أعجبتني جداً فكرة كاميرات المراقبة التي أعلن عنها والي الخرطوم! فهذه الفكرة تنمّ عن عبقرية والينا المبجَّل الذي يستطيع أن يتفقد رعاياه في ساعةٍ من نهار وهو جالس على مكتبه الأنيق! وأقول لساكني الخرطوم، عليكم أن تبتهجوا بهذه المراقبة الالكترونية التي يحسدكم عليها طلاب الشهادة الثانوية! وعليكم أن تحمدوا الله أن جعلكم من رعايا هذا الدكتور الكريم الذي أنفق بضعة ملايين من دولارات الولاية من أجل أن يمتع ناظريه بطلعتكم البهية ! إن إخوانكم في الولايات الجنوبية الآن لا يجدون ما يأكلونه بسبب الفجوة الغذائية التي حلت بهم! وسكان القضارف يرتجفون من هول تصريحات كرم الله الذي وعد بقطع رؤوس مانعي الزكاة..!! بينما يترقب سكان نيالا مشنقة عبد الحميد موسى كاشا التي سينصبها في السوق لشنق المجرمين كما قال بعد فوزه..!! وأهل الفاشر يتحسرون على ملايينهم التي ضاعت في السوق الربوي الذي مدحه واليهم المنتخب كبر..!! أما أنت يا ساكن الخرطوم فقد منَّ الله عليك بوالٍ عظيمٍ وفّر لك الخبز والسكر والماء والبصات المكندشة، وأبت نفسه إلا أن يطمئن عليك وأنت تستمتع بهذه الطيبات على الهواء مباشرة..!! إذن لا شك في نبل مقاصد والينا المنتخب، ولكن أكثر ما أخشاه على سيادة الوالي، أن يصيبه همٌ جراء ما يبذله من جهد من أجل رعاياه، وقديماً جداً قال الشاعر: من راقب الناس مات همّاً وفاز باللذة الجسورُ فما بالكم بمن راقب ولايةً بحجم الخرطوم؟! فأبسط ما يمكنك فعله من أجل صحة هذا الوالي الكريم ليسلم من الهم والغمّ، هو ألّا تخرج للشارع إلّا بعد أن تأخذ حماماً منعشاً، ولا تنسَ أن تبتسم حتى تخرج صورتك للوالي في أحسنِ حالاتها..!! اعتذار لسائقي الحافلات..!! يبدو أنني وفي غمرة نشوتي بالبصات الجديدة، قد أسأت الأدب مع سائقي الحافلات، لدرجة أنني طلبت منهم أن يذهبوا بحافلاتهم للسوق المركزي لنقل الطماطم..!! ثم أعلنت مقاطعتي للحافلات القشديمة..!! وبما أن انتظاري قد طال، فإنني أعلن أمام الجميع قرار عودتي ملوماً محسوراً مطأطئاً رأسي لتلك الحافلات الدافئة التي احتمل سائقوها الايصالات المرورية، وازدحامات شوارعنا المتصدعة، احتملوا كل ذلك من أجل خدمتنا وراحتنا..!! أما الطماطم فالأفضل لها بصات الوالي المكيفة..!! وذلك لبرودتها وسعة حجمها التي تفوق ثلاجات المركزي..!! والكندشة ذاتها ما بتنفع معاي أصلو عندي حساسية ضد التكييف..!! وبعدين الكندشة لينا شنو بعد ما الصيف انتهى؟! وللأستاذ جلال العاقب الشيخ- الأمين العام للهيئة النقابية للحافلات- العتبى حتى يرضى! وأكرر اعتذاري لأصحاب وسائقي الحافلات وكماسرتها..!! وتكفيراً عن غلطتي الشنيعة، فإنني ساتبرع بكيس من «سعوط» الجمري لأول سائق حافلة أركب معه..!!