من الواضح أن جرائم الاعتداء علي الأراضي بدأت تتخذ في الآونة الأخيرة أشكالا وأنماطا جديدة بحيث تتضافر عناصر الجريمة المسنودة بالإجراءات والأوراق الرسمية . لقد حكينا أول أمس عن الرهط من موظفي مصلحة الأراضي بمحلية الدويم الذين ادخلوا حراسات الشرطة بناءاً علي بلاغ جنائي قام بفتحه في مواجهتهم مدير مصلحة الأراضي عبد المنعم عباس، وقد جاء البلاغ علي خلفية قيام المذكورين بالتوقيع علي أوراق رسمية صادرة من الأراضي تخول لكل من هب ودب ودفع الحصول علي أوراق قطعة ارض مع العلم بأن جميع تلك القطع الممنوحة سبق وان منحت لآخرين ولذلك حدث الهرج والمرج وتضاربت الأوراق مع أصحابها ضرب غرائب الإبل . ومن صور الاعتداء علي الأراضي في السودان قيام بعض المسؤولين عديمي الضمائر بالتصرف في ما لا يملكون وكأنه ملك حر مثل أولئك النفر الذين برعوا في بيع الميادين العامة والساحات داخل المدن والأحياء السكنية ، وهم إذ يتصرفون في تلك المساحات يخدعون الناس بأنهم باعوها لصالح مشروعات خدمية تنفع الناس في الوقت الذي يعلمون أنهم باعوها لمن يدفع وأنها ستتحول إلى مشروعات استثمارية تغذي جيوب الذين دفعوا بالمليارات، أما المواطنون وصحة البيئة وحرم الحي أو القرية أو المدينة فليشرب المهتمون بذلك من البحر !!!. لقد كتبنا من قبل عن جرائم الاعتداء علي الأراضي من قبل المسؤولين ولكن لا حياة لمن تنادي فالجميع أصبحوا في هذا البلد شركاء في التجاوزات والتواطؤ ضد المصلحة العامة والجري واللهاث وراء المصلحة الخاصة فقط، ولقد عجبت بالأمس من مدير أراضي مدينة الدويم الذي تصرف تصرفاً لا يشبه أهل حكومته حينما فتح البلاغات ضد المتلاعبين وزج بهم في السجون ورفض تسوية مثلما ثمنت الجهد الذي يقوم به عبد الرحمن يحي الكوارتي رئيس اللجنة الشعبية بالثورة فالرجلان يقاتلان من اجل إحقاق الحق هذا من واقع عمله الرسمي الحكومي وذاك من واقع مسؤوليته الشعبية تجاه سكان الحارة الثالثة الذين تضرروا من قيام البعض ببيع المساحات والساحات التي تعتبر متنفساً طبيعياً للسكان . إن فوبيا البيع أصابت بعض مسؤولي الدولة في عهد الإنقاذ ولذلك تخلصت الحكومة الحالية من كثير من مسؤولياتها تجاه الشعب عبر بيع أصوله ومؤسساته الخدمية وذهبت الأموال الناتجة من مثل هذه العمليات أدراج الرياح ولم تصب في تحسين الخدمات والسؤال هو لماذا يتم بيع مصالح العامة لأجل مصلحة الخاصة ؟ ألا يعد هذا فساداً وإفساداً في الأرض ؟ لقد تم تأجير الميناء البري الذي هو قبلة المسافرين إلى الولايات وتم فرض رسوم باهظة علي المواطنين بحيث لا يستطيع احد شراء تذكرة سفر إلا بعد دفع اتاوة تسمح له بالدخول ومن ثم يقوم بقطع تذكرة السفر !!انه احتكار مع سبق الإصرار وتمكين للخاصة من رقاب العامة ليسلبوهم أموالهم بمثل هذه الطرائق الملتوية وقس علي ذلك واعد النظر في جميع الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن وستجد أن الخاصة يقفون في منتصف الطريق بين الناس وبين الحاكم والخدمات . إن الزج في السجن بالمتورطين في بيع أراضي الدويم هو ضربة معلم يجب أن تجد الإسناد والترحيب فقد مل الناس مشاهدة الفساد وحان الوقت لإيقاف كافة أشكال الفساد سواء داخل دواوين الحكومة أو خارجها خصوصاً أولئك المرابطين خلف أسوار المؤسسات الحكومية الخدمية حيث أثبتت التجارب بما لا يدع مجالاً للشك أن هؤلاء افلحوا في استمالة بعض المسؤولين و( نسقوا ) معهم و( نفذوا ) العديد من العمليات القذرة وعادت عليهم بالأرباح المليارية وهكذا شهد أهل السودان عروض الأثرياء الجدد الساقطين في امتحان الحياة الدنيا المرتمين في احضان الشيطان . إن المدخل إلى محاربة الفساد هو إعادة النظر في كافة الجرائم المرتكبة ضد الأراضي وجرائم المال العام وجرائم الجهاز المصرفي وغيرها من الجرائم ، وبدون العزم علي مكافحة الفساد فلن يستطيع الحاكم أن يبسط العدل و يقيم الميزان وستكون فترة الحكم بالنسبة لهم المزيد من حمل الأثقال . ولنا عودة لمناقشة بعض أشكال الفساد بالتفصيل.