني هاشم حرباً يشيب لها الوليد، فابن حرب للمصطفى وابن هند لعلي وللحسين يزيد. وانغمست الدولة الأموية في حروب جانبية لا طائل منها، وبدأت برحمها تقطعه وبكبدتها تأكلها كما أكلت هند والدة معاوية كبدة سيدنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وقامت ثورات العلويين من تحتهم وبين أرجلهم تهز عروشهم وهم في غفلة من أمرهم أحياناً، وأحياناً في صحوة منهم، فاكتشف أمر محمد عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقتل عام 145ه، والثورة الثانية عام 169ه، وكان رئيسها الحسين بن علي وثورة الحسين الثاني 199ه وثورة إبراهيم الكاظم 202ه، فبدل أن تمضي الدولة الإسلامية إلى غاياتها المنشودة رجع بها العرق القهقرى إلى ما بين الأمويين والعلويين ثم توسع إلى ما بين الأمويين والعباسيين، والغرباء ينظرون من بعيد كما ينظر الطير إلى اللحم، ينتظرون الضحية حتى تكون فريستهم، فالفرس والأتراك ليسوا ببعيدين من المعترك. أما القبائل العربية الأخرى التي لا شأن لها بالحكم وإنما تريد «الجاهزة» حتى ولو كانت بحرام، استكانت في أول الأمر لعدالة عمر وحكمة أبو بكر وشجاعة علي وتقوى عثمان، ولكن عندما رأت بأم عينيها هذه الفوضى الأموية العباسية رجعت حليمة لعادتها القديمة، فقامت قبائل سليم وقبائل أخرى بقطع الطرق ودخول الأسواق لسرقتها ويسمون ذلك بالهوشة، وهكذا ضعفت الدولة الأموية وانهارت للأسباب الآتية: /1 بذور الشقاق في ولاية العهد حتى داخل البيوت الأموية نفسها. /2 الروح العصبية التي انتابت القبائل بين اليمينة والقيسية والمضرية وهكذا دواليك. /3 التعصب الكلي للعنصر العربي. /4 الانغماس في الترف والملذات حتى قال قائلهم إنا شغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا. /5 إهانة المسلمين في مشاعرهم باستباحة المدينةالمنورة وضرب الكعبة، وهذه من الأسباب التي جعلت الصحابة يفرون إلى مصر والسودان والمغرب العربي فراراً بدينهم وعرضهم. وجاء العباسيون موضوع الندوة والذين لم يكونوا أفضل من سابقيهم في تخطي المرارات والالتفات للمهام الكبرى التي وضع أساسها الأجداد. وفي الحلقة القادمة إن شاء الله نتناول زلات العباسيين.