: ٭ أهداني العم المحاسب النقابي والمراجع السابق بمشروع الجزيرة أحمد العبيد علي سفره القيم حول مشروع الجزيرة والكتاب دراسة اقتصادية واجتماعية ونقابية عن مشروع الجزيرة في الزمن الجميل كما يقول شيوخ هذه الأيام الذين عاشوا أياماً زاهرة أيام نهضة المشروع. والكتاب سرد قيم لقصة المشروع كما يقول الشاعر (لو زول صبح قصة.. أنا القصة يا أم درمان) ومشروع الجزيرة قصة أيما قصة. عمل المحاسب احمد العبيد بعد تخرجه في مدرسة حنتوب الثانوية أيام مجدها وهو زميل للدكتور العالم احمد ابراهيم ابو سن عالم الإدارة وعضو مجلس الولايات الآن الذي قدم للكتاب أنه سفر اقتصادي واجتماعي وكاتبه خبير مقتدر وعالم عايش اسرار المشروع الذي كان أكبر المشاريع في افريقيا وان الكتاب حصيلة خبرة طويلة من عالم متمرس في العمل النقابي ليستفيد منه القاريء العادي والمهني المتخصص. وأنا هنا أسير على طريق استاذنا أبو سن.. واوصي كل النقابيين بقراءته لأن فيه الكثير من الدروس والعبر والمواقف المستفاد منها.. وكان بوسعي أن أتوسع اكثر في الجانب النقابي الذي أرخ السيد احمد لمواقف والتزام قل أن نجده في عالم اليوم خاصة بلورة المواقف والثقة المفرطة في بعض القيادات خاصة التي تتصف كما ذكر- بالقوة والشهامة.. الخ وحديثه عن تبدل المواقف والقبلية والمهنية. ولكنه تاريخ لابد ان يستفاد منه ومواقف تتكرر لا عجب. تحدث الكاتب عن مراحل سودنة ادارات المشروع وكيف كان المستعمر يعامل السودانيين حيث عمل الاخ احمد محاسباً عام 2591 وعاش مدة مع الانجليز كإداري بالمشروع ولم يظلمهم في الانضباط في العمل الذي كان يبدأ في الصباح الباكر السادسة والربع صباحاً، وأنهم كانوا في الغالب مسيحيين متعصبين بل كهنة!! وأنهم قاموا بمشروع الجزيرة من أجل تصدير القطن الى مصانع لانكشير عندما كانت صناعة النسيج عندهم رائجة، وتحدث عن الادارات الوطنية مكي عباس وعمر محمد عبد الله الكارب ومن أتى بعدهم وتحدث عن اخلاصهم ووطنيتهم وتجاوب المزارعين وحرصهم على العمل الجيد قبل أن تكون هناك اتحادات مزارعين وكيف نشأت الاتحادات وتسيست وبالتالي فشلت في أن تقدم شيئاً للمزارعين وتحدث عن مشاهد قوية في صراعات المزارعين ما بين عمنا الامين محمد الأمين وانجازات بابكر الازيرق وغيرهما من القيادات التاريخية. كذلك تحدث عن بدايات اضرابات المحاسبين ومديري الغيط وكيف كان المشروع مهماً بالنسبة للاقتصاد الوطني ما جعل وزير المالية يتدخل لفك الاضراب ومعالجة المشكلات، ذكر وزير المالية الشريف حسين الهندي كمثال.. ولكنه ركز ايضاً على الخلافات بين مكونات الموظفين ما بين خريجي معاهد شمبات وجامعيين وقام بمعالجة مشكلات العاملين بالمشروع. تحدث الكتاب ايضاً عن الدورات الزراعية حيث بدأت بالقطن ثم اللوبيا والذرة في دورات ثلاث ثم أربع ودور البحوث الزراعية في استنباط العينات الملائمة للتربة وكيف كانت عملية الري تتم بانتظام بلا أى شكوى من ضعف الري. وتحدث بإنبهار عن امتداد مشروع المناقل واشادته بالخبرات الوطنية التي نفذت هذا العمل الكبير باتقان شديد وبإنضباط مالي قل أن تجده في تنفيذ مشروعات كبيرة بحجم مشروع المناقل وفي ذلك ثقة وجدارة تنسب للمهندس السوداني والاداري والمحاسب بل لكل من عمل في انفاذ هذا الامتداد العملاق. لقد صعد المحاسب احمد العبيد في العمل النقابي حتى أصبح ممثلاً للعاملين في مجلس إدارة مشروع الجزيرة لمدة ثماني سنوات وقبلها عمل رئيساً لنقابة المحاسبين لمدة عشرين سنة وفيما بعد عمل في المملكة العربية السعودية في عدة وظائف من بينها شركة دلة الزراعية كما عمل مستشاراً مالياً لاتحاد مزارعي الجزيرة. وما يميز الكتاب صدق التوجه والحب لمشروع الجزيرة وذكره بالخير لمن عمل معهم في العمل المكتبي في إدارة الحسابات في التفاتيش المختلفة أو المرافق الداخلية أو العمل النقابي أو اعمال مجلس إدارة المشروع وذكره لتفاصيل العلاقة معهم والمواقف التي مضى على بعضها أكثر من نصف قرن ولكنه يذكرها بالتفصيل. لقد كان هدف المشروع منذ بدايته اضافة الى انتاج القطن وتصديره لبريطانيا كما جاء في الكتاب ولكنه ايضاً اهتم بسد الفجوة النقدية والاهتمام بالجوانب الاجتماعية وترقية الخدمات بالقرى المختلفة (الخدمات الاجتماعية) وتأهيل المزارعين وادخال الحزم التقنية وجودة المنتج وفق المعايير الدولية.. وكانت كل الادارات تهتم بالتحضير المبكر للزراعة والري والحرث في مواعيده، مواعيد العمل السادسة والربع صباحاً.. واهتمت بالادارات المحلية من مجالس القرى والعُمد وهو مزارع مسؤول عن المزارعين وايصال المعلومات لهم ومجالس التفاتيش وفي ذلك نظام محكم لو حافظ عليه المشروع لما وصل الى ما وصل اليه الآن. وتحدث عن الخدمات الاجتماعية وكيف كان المشروع يخصص 2% من الارباح لخدمات التعليم والصحة والمياه وغيرها من الخدمات ما جعل قرى المشروع تتطور بفضل هذه الخدمات التي غيرت شكل القرى ومستوى الابناء الذين تميزوا في التعليم بفضل جهود مال الخدمات الاجتماعية الذي يصرف بشكل مؤسس. وتحدث عن محاولات التصنيع الزراعي التي بدأت مبكراً ولكنها لم يكتب لها النجاح بسبب عدم إشراك الجهات الصناعية في اعداد الدراسات والبحوث حولها أو متابعة انفاذها بما في ذلك مصانع نسيج المزارعين ومطاحن كبرو وغيرها من المشروعات التي كانت بحاجة اكثر للدراسة والمتابعة والتقييم. لقد عمل المحاسب احمد كاتب الكتاب في عدة مكاتب وتفاتيش كمحاسب ثم مراجع داخلي وتميز بقدرات جبارة في العمل النقابي حيث تدرج حتى وصل الى رئيس نقابة المحاسبين ولازال يذكر كل المواقف التي مر بها حتى وصل الى ممثل المزارعين في مجلس إدارة مشروع الجزيرة وتحدث عن بعض القيادات الادارية العليا التي عمل معها وكيف تميز بعضهم بالحكمة والفطنة وكيف ان بعضهم كان دون مستوى ان يكون مسؤولاً عن مشروع بحجم مشروع الجزيرة وبالتالي يمكن اجمال القول بأن سبب تدهور مشروع الجزيرة والذي بدأ قبل مدة من الزمن كان جزءا منه بسبب بعض الادارات التي ربما تكون متخصصة في مجال معين ولكنها لا تملك الارادة ولا القدرة ولا الكاريزما التي تجعلها تستشعر الخطر القادم على المشروع لتوصي بتفاديه حتى وقع ما لا يحمد عقباه. نكرر الشكر للمحاسب والنقابي القدير احمد العبيد علي - امد الله في عمره- ونأمل أن تجد صرخته أذناً صاغية لأن مشروع الجزيرة كان ويمكن ان يظل شرياناً قوياً مغذياً للاقتصاد السوداني اذا احسنت إدارته واقترح على لجنة تطوير المشروع (لجنة تاج السر) الاطلاع على الكتاب لما فيه من دروس وعبر والتحية لكل الاحياء الذين ورد ذكرهم في الكتاب واتمنى أن نجد منهم مساهمات مماثلة لما ساقه قلم المحاسب احمد العبيد من كتاب جدير بالقراءة.