عبد المنعم عبد القادر عبدالماجد هناك رجال أشاوس في بلادنا فيهم من صال وجال في الساحة السياسية ومنهم من صال وجال في ردهات المحاكم ودهاليزها ومن ضمن هؤلاء الأشاوس المحامي الضليع الأستاذ محي الدين عووضة الذي شهدت له دهاليز المحاكم صولات وجولات لأكثر من نصف قرن صفاء جوهره ومضاء عزمه وسلامة تفكيره وتقديره وحنكته القانونية شهد له من زملائه الكثير والكثير فكان شجاعاً ومازال في قول كلمة الحق حتى عند سلطان جائر فهو عاشق الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ففي ظل النظام الديمقراطي السابق وقبل وقوع إنقلاب نظام الإنقاذ بشهرين جاء إلى منزله السفير الليبي في الخرطوم قائلا له "إنه قد تم ترشيحك عضواً في لجنة جائزة القذافي لحقوق الإنسان وعليك أن تجهز نفسك للسفر إلي طرابلس بعد ثلاثة أيام" وإندهش سيادته لذلك وعلم أن الأستاذ عبد الله زكريا والذي كان موجوداً وقتها في ليبيا هو الذي رشحه عضواً بهذه اللجنة ولكنه أخطر السفير الليبي بأنه فوجئ بهذا الأمر واعتذر له وقال للسفير لقد اخطرتني متأخراً لكن تحت إلحاح السفير الليبي وافق على السفر إلى طرابلس وهناك عقدت اللجنة اجتماعاتها حيث شارك في هذه الاجتماعات العديد من الوفود العربية والعالمية ومن خلال اجتماعات اللجنة اقترح الاستاذ محي الدين بمنح الجائزة للمناضل الإفريقي "نليسون منديلا" الذي كان سجيناً وقتها ووافق المجتمعون على إقتراح الأستاذ عووضة بمنح جائزة مالية كبرى وبعد انهاء الاجتماعات قام أعضاء الوفود بمقابلة العقيد القذافي وعندما التقي الأستاذ محي الدين عووضة بالطاغية القذافي قال له "لماذا لم تشارك في هذه الاجتماعات؟فأجابه الطاغية "أنا لا أحب أن أؤثر بوجودي لكن الاستاذ عووضة بادره قائلاً له إنك لا تستطيع أن تؤثر علي أنا لا أتاثر بوجودك، فإندهش الطاغية القذافي من ذلك وراح يردد في انفعال "إيش أقول ده" رددها عدة مرات في إندهاش وذهب المحامي محي الدين إلي حاله بعد ان شعر أن حديثه اغضب الطاغية إذ أنه لم يتجرأ أحد بمحادثته بهذه الطريقة الشجاعة.. حدث هذا وسط ذهول أعضاء كل الوفود الذين خشوا ان يبطش الطاغية بالمحامي عووضة وتوجسوا خيفة وعندما ذهب الاستاذ عووضة إلى الفندق جاء إليه بعض المسؤولين بالدولة وقالوا له بالحرف الواحد إن العقيد القذافي طلب منك أن تتأخر إسبوعاً عن السفر فرد عليهم ولماذا والاجتماع انتهى وانني لن أتأخر عن السفر وفي مطار طرابلس كان المحامي عووضة يحمل بعض الخطابات معه كان بعض السودانيين المقيمين في طرابلس سلموه هذه الخطابات ليحملها لأهلهم وذويهم في السودان وطلبت منه السلطات في المطار أن يسلمهم هذه الخطابات لفتحها لكنه رفض بشدة وأصر المسؤول على فتحها فقال له الأستاذ عووضة إذا حاولت أن تنزعها مني فسوف أمزقها أمامك لكن المسؤول الليبي تراجع عن طلبه وسمح له بالسفر بعد أن قال الأستاذ عووضة للمسؤول بأنني جئت مدعواً لحضور اجتماعات لجنة جائزة القذافي.. هذا الموقف الشجاع الذي وقفه الأستاذ محي الدين أمام الطاغية ان دل على شئ إنما يدل على أن حملة القانون لا يهابون الطغاة يقولون كلمة الحق عند سلطان جائر إنهم سلاطين القانون وليسوا سلاطين الحكام وسلطان القانون فوق سلطان الحاكم رغم أنفه لأن القانون يعلو ولا يعلى عليه قانون الحق والعدل والمساواة هو سيد الموقف في كل شئ ولكن بعض الحكام الطغاة يحاولون كسر سلطان القانون وتزويره واستغلاله لصالحهم لا لصالح العدل.. إن الموقف الوطني الذي وقفه الأستاذ عووضة أمام طاغية ليبيا خير برهان على شجاعة وجرأة سيادته وهو يواجه الطاغية بشكيمة وعزيمة في وقت كان الجميع يخاف هذا الطاغية ويخاف بطشه ويهابه لذلك الذين شاهدوا المحامي عووضة وهو يتحدى الطاغية في حديثه معه إنعقدت ألسنتهم بالدهشة وخشوا من أن يبطش الطاغية به مثلما ما بطش بالمئات من المعارضين له ولكن السؤال الذي طرح نفسه ولم يجد المحامي عووضة إجابة عليه حتى اليوم لماذا طلب طاغية ليبيا القذافي لماذا طلب من المحامي عووضة أن يتأخر إسبوعاً عن السفر دون إبداء السبب في ذلك؟ فهل كان الطاغية يدبر أمراً ما أم ماذا كان عازما وهو يطلب من الأستاذ محي الدين أن يتأخر إسبوعاً آخر؟ فالطغاة لا أمان لهم إطلاقاً أفلا يكفي أن حلاوزة الطاغية إغتالوا المذيع الليبي الشهيد محمد مصطفي رمضان الذي كان يعمل مذيعا بإذاعة لندن في بريطانيا وهو خارج من المسجد بعد أداء صلاة الجمعة عام 1980م، اغتالوه في قلب لندن أمام زوجته وهي خارجة معه من المسجد بعد أداء صلاة الجمعة.. وأود أن أشير أن الأستاذ عووضة رافقه في السفر إلى طرابلس أحد أبناء الجنوب الذي قدمت له الدعوة كذلك لحضور هذه الاجتماعات في طرابلس كان ذلك قبل "22"عاماً من الزمان وهاهو الطاغية الذي نسب إليه ما يسمى لجنة جائزة القذافي لحقوق الإنسان حتى يضيف هالة من الإعلان الكبير لهذه اللجنة ليوهم شعوب وحكام العالم إنه حريص على احترام حقوق الإنسان وهو الذي انتهك حقوق الشعب الليبي طيلة "42"عاماً من سنوات الذل والمآسي وهاهو قد فعلها أخيراً دمر وخرب وسفك الدماء وانتهكت كتائبه أعراض النساء حتى لقي الطاغية مصيره المحتوم ودي حكمة الله في آية لكل ظالم نهاية فالتحية للشعب الليبي البطل والتحية لراهب العدالة في محراب العدالة الأستاذ محي الدين عووضة الذي تحدى طاغية ليبيا وتحدى جبروته وسلطانه.