تقرير: صديق رمضان: «الواقع في الشرق بات اسوأ حالا عما كان علىه في السابق، وهذا يعني ان الاتفاقية لم تنعكس على حياة المواطن، الاسباب تبدو واضحة ولاتحتاج الى شرح، في تقديري ان الحزب الذي يشارك في الحكومة اذا عجز عن تقديم مايفيد ولايملك القدرة على الفعل، فليس امامه غير الخروج» مابين الاقواس كان تعلىق الامين السياسي لمؤتمر البجا الفقيد صلاح باركوين، عندما اتصلت علىه قبل اسبوع لمعرفة رأيه حول انباء ترددت عن خروج حزبه عن الحكومة، ويومها لم اكن اعلم انه طريح الفراش بمستشفى فضيل بوسط الخرطوم يصارع آلام المرض، فاعتذرت له حينما اخبرني بهذا الامر، الا انه وبصوت بدا لي ان صاحبه يعاني من وطأة الوعكة الصحية، هون علي الامر، مجيبا على اسئلتي بالشفافية ذاتها التي تميز بها طوال مسيرته السياسية، وبعد ان اخذت تعلىقه تجاذبت معه اطراف الحديث الودي لما تربطني به وبحزبه من علاقة مرتكزها وطن ننشد عافيته وتطوره، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية لم اكن اتوقع ان يكون هذا آخر حديث صحفي يدلي به من ظل يحمل بين جوانحه في حله وترحاله السودان وقضايا الشرق. لتشاء الاقدار ان ينتقل الى رحمة مولاه عصر اول من امس، حيث تم تشييع جثمانه في موكب مهيب تقدمه النائب الاول لرئيس الجمهورية، ورئيس مؤتمر البجا، ووزير الداخلية، وقيادات القوى السياسية واعضاء مجلس الولايات، وتمت مواراة جثمانه الثرى بمقابر حلة حمد ببحري، وسط حزن ظلل الاجواء وكان باديا على رفاقه في الحزب الذين ذرفوا الدمع الثخين، وسجلت «الصحافة» امس زيارة الى سرادق العزاء بمنزل الفقيد بحي الصفاء بالخرطوم، حيث توافد كبار رجالات الدولة لمواساة اسرته وزملائه في الحزب، الذين انتقلوا عصر امس الى مدينة اروما بشرق السودان لتقديم التعازي لاسرته، وخيم الحزن امس على المواطنين بكسلا حسبما اشار الزميل والمحلل السياسي سيف الدين ادم هارون في حديث هاتفي مع «الصحافة»، موضحا ان المواطنين تبادلوا التعازي وهم يذرفون الدموع على رحيل رجل يعتبرونه احد قيادات الشرق الوفية التي ظلت تنحاز لقضاياهم باخلاص وتجرد وامانة. ولد الفقيد صلاح محمد الحسن باركوين بمنطقة مكلي بولاية كسلا.. تخرج في كلية القانون بجامعة الخرطوم.. اهتمامه بالسياسة وقضايا شرق السودان بدأ باكرا..واول تنظيم انضم الىه بحثا عن خدمة وطنه واهله كان الجبهة الديمقراطية للطلاب ..وظهر في تلك الفترة بثوب المناضل الثوري صاحب الآراء الشجاعة والرؤى العميقة.. فكان ان وجد لنفسه موطئ قدم عن جدارة واستحقاق في المشهد السياسي الجامعي والعام.. مثل غيره من الشباب في ذلك الوقت كان يبحث عن تحقيق احلامه وطموحاته حتى يرد الدين لاهله ولوطنه.. فعمل لسنوات في مهنته بالسودان.. ليغادر بعدها الى الجارة ليبيا مغتربا وقضى فيها سنوات..لتكون وجهته الثالثة بعد دخوله الحياة العملية دولة الامارات، التي حظي فيها بفضل ضلوعه في القانون بشراكة في مكتب للاستشارات القانونية.. الا انه ورغم الحياة الرغدة التي كان يعيشها.. عندما علم بانطلاق شرارة الكفاح المسلح بشرق السودان بحثا عن حقوق اقليم ظل يشكو التهميش والظلم لعقود.. يمم صوب ارتريا التي كانت تحتضن جيش وقادة جبهة الشرق.. وبعد حوارات اجراها معهم قرر ترك حياة دبي الباذخة وارتداء البزة العسكرية مقاتلا من اجل قضية مؤمن بها.. ليتدرج بفضل عقليته السياسية وسعة افقه ومبادارته وشجاعته في المواقع السياسية من عضو في اللجنة المركزية بالانتخاب الى ان وصل منصب الامين السياسي لمؤتمر البجا وعضوا في مجلس الولايات، واول منصب جلس علىه بعد الاتفاقية كان معتمدا لمحلية وقر بكسلا، حيث وضحت قدراته الادارية واهتمامه بمشاكل المواطنين. ويقول عنه رفيق دربه القيادي السابق بمؤتمر البجا عبدالله موسى وهو يغالب احزانه: كان انضمام صلاح الى الكفاح المسلح نقطة تحول فى حياته كمثقف ثوري، حيث مثل له ذلك دفعة حقيقية للعمل السياسي، واسهمت عدة عوامل في جعله سياسيا بارعا، ابرزها شخصيته القوية، وثقافته القانونية والسياسية، والفقيد علىه الرحمة هو من ارسى اسس الادارة القانونية للمناطق المحررة في فترة الكفاح المسلح، واسهم في بناء قواعد العمل الاداري والسياسي، كان نموذجا فذا للمناضل الذي يستوعب تفاصيل قضيته، ويحيط عقله بكل منحنياتها، بحيث يسير على هدى ذلك فى طريق يعرف منعرجاتها وافخاخها ومطباتها، فلا تدهشه المفاجآت ولاتخذله شجاعته عندما تدلهم الخطوب، ويشير موسى الى ان الفقيد وخلال مفاوضات اسمرا اشتهر بمصادماته مع الوفد الحكومي، وذلك من اجل تحقيق اكبر قدر من المكتسبات لقضية شرق السودان، ويعتبره موسى من اصدقائه المخلصين ورفيق درب لايمكن ان يسقط عن ذاكرته. الحزن على رحيل صلاح باركوين لم يكن قاصرا على رفقاء حزبه بل عبر عنه النائب الاول لرئيس الجمهورية ووزيرا الاستثمار والداخلية ومعظم قادة الدولة والقوى السياسية، الذين اتفقوا على ان رحيله يعتبر فقدا للسودان، وذلك لما ظل يقوم به من مساع لايجاد حلول لقضايا البلاد والشرق، معتبرين انه كان متجردا ووطنيا غيورا وصاحب علاقات ممتددة مع مختلف القوى السياسية، وانه كان من الذين يرون ان الاختلاف في وجهات النظر لايفسد قضية الود بين ابناء الوطن الواحد. بصوت حزين ومتقطع ودامع، تحدثت رئيسة حزب الشرق الديمقراطي الدكتورة آمنة ضرار التي ابانت ان كل صفات القيادة والريادة والمبادرة والصبر كانت متوفرة في الفقيد باركوين، وقالت ل «الصحافة» انه كان مؤمنا ايمانا تاما بالقضية التي نذر نفسه من اجلها ومنحها وقته وجهده دون ان يفكر في مقابل، معتبرة ان الراحل اتصف بالصدق والامانة والوعي الكامل، لافتة الى انه كان مختلفا عن الآخرين في تفكيره وما يعتقده ازاء معالجة قضية البجا، وزادت: ذرفنا علىه الدمع الثخين، ونعتبره فقدا كبيرا للسودان والشرق وذلك لأنه كان صاحب عقلية وقدرات سياسية جبارة، بل كان يتمتع باسلوب متحضر في كيفية التواصل مع كل القوى السياسية التي كانت تحترم فيه توازنه ومعرفته العميقة بالسياسة وقراءاته الدقيقة، وتشير الدكتورة آمنة الى ان الفقيد باركوين كان مفكرا يجيد ايصال رؤاه في مختلف القضايا باسلوب مقنع، مؤكدة انه فقد كبير للبلاد والشرق. وبحسب مقربين من الراحل ومنهم رفيق دربه عبدالله موسى فانه ورغم التزامه العميق بخط حزبه السياسي، الا ان شخصيته كمناضل ثوري لم تختف، وذلك من خلال جهره بالحق في وجه نظام الانقاذ، وتناوله الصادق والشفاف لكل القضايا الوطنية بلا مواربة، معتبرين انه ورغم الانقسامات والخلافات التي ضربت حزبه في اوقات مختلفة، غير انه ظل يقف على مسافة واحدة من كل الاطراف، ساعيا لاصلاح ذات البين بين الفرقاء والمختلفين في وجهات النظر، وذلك من اجل الحفاظ على تماسك الحزب. حزب الاسود الحرة الذي نعى الفقيد، يشير نائب امينه العام حميد محمد حامد الى ان البلاد فقدت مناضلا حقيقيا، ورجلا صادقا، ظل وفيا لقضية الشرق والسودان، وقال في حديث ل«الصحافة» ان صلاح باركوين كان يمثل مدرسة سياسية متفردة تقوم على المبادرة والقراءة العميقة للاحداث والمساهمة في صنع القرارات، والشفافية في التناول، لافتا الى ان باركوين اخلص من اجل القضية التي اقتنع بها، وقال انه ليس فقد لمؤتمر البجا بل لكل الشرق والسودان. وامس حينما حاولنا استنطاق مساعد رئيس الجمهورية ورئيس مؤتمر البجا موسى محمد احمد لاحظنا ان الحزن بدا واضحا على وجهه، ورغم ذلك تسامى فوق احزانه وتحدث لنا، معتبرا الفقيد صلاح باركوين احد الذين حملوا قضية السودان والشرق باخلاص وتجرد ومسؤولية، مشيرا الى انه مهما تحدث فلن يستطيع ان يعطيه كامل حقه، وذلك من واقع اسهاماته الكبرى ومجاهداته التي امتددت لاكثر من عشرين عاما، ظل خلالها متمسكا بالمبادئ، ومؤمنا بالقضية التي ضحى من اجلها، ويعتبر مساعد رئيس الجهورية ان حزبه فقد كادرا وقياديا مؤثرا، وتضرع الى الله ان يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء. ومثلما ابكى رحيل صلاح باركوين اهل الشرق عامة ومنسوبي مؤتمر البجا خاصة، سبق ان ذرفت الدموع على فقد اثنين كانوا على شاكلة باركوين في الشجاعة والنضال والثبات على المبدأ وهما القياديان السابقان بمؤتمر البجا الفقيدين محمدين الىمان والدكتور محمود ابراهيم، ورغم الفقد الذي يصفه الناطق الرسمي باسم الحزب عصمت ابراهيم بالجلل، يؤكد ان مسيرة مؤتمر البجا ستمضي من اجل تحقيق الآمال والطموحات التي سعى من اجل ادراكها فقداء الحزب وآخرهم باركوين، الذي يصفه عصمت ابراهيم بالشجاع والمصادم الذي كان لا يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم.