مسرح الشارع «نموذجاً» (1-2) نظم منتدى المسرح بالتعاون مع المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، احتفالا بتأسيس المنتدى.. قدمت خلاله أوراق علمية ناقشت تجربة مسرح الشارع تحدث في الأمسية الناقد السر السيد والاستاذ ربيع يوسف الحسن.. قدم الامسية الاستاذ محمد الجيلاني.. بدأ الحديث السر السيد قائلاً: الحساسيات الجديدة في المسرح السوداني ومن ضمنها مسرح الشارع، من الثابت تماما للمتحدثين عن التجديد والتجريب والابتكارات التي تمت على مستوى الشعر في السودان، وتحدث آخرون عن النقلات التي تمت على مستوى النقد في السودان وعلى مستوى القصة والرواية وهذا محكوم بتطور هذه الاجناس وهذه الانماط، ربما لأن هذه المسألة واضحة بشكل أكبر في هذه الانماط من الفنون بحكم تماثل هذه الانماط مع الشعراء والادباء والمنتجين وبحكم تماثلها مع رؤى فلسفية وسياسية وفكرية كلية كبيرة أكبر من التجربة المسرحية في السودان، انه سقف الرؤى الفكرية المعمقة هو الذي زاد التجانس مع ما هو سياسي ولم يكن واضحا في التجربة المسرحية، لذلك الذين يتحدثون عن الحداثة باستمرار يتحدثون عن الحداثة في الشعر والنقد والرواية والقصة لكن قلما يستخدمون هذا المصطلح في مقاربة التجربة المسرحية السودانية، ولذلك أقول ذات القانون الذي حكم تطور تلك التجارب سواء كان على مستوى الشعر أو الرواية أو القصة هو نفسه حكم التجربة المسرحية، وهي مقاربة هذه التجربة بالتجارب سواء العالمية او الاقليمية.. قد حدث لتجربة المسرح السوداني منذ وقت مبكر.. الحركة المسرحية منذ بداياتها كان لها تماس مع التجربة العربية والعالمية.. هذا التماس في المسرح نجده بداية على مستوى التأليف والكتابة وعلى مستوى بناء العرض نتحدث عن المكان وهو خشبة المسرح ونتحدث عن الممثل وعن العناصر الاخرى الاضاءة والديكور هذه المسائل في تجربة المسرح في العالم والوطن العربي ضمنها تجربة المسرح في السودان تم فيها عمل كثير مرتبط بذات الرؤى التي حكمت تطور الادب عموما في العالم برؤى سياسية ورؤى فكرية وهي رؤى تعيد قراءة العالم من جديد، وترتب الاوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية، ومن ثم ترتب اوضاع الانسان وقراءة الانسان.. الرؤية الكلية الفلسفية والفكرية التي اثرت في تطور الفنون في المستويات الأولى في نفسها حكمت التجربة المسرحية في السودان خلال تماسها ودخولها في تشابك مع التجربة العالمية من خلال اسئلتها المرتبطة بأسئلة ايدولوجية وفكرية وسياسية تؤرخ لها من تجارب مثل تجربة طلاب جامعة الخرطوم او ما يسمى بالمسرح الجامعي، ونذكر منهم علي عبد القيوم وعثمان المسيري وعبد الله علي ابراهيم وسبدرات، مجموعة كبيرة مارست العمل المسرحي في جامعة الخرطوم.. وهذا التماس كان مرتبطا بقضايا فكرية في ذلك الوقت.. انتقل هذا التماس الى المسرح بهؤلاء الناس جاءوا قادمين الى التجربة المسرحية في مجراها العام والتقليدي وأثروا فيها عندما دخلوا المسرح القومي وبدأوا تقديم عدد من العروض وارتبط بهذه التجربة ظهور التجربة البريختية وهي واحدة من أقوى التجارب التجديدية ومن التجارب التي عملت كسر وقطيعة لما هو سائد في المفهوم المسرحي والمرتبط ايضا بنظرية مفهوم التغيير ومفهوم الايدلوجيا ومفهوم الوعي وتأثيراته وعلاقة كل هذه بالمسرح ومن ضمن المفهوم الجمهور والتأثير بينه وبين العلاقات وتأثيرات كل القضايا ذات البعد السياسي والثقافي. أول اختراق لما هو سائد مسرحيا ظهور هذه التجربة، قبلها لحد بعيد تجربة ناس عبد الله علي ابراهيم في أبادماك في مسرحية القصر والنصر يضاف الى ذلك ظهور كلية الموسيقى والمسرح من خلال المناهج والدراسات مرتبطة بالتجربة العربية والعالمية.. ظهرت روح جديدة ومفاهيم جديدة تبدل في كثير من الاعمال المسرحية التي كانت تلامس هذه الحساسيات الجديدة وظهرت اعداد من التجارب عرضت في الكلية وفي المسرح القومي، وبعد ذلك بدأت تتنقل مثل تجربة السديم في مسرح الشارع وهو واحد من هذه الحساسيات الجديدة ومرتبط بالنظريات التي طالت مفاهيم التلقي ومفاهيم التمثيل والنص وبناء العرض وظهرت مسألة مسرح الشارع نذكر منها تجربة نادي المسرح «الفاتح مبارك» وتجربة سبت اخضر وتجربة صوصل في الحدائق العامة، ثم بدأت تكبر الظاهرة وتم توظيفها للتعبئة الاجتماعية بالاضافة الى تجربة اسامة سالم صفِّر يا قطر. الشاهد في كل الامور مثار الحساسية الجديدة في المسرح السوداني يؤكد وجود تأثيرات كثيرة على الفكر المسرحي او الثقافة المسرحية ساهمت فيها جهات عديدة من ضمنهم طلاب جامعة الخرطوم ثم الكلية مع تماس على التجربة العربية والافريقية والعالمية.. هذا النوع من العرض فيه مران ديمقراطي ولكنه يصطدم باستمرار مع كثير من المعطيات المجتمعية والاجتماعية ومع كثير من المعطيات السياسية ويكون هذا النوع من المسرح عرضة لكثير من الاشكالات وقد يتعرض على المستوى الثقافي لقدر من الاستنكار في البداية والمساءلات القانونية.. هذا النوع من المسرح اهميته وخطورته ليست في بساطته فهو يختبر قدراتنا على الحوار وتفضيلنا للشارع واعادة مفهوم الشارع وتحويله لشارع يمكن ان يتحاور. خلصت الورقة الى ان المسرح الجديد في السودان تحت عنوان (الحداثة) تحرك في مجالات كثيرة وحل كثيرا من المشاكل لانه استطاع ان ينتقل بالمسرح الى فضاءات فكرية أرحب نوعا ما، طرح اسئلة من نوع جديد، بدأ يدخل ويغوص في قضايا حقيقية وحية وبدأ يدخل ايضا في مران ممارسة الحوار وممارسة الديمقراطية، لكن المشكلة التي تواجه هذا النوع من المسرح هي فضاء المدينة السودانية وهو فضاء مخنوق جدا ولا يستطيع ان يستوعب هذه التجارب بسهولة، وتحتاج لقدر من الصبر والنضال بالذات فيما يتعلق بمسرح الشارع تستطيع أن تقول الى حد كبير جدا كانت تجارب عميقة لكنها عارضة ولم تستمر، ويعود ذلك لفكرة الاختناق ولغياب فكرة الحوار ولغياب المدينة التي تتيح براحات من التفكر.