زملاؤك بالقضارف يذكرون أنك طلبت الامتحان من السنة الأولى للسنة الثالثة مباشرة في المرحلة المتوسطة ؟ (يضحك).. نعم هذا صحيح، ولكن هنالك معلم لا اذكر اسمه كان له موقف متشدد ضد رغبتي بالرغم من موافقة عدد من المعلمين.. وأذكر من الطرائف أنني جلست مع طلاب السنة الثانية وأنا طالب في السنة الأولى لامتحان اللغة العربية للأستاذ علي الأزرق وعقب تصحيح الامتحان وقف أستاذي علي الأزرق وبدأ حديثه ببيت الشعر المعروف ((شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا )) وكانت المفاجأة أنني أحرزت الدرجة الكاملة في المادة، ولكن رغم ذلك واصلت في دراستي بالتدرج المعهود من الصف الأول إلى الثاني إلى الثالث وامتحنت للشهادة الثانوية وكنت الأول على دفعتي طوال سنين دراستي بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة. امتحنت ضمن طلاب المساق العلمي ورغم ذلك دخلت كلية القانون بجامعة الخرطوم فما هي الأسباب؟ دعني أقول لك أولاً إنني لم أكن راغباً في الدراسة الثانوية بالقضارف، وكنت أرغب في خوض تجربة جديدة في الاعتماد على النفس وإثبات شخصيتي، ورغبتي في الدراسة بمدرسة حنتوب الثانوية ولكن ربما لسوء أو لحسن الحظ فقد صدر في ذلك الوقت قرار من حكومة النميري فيما يخص الحكم اللامركزي وتوزيع الطلاب جغرافياً، فوجدت أنه لا بديل لي غير مدرسة كسلا الثانوية فتم قبولي فيها في العام 1976م ولقد كانت تجربة راسخة في الذهن في سكن الداخليات وكنت رئيساً لداخلية طلاب القضارف وكنا جميعاً طلاب مدينة القضارف ومدينة دوكة وعصار وغيرها من قرى القضارف نتشارك في السكن، وأما عن جلوسي ضمن طلاب المساق العلمي بالرغم من رغبتي في دراسة القانون فقد كان بإقناع من زميل لي اسمه طه من أبناء الحاج عبدالله حيث ذكر لي أن المساق العلمي لن يمنعني من التقديم لكلية القانون. لماذا كنت مصراً على دخول كلية القانون بالرغم من قبولك بكلية الطب بجامعة الخرطوم؟ أنا كنت أول دفعتي أيضاً بالمرحلة الثانوية، ومعروف أن السودانيين يرغبون في دراسة الطب، ولكن كانت بداخلي رغبة وتوجه لدراسة القانون وربما يعود ذلك لتأثري بالأخ يحيى أبوبكر مالك وهو من أبناء القضارف ويعمل حالياً محاضراً بالجامعات النيجيرية، وكان يسبقني بعام في الدراسة في المرحلتين المتوسطة والثانوية، فدخلت كلية القانون في العام 1979م وكنت متفرغاً تماماً للدراسة، وبعيداً عن أي نشاطات بالجامعة وهذا مكنني من نيل المرتبة الأولى في الكلية ومن الطرائف أن زميلي حسن الشيخ من أبناء الجزيرة كان دائماً يقول لي " في زول بفضل القانون على الطب يا إدريس ياخ أديني أوراقك دي أقدم بيها أنا". ورد في سيرتك الذاتية عقب إعلان تكليفكم بوزارة العدل أنك عملت بالخارج منذ تخرجك ؟ صراحة هنالك بعض المعلومات غير مكتملة وردت في سيرتي الذاتية، فأنا تخرجت في سبتمبر 1983م وبعد خمسة أيام من تخرجي التحقت بمكتب مولانا مجذوب علي حسيب وكان نائباً لرئيس القضاء آنذاك، وقصة التحاقي بمكتبه جاءت بسبب قدوم الأستاذ المحامي المعروف عادل عبدالغني للجامعة وكان يبحث عن أول الدفعة في ذلك العام، والتقيت به، وقال لي إنهم يملكون مكتب محاماة يخص مولانا مجذوب علي حسيب ويرغبون في انضمامي إليهم.. كانت هذه أول المحطات في مكتب مرموق تعلمت فيه الكثير وانتقلت بعد عام تقريباً إلى مكتب الأستاذ توفيق عبدالمجيد سليمان لورد وكان قاضي استئناف أيام حكومة النميري، وعملت به لفترة عام ونصف وبعد ذلك تقدمت لمعاينات للاتصالات السعودية لوظائف مستشارين قانونيين فتم قبولي مع الآخرين، وخلال وجودي بالمملكة العربية السعودية عملت بمكتب محاماة عالمي يطلق عليه (Clifford Chance) وهو شراكة مع مكتب محاماة للسعودي صلاح الحجيلان في الرياض وعملت به فترة سبع سنوات في كافة القضايا القانونية المختلفة وكانت تجربة ثرة لي استفدت منها كثيراً. حدثنا عن أسرة مولانا إدريس جميل؟ أنا تزوجت من إحدى قريباتي في العام 1986م وهي ابنة الراحل المقدم داؤود محمد إبراهيم الذي عمل بالقوات المسلحة السودانية طوال خمسين عاماً، ولي ستة أبناء ثلاثة أولاد وثلاث بنات أكبرهم المهندس الميكانيكي أحمد وهو متزوج من مدينة رفاعة ومقيم بالدوحة والدكتورة ابتهال خريجة جامعة العلوم الطبية والإعلامي عبدالله خريج جامعة نورث ويسترن الأمريكية درس mass communicationويعمل بإحدى الشركات بقطر وامتنان تدرس صيدلة ومصطفى بالمرحلة الثانوية وهناك الصغرى هيمان. هل ترى شخصية إدريس جميل في أحد أبنائك ؟ تختلف الأزمنة وأساليب الحياة ولكن (أحمد الله) أن أبنائي متفوقون فابتهال مثلاً نالت درجة 97% في امتحانات الشهادة السودانية، وأحمد درس في جامعة كوفنتري البريطانية المعروفة وعبدالله درس الإعلام في جامعة أمريكية معروفة، ونال تخصصاً آخر في العلوم السياسية من جامعة George Town الأمريكية، النبوغ مشترك ولكن أنا كنت أكثر جدية في الدراسة وليس لي اهتمامات أخرى عكس أبنائي.. كيف ذلك؟ نحن في المرحلة المتوسطة كنا ضمن فرقة الكشافة وعلمتنا المسؤولية والاعتماد على النفس، وفي الثانوية كنت قائداً للفرقة 40 في التدريب العسكري (الكديت)، وأذكر أنني كنت قائداً للطابور في عيد العلم بالقضارف الذي شرفه الرئيس الراحل جعفر نميري.. يحتاج شبابنا لمثل هذه الأنشطة لأنها أنشطة تربوية تصقل شخصياتهم وتطورها. صدر لك كتاب بعنوان الحباب ملوك البحر وأهل السادة ولك اهتمامات شعرية دعنا نقف عند هذه الجوانب في شخصية إدريس جميل؟ أنا أكتب الشعر ولدي ديوان غير مطبوع وصراحة في الفترة الأخيرة أصبحت مقلاً في الاهتمام بالشعر ربما للمشغوليات ووالدي شاعر معروف في محيطه السكاني وكان خليفة للطريقة الختمية بمنطقته، أيضاً كتبت مقالات عديدة بصحيفة (الشرق الأوسط) عندما كنت مقيماً بالسعودية وكتبت مقالات أيضاً في الصحف السودانية عندما كنت طالباً بالجامعة وطابع مقالاتي في التاريخ والثقافة واللغة، ولا أكتب كثيراً في السياسة. ما الموضوع الذي تناوله كتابك؟ كتابي الذي صدر في طبعته الثانية أحب أن أشير إلى أنه لا يتحدث عن قبيلة الحباب فقط وحتى أن البعض قالوا لي إنك ظلمت الكتاب بهذه التسمية فالكتاب يتحدث عما يسميه الغربيون بدول الحزام الإفريقي وإن كنت أنا قد اسميتها بدول الوشاح الإفريقي لأن مخطط تدرجها يشبه لبس الوشاح لإفريقيا الواقفة على قدميها وترتدي وشاحاً من الخاصرة إلى أعلى الكتف حيث يمتد هذا الوشاح من ممبسا شرق كينيا إلى الصومال وإثيوبيا وإريتريا والسودان وتشاد وجنوب الجزائر وجنوب المغرب وينتهي عند موريتانيا وهو وشاح تصوري يتحدث عن التداخل الثقافي العميق في المذاهب الدينية.. ولعل الملاحظ أن هذه المنطقة أغلب سكانها يستندون إلى مذهب مالك وإن كانت هنالك مذاهب أخرى في بعض أنحاء الصومال يضاف إلى ذلك اشتراكها في الانتماء للطرق الصوفية مثل الطريقة الختمية والجيلانية والقادرية والتجانية وأيضاً هنالك تداخل فني يتمثل في الاستخدام المشترك للربابة باختلاف عدد أوتارها من ذات الوتر الواحد المسمى (أم كيكي) وحتى ذات الأوتار الخمسة في شرق إفريقيا والسودان، وتحدث الكتاب أيضاً عن الهجرة العربية للسودان ما قبل أربعة آلاف عام والمناطق التي دخلوا عبرها.