كثيرون – وأنا منهم – ما كانوا يعرفون اسم عبد العزيز بين اسمي عبد الكريم والكابلي. وكثيرون كذلك لم يكونوا يذكرون اسم عبد الكريم مع الكابلي، إذ كان يكفي اسم الكابلي في التعريف به أو التدليل عليه. أول لقائي بالكابلي كان في ستينات القرن الماضي، كانت "قعدة" عزف فيها على عوده وغنانا فيما غنى أغنية يا زاهية قبل أن يسمعها الناس من عبد العزيز داؤود في الإذاعة ، فالكابلي لم يكن يومئذ قد خرج للغناء في الإذاعة. فمستمعوه كانوا قلة من حوله . فالتقاليد – في ما حكى- لم تسمح له بالخروج العلني كمغن. ثم التقيت بالكابلي في لندن في ستينات القرن الماضي، فقد كنا نفراً في بعثة دراسية في المملكة المتحدة وكانت الخرطوم تبعث لنا بمطرب يشاركنا احتفالنا بيوم الاستقلال، يومها، الاستقلال "جديد لنج" ، يزهو به أهله. اجتمعنا لنسمع الكابلي، بدأ محاضرة لنا بالإنجليزية. لا أذكر موضوعها ولكني الآن أقدر أنه كان الفن. واستمعنا إليه في ضجر فلقد جئناه هرباً من المحاضرات. فإذا به "يفقعنا" بمحاضرة. في لقاءات المطربين بجمهورهم في أربعينات القرن الماضي، كان السمع والشوف، زنقار يغني ويرقص مع العزف، وفي الخمسينات كان إبراهيم عوض يغني ويرقص مع الموسيقى. في الستينات الكابلي في تلك القعدة، كان محتضناً عوده يعزف ويغني وعلى مقعده يسحب نفسه إلى الخلف ويعود فيسحبها إلى الأمام في حركة سريعة وتصاحب عزفه صفارة من فمه أو اششششششششششششش. رأيته يَطْرب لغنائه كما يَطرب الآخرون. وهو يغني فيك يا مروي، مع الإيقاع يهتز و يتمايل كما ترى من الكثيرين من حاضري حفلات الغناء. يشدني لغناء الكابلي التنوع.. في القصيد واللحن وسلامة مخارج اللفظ ، الكلم الرائع يوشيه النغم . "ق" لا تنقلب "غ". غنى أغاني خليل فرح، هاته الأغاني التي يزيدها التقادم ألقاً، منها عزة- أيقونة الغناء السوداني. الكابلي غنى شعره: ناجى المرآة …كلميني يا مراااايا، شكا سهر الليالي وسهد الحنين- بعد النجوم يرعى القمر ويبادل سهره الوفاء…. غنى المساير والشعر الضفاير ودلال الحراير ربات الخفر، غنى الغناء الراقص… سكر سكر، من قلبي عقبالك .. إلخ . في القعدات كان له حضور: سيبو سيبو.. وأنشد من شعر البادية: جيتك بامتثال سيدي المكمل كيفي، إبراهيم… غنى من الثرات: إياك علي الخلاك أبوي دخري…إلخ.. إلى جانب وفرة إنتاجه غنى أغاني الأقدمين: الرشيم الأخضر،غنى من أغاني معاصريه حسن عطية والشفيع وآخرين، فزادهم انتشارا وكسب لهم جمهورا على جمهورهم. غنى الشعر العربي الفصيح لشعراء سودانيين: يا ليلة المولد يا سر الليالي من شعر محمد المهدي مجذوب، وغنى لشعراء عرب: نالت على يدها ما لم تنله يدي… من شعر يزيد بن معاوية. هذه السطور ليست رصدا لغناء الكابلي أو سردا لمسيرته الغنائية، ولكنها تحية له في احتفاليته من مسن كم أطربه ما يغنيه الكابلي، أراد -على البعد- أن يحييه ويتمنى له موفور الصحة . صالح فرح أبو ظبي في 14مارس 2020