الوقت تمام الثامنة صباحاً من اليوم الثالث عشر من رمضان .يطرق الباب طارق واذا هي ( النيل ) امرأة من نهر النيل تسكن بالجوار وتمت بصلة القرابة لآل عمر الامام وتحدثنا عن رحيل الشيخ ياسين عمر الإمام ذلك الطود حياه الغمام ، قلت (إنا لله وإنا اليه راجعون)، ومرت بي اطياف كثيفة وموكب من الذكريات يجرجر بعضه بعضا ، تذكرت تلك الايام حينما كان الفقيد ياسين رئيساً لتحرير صحيفة رأي الشعب الموقوفة وكنت اتولي مهام سكرتير التحرير ، ويعتبر ياسين من كبار القياديين بالمؤتمر الشعبي واحد مؤسسي الحركة الاسلامية السودانية، فخلال اكثر من نصف قرن قضاها الشيخ ياسين في حقل الدعوة الاسلامية مساهما بفكره وجهده ووقته وماله مما كان له دور كبير في نمو الحركة الاسلامية ، وقد اشتهر بقوة ارائه وجرأة مواقفه ، وكان من اوائل صحفيي الحركة الاسلامية منذ ان كانت تصدر صحيفة جبهة الميثاق الاسلامي في الستينيات من داخل دكان صغير جوار البوستة بام درمان، وظل مجاهدا بقلمه خاطا بكلماته اراءه متنقلا بين كل صحف الحركة الاسلامية حتي صحيفة ( رأي الشعب ) لسان حال المؤتمر الشعبي المصادرة، فقد ظل رئيسا لتحريرها منذ ميلادها وحتي لحظات وفاته. لقد نهلنا من خبرات وتجارب ياسين الكثير بيد ان حصيلتنا من المعلومات المتنوعة التي كان يغدقها علينا كانت الأكثر. ياسين كتاب ومجلد ضخم من الاسرار ليس اسرار الحركة الاسلامية فحسب وإنما اسرار الرجال وحقائق معادنهم فالرجل يكاد يعرف كافة افراد الحركة الاسلامية وغيرهم من السياسيين في السودان فرداً فردا ويمتاز بمعرفة تفاصيل الاحداث التي مرت بها مرتبة مثل عقد منظوم، وبالتالي كان يسهل عليه تحليل المستجدات استناداً الى معرفته بحيثياتها السابقة . حينما برز شيطان المفاصلة علي هيئة الناصح الأمين لمن استقبل من أمره ما استدبر أو أياً ما فعل كان ياسين أول المنكرين للفتنة ولذلك قيل انه ذهب الي القصر مغاضباً وهو يضرب بعصاه الارض، ثم انه جرت بعد ذلك مياه كثيرة ملونة جعلت الرجل يصرح للصحف ويقول ( الحركة الاسلامية دخلت السلطة وخرجت مضعضعة وفيها فساد شديد وفيها ظلم وأدت مفاهيم معاكسة للقيم التي تحملها للناس .زارني بعض الاخوان بالمنزل كان من ضمنهم حسن الترابي وقلت لهم انني اخجل ان احدث الناس عن الاسلام في المسجد الذي يجاورني بسبب الظلم والفساد الذي أراه، وقلت لهم انني لا استطيع ان اقول لاحفادي انضموا للاخوان المسلمين لأنهم يرون الظلم الواقع علي أهلهم ). لقد كان ياسين عمرياً لا يحب الفساد ولذلك ترك كل شئ وانعزل يعالج الاسقام دون ان ينفصم حبل المودة بينه وبين الاخوان . وحينما علت الشمس كبد السماء صبيحة وفاة ياسين توافد الناس من كل حدب وصوب الي مقابر البكري بأم درمان ليشهدوا جنازة ياسين والجميع يعتصره الالم . لقد جاء الجميع مثلما كانوا يفعلون في إفطار ياسين الرمضاني السنوي، وجاء اقوام آخرون لياسين فضل عليهم لم يتناسوه او ينكروه ، جاء قادة التأسيس الأوائل ولم يتخلف منهم أحدا وجاء ( حسن الترابي ) كما يحلو للفقيد ان يناديه، فصلي بالناس صلاة الجنازة وجاء ابناء سرحته وخواصه المقربون ممن يمازحهم ويمازحونه. رحم الله الشيخ ياسين عمر الامام رحمة واسعة، وجزاه الله عن الامة الاسلامية في السودان وخارج السودان خير الجزاء على ما قدم من عمل غير مردود بإذن الله .