٭ تتجلى عقبرية الألحان عندما تعبر بصدق عن المعنى الذي يحسه الشاعر، من عذابات وصبابة وشجون أو فرح وهيام، دموع وحسرات، بسمات وآهات، وتتكامل الصورة بعد أن يفصل اللحن على مقاس المعنى، بجانب إحساس الفنان الذي يرسم بحنجرته لوحة صوتية جميلة وساحرة أبعادها إضاءة من عوالم الدهشة تنبع من تداخل الألوان الشفيفة، وتصبح الشفرة الوحيدة لفك طلاسمها، خيال وإحساس المتلقي، ولكن بشرط ان يكون رفيعاً من فصيلة «الطير المهاجر والجريف واللوبيا وقصتنا والشجن الأليم والذكريات والمساحة تطول....» وبالطبع ليس من فصيلة «قنبلة، ومهند ونور، وأضربني بي مسدسك ...» وللأسف القائمة المخجلة ايضاً تطول. ٭ الأغنية التي أقصدها، أشبه بأنثى جميلة، كادت تصل الى درجة الكمال، اجتمعت فيها محاسن الصفات، من مظهر جميل وجذاب طغى عليه الحياء فزانه بريقاً ومهابةً جسدته أغنية الحقيبة: شوف جبينه الهلا ٭ من نورو ضوه فنار منو هلا الشارع ٭ منو بقت نار طلعة ما بتتقابل ٭ زي لهيب النار تحرق البتهابل ٭ والبعيد في نار وأهم من ذلك كله جوهر ثمين، اكتمل بالأخلاق الكريمة، وتعفف بعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، فعبر عنه الشاعرالرقيق الراحل حسن الزبير: والله يا الدهب العزيز ٭ انا ما هويت البهره فيك لكن أصالتك وعزتك ٭ وعيون حنان جذبوني ليك فالأغنية الأصيلة ايضاً لا بد أن تتكامل فيها عناصر كتلك الأنثي، كلمات أنيقة وجزلة، ولحن بديع يجسد احساس الشاعر، وصوت طروب يترجم تلك المعاني، فكثير من الكلمات القوية تاهت في ذاكراة الغناء السوداني، إما بسبب عدم ملاءمة اللحن، أو بسبب فشل المؤدي في ترجمة إحساس الشاعر. ٭ وكثيراً ما تحاصرني تلك المعاني وانا استمع لبعض الأغنيات التي حلت فيها عبقرية الألحان وتجسيد المعاني مثل أغنية «كلمة» والتي أبدع فيها الفنان الطروب صلاح بن البادية بإحساس جعله يمتلك ريشة لرسم لوحات تعبيرية في خيال المتلقي «السميع»، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ الأبعاد والمقطع الذي يردد فيه «كلمتي المسَّت غرورك وفرقتنا ياحبيبي» فتشعر بمعنى الفرقة عندما يجسدها بصوته وهو يصدح ب «فرقتنننننننا» ليعطيك بعد المسافة الصوتية مدى وعمق حالة الفراق. ويتجلي ذلك ايضاً في أغنيات الفنان المرهف احمد شاويش الذي أحسبه متفرداً في رسم الأحاسيس كما يشاء المعنى، ويتضح ذلك في أغنيته «بذكرك» خاصة المقطع بسأل الناس عن شوارعاً فيها سافرت ومشيت فيها «تاتيت» ومشيت وعن كلاماً داير اقولو قولتو يا ما غنيت وبكيت فعندما يصل شاويش لكلمة «تاتيت» يقطع حروفها بصورة جميلة «ت ا ت ي ت» فتشعر ان الكلمة اصبحت كما الطفل الصغير وهو يتعلم المشي ويخطو خطواته الأولى. ٭ فالمبدعون الذين لهم القدرة على تجسيد المعاني كثر، ولا يمكن حصرهم في هذه المساحة الضيقة، ولكن نخشى أن يتلاشى هذا الابداع في ظل الهبوط المريع الذي وصل لذوق المستمعين، وليتهم يعلمون..!! ٭ بعد إضافي بذكرك بذكرك وكت الكلام يصبح صعب والليل يودر في النعاس وكت النجم يتلألأ زي عقداً بيضوي عليهو ماس [email protected]