بعد انقلاب 30 يونيو 1989، تعرضت المرأة السودانية لإذلال ممنهج، من قبل الجبهة الإسلامية التي سعت لتقليص دور النساء وأصدرت القوانين التي تحول دون حصولهن على بعض الوظائف العليا. "فخورة بأن أكون امرأة سودانية، مقاومتنا كانت أكبر من جهودهم لقمعنا". "كنا حاضرات في كل مكان، في الشارع وفي السجن، فقدنا زميلات، وهذا ليس بالأمر الجديد بالنسبة إلى السودانيات، الحكومة لم تنجح في سحقنا أو سحق قدرتنا على النضال من أجل التغيير والحرية". بهذه الثقة والوضوح تكلمت سارة عبدالجليل، نقيبة الأطباء السودانيين في بريطانيا والمتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين، عن الدور الذي لعبته النساء في الاحتجاجات التي انتهت بإزاحة عمر البشير عن الحكم. وتشاء الأقدار أن تتحول صورة شابة سودانية إلى أيقونة للثورة، ومن بين مئات الصور ومقاطع الفيديو التي كان يتم بثها يوميا، تبرز صورة شابة ترتدي ثوبا تقليديّا أبيض، مع إكسسوارات، وتسريحة شعر بسيطة كلاسيكية، تشبه سودانيات الستينيات، قيادية، زيّنت وجنتها بألوان عَلم الاستقلال. دون تخطيط مسبق، وبعفوية، استطاعت "عروس السودان" -كما أطلق عليها البعض- أن تجذب المتابعين للاحتجاجات، منتصبة بين الجموع، تبث الحماسة فيهم، مرددة "شعبي يريد الثورة". لم يبقَ اسم الشابة السودانية، المتشحة بالبياض، مجهولا لفترة طيلة، اختارت أن تفصح عن هويتها، اسمها آلاء صلاح، وعمرها 22 عاما، تدرس الهندسة في جامعة السودان الدولية بالعاصمة الخرطوم، كما أكدت عبر رسالة في "واتساب"، في أول ظهور إعلامي لها. صدحت آلاء بأبيات شعريّة للشاعر أزهري محمد علي، رسالة وداع، خطها ثائر لأمه، يبدأها معتذراً عن عدم وفائه بعهد قطعه، تجنب الحديث في السياسة، في زمن حكم العسكر. يستلهم الشاعر أحد ملوك مملكة كوش وال"الكنداكة"، لقب الملكات الحاكمات في الحضارة النوبيّة. وكأننا بآلاء تقدم المرأة السودانية بوصفها وريثة القيادة الشرعية لجدات حكمن منذ آلاف السنين. تعدد القصيدة أسماء شهداء الحراك السوداني، خاصة شهداء 2013، وتذكرنا بأن الموت هو الوقوف على الحياد، والصمت على الظلم والفساد، وأن السجن الذي يهدد به النظام، إنما هو شرف وعزّ، فهو عقاب لا تشوبه شبهة السرقة ولا الخيانة: يا والدة أعفيلي وعدي القطعتو معاك إنو الكلام ممنوع في شلة الحكام يا والدة دمي بفور لما البلد تغلي لما العساكر ديل جايبين تفاهاتم سجنونا باسم الدين حرقونا باسم الدين حقرونا باسم الدين قال المناضل يوم الطلقة ما بتحرق بيحرق سكات.. الزول بيحرق سكات.. الزول وتستمر النساء السودانيات في نضالهن الشجاع، على الخطوط الأمامية، يواجهن الطلقات، ويتعرضن للغاز المسيل للدموع، رافعات شعار "اقتلني.. لا تنتهك حريتي". مشاركة النساء في صنع التغيير في السودان ليست بالأمر الجديد، فقد شهدت الفترة بين عامي 1825 و1885، وهي سنوات ثورة المهدي ضد الحكم المصري- التركي، مشاركة نسائية فعّالة. ولَئِنْ كان اسم الشاعرة مهيرة مجهولا بالنسبة إلى الكثير من العرب، فهو يعني الكثير بالنسبة إلى السودانيين، لقد كانت في طليعة المشجعين في شمال السودان للوقوف ضد الجيش التركي ومحاربته، من خلال قصائدها التي استخدمتها لبث الحماسة بين قادة قبيلتها ورجالها، من أجل الاستمرار في النضال لدحر العدو. وفي فترة الاستعمار الإنجليزي للسودان (1898 – 1956) حملت ماندي أجبنا في جبال النوبة رأس أبيها -وهو ملك أَعدمته قوات الاستعمار- أيامًا، أقنعت ماندي خلالها 17 ملكا لتوحيد قواهم ومحاربة الإنكليز، حماية لأراضيهم وتحرير شعوبهم. وبعد الاستقلال عملت النساء من أجل التغيير الاجتماعي، وناضلن من أجل حقوقهن؛ حيث قادت فاطمة أحمد إبراهيم -رئيسة الاتحاد النسائي السوداني- التظاهرات ضد نظام إبراهيم عبود العسكري، في ثورة أكتوبر 1964. وكانت فاطمة والاتحاد من الأسباب الرئيسة وراء نجاح ثورة السودان الأولى كدولة مستقلة. حشد الاتحاد النسائي السوداني النساء وحولهن إلى قوة ضاغطة، تشعل الاحتجاجات وتنزل إلى الشوارع بأعداد هائلة. وبعد الثورة أصبحت فاطمة أول امرأة سودانية تنتخب عضوة في البرلمان، ومن موقعها حاربت من أجل النساء اللاتي شاركن في الثورة. وبحلول عام 1969 حصلت النساء على حقوقهن في المشاركة السياسية والمساواة في التعليم والعمل والأجور. وفي أبريل 1985 اندلعت ثورة ضد نظام جعفر نميري العسكري (1985-1969) وكانت النساء قد اكتسبت المزيد من الحقوق حينها، وعملن وزيرات ومحاميات وطبيبات ومعلمات. أثناء الثورة الثانية، كانت مشاركة النساء في الأحزاب السياسية ملحوظة، وكن عضوات نشيطات في النقابات المهنية واتحادات العمال التي قادت الاحتجاجات والإضرابات حتى سقوط النظام. بعد انقلاب 30 يونيو 1989، تعرضت المرأة السودانية لإذلال ممنهج، من قبل الجبهة الإسلامية التي سعت لتقليص دور النساء وأصدرت القوانين التي تحول دون حصولهن على بعض الوظائف العليا، وتم تقليص وجود العنصر النسائي في كليات الهندسة والطب. ولم تكتف السلطات بذلك، بل مارست إذلالا متعمدا تجاه النساء، ليتعرضن للفصل من العمل والتشريد والمضايقات والتدخل السافر في شؤون ملبسهن وكل تحركاتهن. دفعت المرأة السودانية، التي اختارت مواجهة القوانين الجائرة، ثمن ذلك أحكاما بالسجن، وهناك سودانيات تعرضن للجلد، ولحقت أسرهنّ الإساءةُ.