رغم الشرط المتشدد الذي وضعه الشريكان في قانون الانتخابات للترشح لرئاسة الجمهورية، وهو تزكية 15 ألف ناخب مسجل من 18 ولاية استطاع 13 مرشحاً أن يحققوا ذلك الشرط بحلول اليوم الأخير (الخميس 27/1) من فترة الترشيح ويؤكدوا على استمرارهم في العملية الانتخابية وهم: المشير عمر حسن البشير (المؤتمر الوطني)، الأستاذ ياسر سعيد عرمان (الحركة الشعبية)، الإمام الصادق المهدي (الأمة القومي)، الأستاذ عبد الله دينق نيال (المؤتمر الشعبي)، الدكتورة فاطمة عبد المحمود (الاتحاد الاشتراكي)، السيد مبارك عبد الله الفاضل (الأمة الإصلاح والتجديد)، الأستاذ حاتم السر (الاتحادي الديمقراطي)، الأستاذ محمود أحمد جحا (مستقل)، العميد (م) عبد العزيز خالد (التحالف الوطني السوداني)، الدكتور كامل الطيب إدريس (مستقل)، الأستاذ محمد إبراهيم نقد (الحزب الشيوعي)، الدكتور عبد الله علي إبراهيم (مستقل)، الأستاذ منير شيخ الدين (القومي الديمقراطي الجديد)، بالإضافة إلى الأستاذ محمد الحسن الصوفي (الإصلاح الوطني) الذي سحب ترشيحه رغم اعتماد المفوضية له بحجة أن حزبه لم يمد له يد المساعدة في جمع التزكيات المطلوبة وأشهد بأنه رجل عاقل حسبها جيداً! وليت بعض المرشحين الآخرين من ذوي الحظوظ المتواضعة يقتدون به! ومهما يقال حول بيئة الانتخابات الحالية غير المواتية وعدم جاهزية الأحزاب لخوضها بالكفاءة المطلوبة وظروف البلاد المضطربة وسيطرة المؤتمر الوطني على مقاليد الدولة في الشمال وسيطرة الحركة الشعبية في الجنوب وكلاهما غير مؤتمن على حرية الانتخابات ونزاهتها، إلا أن المرحلة التي تمر بها البلاد جد خطيرة وتستدعي تكاتف الجهود الوطنية لإخراجها من المأزق الذي تدحرجت إليه، ويتطلب ذلك التفويض الشعبي الحر لمن يتولى مسؤولية الحكم والمشاركة الواسعة في صنع قرارات المستقبل المصيرية. والقانون الانتخابي الذي تجري على أساسه الانتخابات هو أفضل قانون في تاريخ البلاد لأنه جمع بين المنافسة الجغرافية وبين نظام التمثيل النسبي، وأعطى المرأة تمثيلاً مقدراً، وجعل انتخاب الوالي بتصويت كل الناخبين في الولاية، ووضع إدارة الانتخابات خارج أجهزة الدولة الرسمية (كل الانتخابات الديمقراطية السابقة نظمتها الحكومة الحزبية القائمة) وإن لم تأتِ المفوضية ولجانها الانتخابية العليا في الولايات بدرجة الحيدة والإستقلالية المطلوبة، وأعطى القانون مساحة واسعة لمراقبة عملية الاقتراع وفرز الأصوات في كل مركز انتخابي مما يصعب عملية التزوير بدرجة مؤثرة على مجمل النتائج. والسؤال الهام هو: ما هي حظوظ المتسابقين لسدة رئاسة الجمهورية في هذه الانتخابات؟ من الصعب التكهن الدقيق باتجاهات الناخبين لأن البلد انقطعت عن الممارسة الديمقراطية لأكثر من عشرين سنة، ولأن المؤشرات تقول بأن هناك نسبة قد تزيد عن الخمسين في المئة من الناخبين ليست لها توجهات سياسية واضحة بل إن معظمهم يقف موقفاً سلبياً من المشاركة السياسية في حدها الأدنى. ومع ذلك نحاول استقراء المؤشرات المتاحة لنقيس حظوظ المرشحين لرئاسة الجمهورية كما تبدو لنا بصورة أولية (ششنة). أضع المتسابقين الكبار للرئاسة حسب حجم الأصوات المتوقعة لكل منهم بالترتيب التالي: المشير عمر حسن البشير، فالإمام الصادق المهدي، فالأستاذ ياسر عرمان، فالأستاذ حاتم السر، وإذا لم يحدث تطور مفاجئ فإن الانتخابات الرئاسية ستحتاج إلى جولة ثانية لأن الرئيس البشير لن يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلوبة (50+1) من الجولة الأولى وعليه ستعاد الانتخابات بين الاثنين اللذين حصلا على أكثر الأصوات. وأتوقع أن يكونا البشير والصادق المهدي ولكني لا أستبعد أن يفعلها ياسر عرمان ويتفوق على المهدي بكسبه في الجنوب. ستكون المنافسة الثانية أكثر سخونة وألقاً إذا وقعت بين البشير والمهدي لأن فرصتيهما تكادان تكونان متقاربتين وسيرجح موقف الحركة الشعبية الانتخابي الفائز من الإثنين. وقد ينسحب مبارك الفاضل لمصلحة الصادق المهدي من الجولة الأولى حتى يعزز موقفه ليأتي في المرتبة الثانية في السباق، وسيستجيب المهدي لرغبة مبارك بتوحيد الحزب دون شروط متعسفة. وليضمن المهدي الموقع الثاني في المنافسة عليه أن يكسب كل المنشقين عن الحزب خاصة جماعة التيار العام التي تتمتع بتأييد مقدر في جنوب دارفور ثاني ولايات السودان من حيث عدد الناخبين المسجلين. أما إذا استطاع المؤتمر الوطني أن يعقد صفقة مع الحركة الشعبية لتسحب مرشحها (ياسر عرمان) لمصلحة البشير فسيكون الفوز نصيبه من الجولة الأولى، ولكن هدية الوطني التي قدمها للحركة بعدم منافسته سلفاكير لرئاسة حكومة الجنوب لا تبدو مقنعة فالمؤتمر لا يملك مقومات المنافسة لسلفاكير في الجنوب، فقد انقضى ذلك العهد الذي كان فيه المؤتمر الوطني يصول ويجول في الجنوب كما يشاء. وسارعت العناصر المشاكسة للوطني في الحركة بقولها إن المؤتمر ليس لديه من يرشحه ضد سلفا حتى يتنازل عن المنافسة وأن مرشحه الحقيقي هو الدكتور لام كول، وهذا يعني أن على المؤتمر الوطني أن يترك «الاستهبال» ويقدم صفقة جادة إذا أراد كسب الحركة إلى جانبه مثل زيادة مقاعد الجنوب وجنوب كردفان وترسيم حدود أبيى. ولا أحبذ أن يفعل المؤتمر الوطني ذلك لأن زيادة المقاعد لأية منطقة تحتاج إلى تعديل في قانون الانتخابات وسيفتح ذلك شهية المناطق الأخرى التى طعنت في دقة التعداد في دارفور والشرق وجنوب كردفان. وماذا لو لم يفز البشير في الجولة الأولى بل وماذا لو لم يفز في الأولى والثانية؟ فقد ظل في الحكم فترة طويلة أعطى فيها كل ما عنده من الحسنات والسيئات وتساوي فترته كل فترة الحكمين العسكريين السابقين (عبود والنميري) وتساوي مرتين قدر فترات الحكم الديمقراطي الثلاث مجتمعة، ألا يكفيه ذلك؟ إذا حدثت جولة ثانية (بين البشير والمهدي أو بين البشير وعرمان) سيكون موقف أحزاب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي والشيوعي مؤثرة في نتيجة تلك الجولة، ولا شك أن الشعبي والشيوعي سيقفان ضد البشير، أما الاتحادي الديمقراطي فسيكون أقرب للبشير إلا إذا كانت معاملة الوطني له أثناء الانتخابات لم تكن كريمة بدرجة تحفظ للحزب كرامته السياسية ولمولانا الميرغني رئيس الحزب ماء وجهه أمام جماهير حزبه! خلاصة القول إن المعركة الانتخابية الرئاسية تعتبر مفتوحة إلى حدٍ ما بين المرشحين الثلاثة الذين نعتبرهم أكثر حظاً من غيرهم في كسب أصوات الناخبين، ونرجو أن تكون معركة نظيفة وحرة ونزيهة تؤسس لوضع ديمقراطي مستقر في البلاد التي عانت من الحروب وعدم الاستقرار والديكتاتورية سنوات طويلة. ونرجو أن نواصل الحديث في حلقة لاحقة عن من هو المرشح المفضل في نظرنا ليتولى رئاسة البلاد في الفترة القادمة، ومن هو الذي يقدم برنامجاً جاداً لمعالجة مشكلات البلاد الكبيرة؟