إذا نظرنا الى هذا التشكيل الحكومي الجديد لحزب المؤتمر الوطني الذي يدعي بأن الشعب السوداني منحه تفويضا شاملا وغير مسبوق في الانتخابات الديمقراطية التي شهدتها هذه البلاد من قبل، نجده احتوى على سبعة وسبعين منصبا وزاريا منها خمسة وثلاثون وزيرا اتحاديا، واثنان واربعون وزير دولة، غير مستشاري رئيس الجمهورية الذين يتوقع ان يصدر قرار بتعيينهم خلال هذا الاسبوع او الذي يليه، ونتوقع ان لا يقل عددهم عن سبعة او ثمانية مستشارا، وبذلك تصل المناصب الدستورية بالحكومة الى حوالي ثمانين منصبا اضافة الى منصب رئاسة الجمهورية ونائبه الاول والنائب وكبير مساعدي الرئيس ان اعيد تعيين السيد مني اركو مناوي في هذا المنصب ، ومساعد رئيس الجمهورية الذي كان يشغله الدكتور نافع ونظن انه سيتجدد له تلقائيا، وهذا التشكيل المترهل لا يشكل إلتفافا على مبدأ الحكم الاتحادي فحسب، بل يشكل اجهاضا له فيجعل منه هيكلا فارغا بلا اي مضمون، اذ ان فحوى الحكم الاتحادي الحقيقي «الفيدرالي» هو ان تختص الحكومة الاتحادية بالسلطات السيادية والتمثيل الخارجي، وتؤول بقية الصلاحيات للحكومات الولائية والوحدات الادارية الأدنى، وهذا يقتضي بالضرورة تقليص الوزارات الاتحادية الى الحد الادنى، وهي الوزارات السيادية وذات التمثيل الخارجي والهيئات والمؤسسات والاجهزة التي تدخل في هذا الشأن ، على العكس تماما من هذا الترهل الكبير الذي جاء في هذا التشكيل، ونظن ان طبيعة حزب المؤتمر الوطني الذي انشأته السلطة ووفرت له العناية والرعاية واسباب الاستمرار في كنفها، هي التي اقتضت بالضرورة هذا التوسع المترهل في المناصب الدستورية، خاصة اذا اضيفت اليها المناصب الدستورية في الولايات المختلفة، اذ ان الاستقطاب لهذا الحزب يتم عبر الوعود بالاستيزار للنخب القبلية والفئوية وذوي الطموح غير المسنود غالبا بالمؤهلات والخبرات، باعتبار استقطابهم يعني بالضرورة استقطاب قبائلهم والفئات التي يمثلونها لهذا الحزب. أما اذا نظرت أنا الى هذا التشكيل من زاوية اقليمية بإعتباري مواطنا سودانيا من اقليم دارفور، فإنى اجد فيه شيئا من الرضا ، إذ انه ضم خمسة وزراء اتحاديين من بين الوزارات الاتحادية الخمس وثلاثين وزارة، من بينها وزارة سيادية هي وزارة العدل التي شغلها في هذا التشكيل، السيد محمد بشارة دوسة ووزارة المالية التي شغلها علي محمود عبدالرسول، اضافة الى ثلاث وزارات اخرى هي وزارات التربية والتعليم العام التي شغلها السيد فرح مصطفى عبدالله، ووزارة الآثار والسياحة والحياة البرية التي شغلها الدكتور احمد بابكر، ووزارة الشؤون البرلمانية التي شغلتها السيدة حليمة حسب الله النعيم اضافة الى عدد من وزراء الدولة، وهذه النسبة من المناصب الدستورية لمواطني دارفور، لم تزد عليها نسبة اخرى لهم حتى حين كانت الانقاذ موحدة والدكتور علي الحاج ، كان احد صانعي القرار الأساسيين في هذا النظام، وكان السيد محمد الامين خليفة وزيرا لوزارة شؤون مجلس الوزراء والمهندس آدم الطاهر حمدون وزيرا للتجارة الخارجية ونجد في هذا الوضع شيئا من الذكاء السياسي الذي يتجاوز النظرة الامنية القابضة وقصيرة الامد التي يمتاز بها الدكتور نافع، وإن كنت لا استطيع ان اصف هذا الذكاء بانه حميد، إذ أرى فيه الجانب التكتيكي في اطار الصراع الدائر بين الجانب الحكومي وحركة العدل والمساواة ، اذ يستطيع الوفد المفاوض الحكومي، ان يقول ان نسبة دارفور الآن في الحكومة المركزية تقارب الخمسة عشر في المائة، وان اثنين من وزرائها الاتحاديين هما من نفس القبيلة التي ينتمى لها الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة المساواة ، هذا من جانب إلا اننا نقول في اختيار السيد علي محمود لوزارة المالية والاقتصاد هو اختيار موفق اذ ان الرجل يحظى باحترام اهل دارفور حتى المعارضين منهم، وقد اثبت جدارة وكفاءة في كل المناصب التي شغلها من قبل وكان آخرها والي ولاية جنوب دارفور، وهي المرة الاولى في التاريخ السياسي لهذه البلاد يتولى فيها وزير من دارفور هذه الوزارة، ومن العجائب الغريبة ان الدكتور موسى محمد كرامة وهو من أكفأ الاقتصاديين والاداريين الذين عرفتهم في حياتي، كان قد رشح وزير دولة بهذه الوزارة ابان وحدة الانقاذ بوحدة الحركة الاسلامية ووجود الدكتور علي الحاج في مطبخ صنع القرار، الا ان وزير المالية في ذلك الحين أعلن انه لن يدخل هذا الشخص كوزير في هذه الوزارة ما دام هو على رأسها ، ولم يحاسب ذلك الوزير سياسيا او تنظيميا مع انه والدكتور كرامة ينتميان الى الحركة الاسلامية!! وكلمة اخيرة بشأن وزير العدل والنائب العام الجديد السيد محمد بشارة دوسة، فقد حظي هذا الرجل باحترام الجميع من خلال تجربته رئيسا لمجلس الاحزاب اذ انه عرف موجبات هذا المنصب فأعطاه حقه وملأه بجدارة اكسبته ثقة الجميع واحترامهم، ونتوقع له ذات النجاح في منصبه الجديد، اما صديقي القديم الدكتور احمد بابكر نهار فقد حقق نجاحا مقدرا حين كان وزيرا للتربية والتعليم، ونجاحا مثله في وزارة البيئة والتنمية العمرانية ونتمنى له النجاح في منصبه الجديد.