من المعروف أن الإنتاج بجميع أنواعه يحتاج إلى مقومات وشروط خاصة، وتهيئة تناسب نوع العمل الجارى، فالشروط المطلوبة فى مصنع الاسمنت قد لا تكون مهمة فى مصنع البسكويت، والمخاطر التى تهدد عمال المناجم تختلف كثيراً عما يتعرض له العمال فى مصانع العطور. ولذلك نجد أن أصحاب المصانع يلجأون إلى شركات متخصصة فى تصميم وبناء المصانع، حيث يراعى التصميم المساحات المخصصة لخطوط الإنتاج والتعبئة وتخزين المواد الخام وتخزين المواد المصنّعة والممرات والمداخل والمخارج للشحن والتفريغ ومواقف السيارات والشاحنات ومكاتب الموظفين وغرف ملابس العمال والحمامات وغرف الصيانة، وهو ما يسمى هندسياً بتوظيف المساحات modulation of dimension.. ولا شك أننا قد لاحظنا فى كثير من الأحيان ضيق الممرات والابواب فى مصانع الأثاثات، وربما يجرى العمل بهذه الطريقة الصعبة لعدة سنوات يجد فيها العاملون ما لا يمكن إغفاله من الضيق والعنت أثناء حملهم للألواح الخشبية والمعدنية الكبيرة حيث تظهر عندهم آلام الظهر والرقبة والغضروف والعضلات، وهى ما تعرف بالأمراض المهنية المزمنة، وربما لفت نظرنا فى مصانع الحديد والصلب ضيق الصالات العملية وسقوفها المنخفضة وصغر مساحات النوافذ، والمردود الطبيعى لذلك هو تزايد أمراض الجهاز التنفسى من ربو وتليف فى الرئتين بسبب سوء التهوية، أو أمراض العيون بسبب ضعف الإضاءة الطبيعية النهارية وهو ما يعرف هندسياً بالتوازن بين الإضاءة الطبيعية والصناعية، أو بسبب الإشعاعات الضارة المنبعثة من ماكينات اللحام. وربما لا حظنا الأرضيات الزلقة التى يمشى عليها العمال فى مصانع المواد الغذائية والزيوت والصابون، حيث يشكل سوء اختيار نوع البلاط والسيراميك مصدراً معتبراً من مصادر الأخطار، فالإنزلاق والسقوط ربما يؤدى إلى عاهة مستديمة أو شلل للمصاب، وفى بعض الأحيان يموت المصاب متأثراً بجراحه، ويمكننا أن نتصور فداحة المصيبة إذا كان المصنع المعني لا يوفر للعاملين تأميناً صحياً ولا ضماناً اجتماعياً. فالتصميم يجب أن يراعي التهوية الصحية بتوفير ارتفاعات للسقوف محسوبة بدقة، بالإضافة إلى أجهزة لسحب الهواء الملوث، وأجهزة التكييف التى توضع بعناية، وبعد حسابات دقيقة للأحجام وأنظمة العزل الحراري وكمية العمال داخل الصالة المعنية، ودرجة الحرارة والرطوبة، وكمية الغبار العالق فى الهواء، وسرعة سريان الهواء، بل أن بعض الحسابات الدقيقة فى بعض الدول المتقدمة تحرص على وضع تقديرات لحساب كمية العرق الذي يفرزه الشخص الواحد والطاقة الحرارية التى تنبعث من تنفسه وحركته داخل الصالة. والتصميم لا بد أن يراعى الأرضيات والجدران وصلابتها وقوة تحملها للاهتزازات الناتجة عن الماكينات، وأنواع العزل الصوتي المناسبة لامتصاص وتقليل الضجيج، كما لا بد أن يراعى شروط الوقاية من الحرائق، فالمبانى لها أبعاد محسوبة، وتفصل بينها مسافات تقي من مغبة انتقال الحريق من مبنى إلى آخر، كما أن وضع المولدات ومستودعات الوقود وخزانات المياه والسوائل والكيماويات، كلها يجب أن تخضع لدراسة تتناول كل الاحتمالات، بحيث لا تشكل عائقاً ولا تمثل مصدراً للخطر. ومن هذا العرض الموجز نفهم أن التصميم المدروس للمصانع ومواقع العمل المختلفة يوفر علينا الكثير من الوقت والمال، بحيث تُمنح الأولوية دائماً للموارد البشرية، فالإنسان السليم المعافى أكثر إنتاجاً من الإنسان المريض المعلول، بينما نجد أن تدني مستوى الظروف العملية يجعل العامل يفقد الكثير من فاعليته وجودة أدائه، فالشعور بالإجحاف والظلم يُولّد سلبية بائنة وانتقاصاً ملحوظاً فى كمية ونوعية الانتاج.