هزتني صورته وهو يخضع لتلقي العلاج قبيل وفاته بأيام...كانت نظراته تتجول في فراغات تلك الغرفة التي يتمدد فيها جسده النحيل...قبل أن تنساب دمعة من عينيه وتسقط على جلبابه الانيق..فتتمدد على ثنايا خيوطه وترسم لوحة تضج بالألم..يحاول برفق أن يداري تلك الدموع ويرسم ابتسامة حزينة على شفتيه...فالرجل طوال حياته لم ينكسر لأي شخص..ولم تعرف دموعه الانكسار كذلك إلا عند فقده لوالدته التي جمعته بها علاقة صداقة قبل أن تكون علاقة ابن بأمه..تعلو الغرفة صوت طرقات خفيفة..قبل أن يدلف اليها بعض اصدقائه ومعارفه..يسأله احدهم بلهفة: (اها..الليلة كيف.؟)...فيبتسم رغم آلامه ويجيبه بثبات الجبال: (تمام الحمد لله)..رغم أنه لم يكن كذلك. وانا اذ أتحدث عن شخصية مثل تلك..فبكل تأكيد أعنى بها (زيدان ابراهيم)..ذلك الفنان الذي شغل الناس..وضمد مشاعر العشاق..وألهم ألسنة المحبين فصارت تردد اغنيات الحب والطمأنينة والسلام..ذلك الفنان الحقيقي الذي رحل بهدوء..بعد صبر جميل على ابتلاءات المرض وعلى آلام الجسد..رحل (زيدان) وعلى شفتيه ابتسامة قلَ أن ترتسم في ظروف مثل تلك..رحل (فراش القاش)..وتيتمت من بعده أزهار الابداع..اقتطع زيدان تذكرة الرحيل على متن قطار الفجيعة..ولوح بمنديل الوداع لأحبته..الذين بكوه بدموع من دم..وودعوه بمناحات الفقد والجلل والاحزان. ويمر عام كامل على الرحيل المرير..واليوم تعاود صور وذكريات زيدان ابراهيم وتغزو الصحف من جديد..وهي تقف في محطة الذكرى لرحيل ذلك الاسمر النحيل صاحب الصوت الاستثنائي والبصمة الفنية التي لا تتكرر..وبعد عام على رحيله..نقف نحن اليوم لنترحم على روحه وندعو له بالمغفرة والرحمة..ونسأل الله أن يسكنه فسيح جناته.. الا رحم الله زيدان ابراهيم بقدر ما اسعد هذا الشعب ورسم البسمة على شفاهه. جدعة: لعل آخر ما تبقى من رائحة زيدان ابراهيم لدينا هي تلك الاغنيات التي تركها لنا..والتي يجب أن نحافظ عليها بعيداً عن متناول بعض (صبية الغناء)، والذين لا قبل لهم بأدائها..ومسؤولية هذا الامر ينبغي أن تتولاها الجهات الثقافية والابداعية في هذا البلاد..واتحاد المهن الموسيقية على وجه الخصوص..فنحن يمكن أن نصبر على قضاء الله برحيل زيدان..ولكننا لن نصبر على من يشوهون اغنياته ولن نرحمهم على الاطلاق. لسعة: تمنيت من كل قلبي أن تجد الذكرى الاولى لرحيل زيدان الاهتمام الذي ينبغي أن تكون عليه..وذلك لما قدمه ذلك الرجل من فن حقيقي واغنيات غير قابلة للذوبان والتلاشي..لكنني تفاجأت بالوفاء (يتجزأ)..في وقت يفترض فيه أن (يتوحد) لتاريخ ذلك الانسان..وعموماً شكراً لكل الجهات التي اختارت أن تقف في ذكرى زيدان الاولى..وشكراً مذهباً للاستاذ داؤود مصطفى الذي كتب عن زيدان فأوفى وكفى. شربكة اخيرة: زيدان ابراهيم...الدمعة في الرملة...ما بتحكي شوقك كيف؟؟