تحقيق : هويدا المكي : شهد القطاع الصحي بالبلاد تراجعا مخلا في الخدمات الصحية لدرجة دفعت بالسلطات القضائية الحجز علي بعض المستشفيات لعجزها الايفاء نحو استحقاقات الجهات الدائنة ويأتي الغذاء في مقدمة اوجه الصرف في تلك المستشفيات فقد ظلت المؤسسات العلاجية تقوم بتوفير وجبات المرضى وفقا للمواصفات التي يحددها اختصاصي الاغذية بالمستشفى، وكانت وزارة المالية الاتحادية هي الجهة التي توفر الاموال عبر صرفيات دورية تحول لوزارة الصحة ومنها الي المستشفيات. في الفترة الاخيرة بدأ الدعم الموجه للغذاء يتأخر ما دعا ادارات المستشفيات الاستدانة من متعهدي الاغذية الذين بدأت ديونهم في التراكم وفي ذات الوقت كشفت مصادر مطلعة بمستشفى الخرطوم عن عدم التزام وزارة المالية بالوعد الذي قطعته بدفع مديونيات غذاءات المستشفى البالغة قيمتها 27مليون جنيه والخاصة بشركتي بحري وكردفان للغذاءات ، واعربت المصادر عن خشيتها من ان تؤثر مطالبات الشركة علي سير العمل بالمستشفى وتقديم الخدمات الطبية للمستشفى ما دفع بعضهم الي القضاء وحصلوا علي احكام قضائية قضت بالحجز علي ممتلكات تلك المستشفيات. جهات كثيرة استغربت حصول البعض علي احكام قضائية بالحجز علي اصول المستشفيات العامة غير ان الصحافة في المساحة التالية تسلط الضوء علي جانب التغذية بالمستشفيات وهو السبب الرئيس وراء حالات التقاضي وهنا تبرز العديد من الاسئلة والاستفهامات مثل هل كل المستشفيات العامة تقدم وجبات منتظمة للمرضى ؟ هل ما تقدمه مطابخ المستشفيات من وجبات مفيدة وكاملة الغذاء؟ ماذا عن البيئة التي يتم بها اعداد الوجبات ؟ الاطباق التي يقدم فيها الطعام نوعيتها ودرجة جودتها ؟ و هل تلك الاطباق تتواءم مع المستشفيات ؟ ضعف الاغذية والوجبات التي تقدم للمرضى بالمستشفيات العامة ليست وقفا علي السودان ففي دراسة حديثة قامت بها مؤسسة ساستين البريطانية، اتضح أن الطعام المقدم للمرضى في المستشفيات الحكومية بانجلترا أكثر ضررا واقل جودة من الطعام المقدم في مطاعم الوجبات السريعة وقال الباحثون بأن 75% من الطعام المقدم في المستشفيات يحتوي على كميات أكبر من الملح والدسم بنسبة 60% ، كما تبين أن وجبة الارز بالكاري والمكرونة التي تقدم في المستشفيات البريطانية تحتوي في بعض الأحيان على نسبة أكبر من الدهون ،ونصح مسؤول في مؤسسة ساستين المرضى بزيارة مطاعم الوجبات السريعة بدلا من تناول الطعام المقدم في المستشفى والذي لا وجود لمعايير تحدد نوعيته، وضمن اطار الدراسة تم تقصي نوعية الغذاء في 25 شركة تقدم الطعام لمرضى المستشفيات البريطانية ،وطالب ناشطون الحكومة البريطانية بوضع معايير غذائية لا لشبكات مطاعم الوجبات السريعة فحسب، بل وللمستشفيات أيضا ، هكذا حال الوجبات التي تقدم للمرضى في بريطانيا فكيف حالها ببلادنا التي يعاني فيها القطاع الصحي من تجاوزات كثيرة ومتنوعة الاشكال ؟ . حاولنا تقصي امر التغذية بدءا بمستشفى الخرطوم التعليمي والذي يعتبر اكبر المستشفيات بالبلاد هاتفنا المدير العام بالمستشفى الدكتور محمود البدري اكثر من مرة كان رده يتمثل في ثلاث مفردات « مشغول وساتصل عليكم » عشرات المحاولات ولم يتصل سعادته حتي اليوم ، توكلنا علي الله ووجهنا وجهنا شطر المستشفى لتبدأ رحلة البحث عن الوحدة الغذائية كنا نسأل منسوبي المستشفى من الاطباء والعاملين فاتضح بانهم لا يعرفون مكان الوحدة الغذائية بالمستشفى .. فشلت محاولتنا بايجاد مكاتب التغذية والمطبخ بمستشفى الخرطوم التعليمي وحتي لا اعود بخفي حنين اتجهت الي مستشفى الشعب وربما ساهمت محدودية المساحة في التعرف علي موقع المطبخ الذي تعد بداخله وجبات المرضى كان المطبخ عبارة عن جملون كبير من الزنك. كانت الساعة تشير الى الواحدة والنصف ظهرا عندما وجدت الطباخين وقد تأهبوا لاعداد وجبة الغداء وعند المدخل قابلت اثنتين من الطباخات وقد وضعتا حلة امامهما بها شرائح بطاطس وبعد التحية سرقت النظر الي داخل المطبخ لكني لم اتمكن من رؤية ما بداخله بدقة ولم اتبين الا بعض الحلل التي تحولت للون الاسود ما يعني انها ظلت تفتقر للنظافة الكافية ، وعندما ابرزت هويتي اشارت علي احدي الطباخات بالدخول الي مكتب صغير به اختصاصي التغذية هبة عبدالوهاب التي قالت ان المطبخ الحالي مؤقت وتعمل الادارة لبناء مطبخ ثم انتقلت للحديث عن الدور الذي يقوم به اختصاصي التغذية لتوفير وجبة صحية طبية توافق كل مريض ، واشارت اختصاصية التغذية الي ان الوجبات تقدم حسب نوع المرض ولكل مستشفى نظام يختلف عن الاخر حسب اقسامها ، ويصنف مستشفى الخرطوم علي انه من المستشفيات متعددة الاقسام، كما ان ارتفاع عدد المرضى اضطر المستشفى الي عمل واعداد الوجبات داخل المستشفى وفق وصفات طبية باشراف اختصاصي التغذية الذي يقوم في بعض الاحيان بالمرور مع الطبيب بين العنابر لرصد ارشادات الطبيب فيما يلي التغذية. وبشأن نظافة المطبخ والاواني تقول هبة عبدالوهاب بان النظافة من الاولويات وتبدأ قبل الشروع في صنع الطعام اضافة الي توجيه الطباخين بالنظافة الكاملة وارتداء الزي المخصص للطبخ ،و يقدم الطعام في صحون «الازبوزر » لانها اكثر ضمانا وصحة من صحون الاستيل التي اوقف استخدامها بسبب الممارسات السيئة من المرضى التي تصل لمرحلة «البصق» فيها . غادرت قسم الوحدة الغذائية وكانت وجهتي عنابر المرضى للوقوف علي رأيهم حول ما يقدم لهم من وجبات وبمجرد المامهم بمهمتي حتي ابدوا استيائهم من الوجبات التي تقدم لهم وتحدث بعضهم عن البيئة غير الموائمة لصناعة الطعام ، مؤكدين ان اغلبهم لا يتناولون وجبة المستشفى بل يقذفون بها من الصحون الي سلة النفايات مباشرة فالوجبات غير مستساغة لديهم حتي وان كانت بمواصفات صحية الا انهم لا يضمنون طريقة اعدادها ، وانتقد معظم المرضى طريقة تقديم الوجبات ، موضحين انها تقدم في صحون كاشفة. احد العاملين في القطاع الصحي فضل حجب اسمه انتقد مستوي الخدمات الغذائية التي تقدم للمرضى في المستشفيات، مشيرا الي تشابه الاصناف المكونة للوجبات في وقت كان يجب ان تكون تلك الوجبات وفق الوصفة التي يحتاجها المريض، مشيرا الي تدني بيئة المطابخ والادوات من صحون واواني التي غدت موئلا للحشرات كما باتت تجذب مجموعات القطط ، واضاف الرجل بان تردي الوضع بمطابخ بعض المستشفيات دفع ادارة احداها لاغلاق المطبخ بعد ان كشفت بعض الجهات ان المتعهد يحضر طعام المرضى من الخارج دون اعتبار لمواصفات اخصائى التغذية الذي يعني ان تختلف وجبة كل مريض عن الاخر وفقا لمرضه، وتكمن المشكلة فى ان جميع الوجبات نوع واحد، الامر الذى قد يحدث تأثيرا بالغ الخطورة علي المرضى بالمستشفى . ومن مستشفى عطبرة التعليمي نقل الزميل عمر مصطفى صورة تجسد المعاناة في اعظم صورها فوضع البيئة تجسده تصاعد الروائح الكريهة التي تزكم الانوف ، تفتقر المستشفى الي وجود وحدة غذائية ولا تقدم المستشفى اية وجبات لا وفقا لاحتياج المريض ولا غيره ودور المشفى يقف في حده الاقصي عند حد توفير السرير . عدد من المرضى اكدوا انهم لم يتلقوا اية وجبات طوال فترة اقامتهم بالمستشفى وبحسب مديرة قسم الحوادث والمدير الطبي الدكتورة امنة أحمد علي المناوب اكدت بعدم وجود اية وحدة غذائية بمستشفى عطبرة التعليمي لذلك لا تقدم المستشفى اية وجبات غذائية للمرضى باعتبار ان المستشفى مصنفة في القسم الثالث وان ولاية نهر النيل خالية من امراض سوء التغذية ، مبينة ان التغذية قاصرة علي قسم الاطفال المصابين بسوء التغذية فقط وتقدم لهم البان الكواش. اختصاصي التغذية بمستشفى عطبرة ليلى حمزة قالت بعدم تقديم اية وجبات غذائية للمرضى منذ عشرة اعوام باعتبار المستشفى من الدرجة الثالثة وليس لها ميزانية للتغذية ويقتصر دعمها في التغذية العلاجية علي مرضى سوء التغذية فقط اضافة الي تقديم وجبة جافة تحتوي علي سكر ودقيق بجانب العلاج لمرضى الدرن . وابانت ليلى حمزة ان دور التغذية بات منحصرا في التوعية الغذائية للمرضى. لم تكن الحال في مستشفى القضارف التعليمي افضل منه بالخرطوموعطبرة وبحسب حديث المدير الاداري للمستشفى محمد بشير موسى للصحفي عمار الضو فانه انه لا اثر لوجود وحدة غذائية بالمستشفى التي تعتمد وجبات جاهزة لمرضى الدرن والايدز والاطفال المصابين بسوء التغذية ، ويأتي الدعم لهذه الشرائح من اليونسيف وديوان الزكاة والمنظمات الوطنية والاجنبية اضافة الي بعض الخيرين من المنطقة ،وعلي الجانب الاخر فان مستشفى الاطفال بالقضارف يقدم ثلاث وجبات يوميا لعدد « 212» سريرا لكل الامراض المختلفة بتكلفة 30مليون جنيه شهريا لتقديم الوجبات الثلاث علي حسب الوصفة الطبية والغذائية لكل المرضى البالغ عددهم 650 مريضا بجانب إنشاء مطبخ حديث بالمستشفى مكتمل. ومن مستشفى نيالا هاتف «الصحافة » المدير العام الدكتور عمر يعقوب أحمد الذي قطع بعدم وجود اية وحدة غذائية بالمستشفى بسبب تكلفة برنامج التغذية المشروع الذي يفوق قدرة المستشفى في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة . وخلص دكتور عمر الي القول « لو قدرنا عالجناهم ماقصرنا ».