أحد الذين اعتقدوا ذلك الاعتقاد، دبلوماسي يُشهد له بالكفاءة أخبرني أنه لا ينتمي إلى أية جهة، وبأنه وقع في "فخ" هؤلاء المتشككين. ويوضح "بعد دخولي للامتحان واجتياز المعاينات أحبطتني تلك الشائعات تماماً، وجعلتني أبدأ إجراءات السفر إلى إحدى الدول العربية، لكن كانت المفاجأة عندما أخبروني بقبولي في الوزارة". ما بين العام 2013 و العام 2017، بدأ ذات الغبار الكثيف يلاحق المتقدمين لوظائف وزارة الخارجية، والمتوقع إعلان نتائجها قريباً، التسريبات تتحدث عن "كوتات" مُنحت للأحزاب الكبيرة التي شاركت في الحوار الوطني، أبرزها حزب المؤتمر الشعبي "ثلاث فرص"، وأن أمرها بات محسوماً، فيما سارع وزير في الدفاع عن "اثنين" من أبنائه تقدما لهذه الوظائف، فضلاً عن بنتين لوزيرين نافذين. أمس الاثنين اجتهد الأمين العام لمفوضية الاختيار للخدمة المدنية حسن محمد مختار في تبرئة اللجنة من محاباة أبناء الوزراء والمسئولين وتفصيل تلك الوظائف عليهم.. مختار قال إن عدد المتقدمين للخارجية بلغ "4837" خضعوا لثلاث مراحل من الامتحانات "الإلكتروني، التحريري والمقابلات الشخصية"؛ حيث جلس للامتحان الإلكتروني "3749" نجح منهم "2003"، و"824" تمكنوا من الوصول إلى الامتحان التحريري الذي اجتازه "458" فقط، فيما عدد الوظائف المطلوبة "50" وظيفة فقط. في المقابل سعى ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي في عرض نتيجة أحد الكوادر الحزبية الوسيطة، وذلك لخلق رأي عام ضد الراسب وقطع الطريق أمام أية محاولة لاستيعابه بالخارجية أو كما قالوا.. القصة إذاً ما هي قصة امتحانات وزارة الخارجية؟ وهل هي شكلية؟ وكيف "يتسلل" البعض إلى الوزارة دون المرور بها؟. تلك الأسئلة وأخريات طرحتها على محدثي الذي فضَّل حجب هويته، موضحاً بأن تعيين شاغلي الوظائف الدبلوماسية فيما بعد مداخل الخدمة (درجة السكرتير الثالث)، هو من سلطات رئيس الجمهورية، ولا يشترط أن يتم عبر لجنة الاختيار بعد إعلانها في الإعلام، وتكليف مفوضية الاختيار بالإشراف على المنافسة، بالتعاون مع وزارة الخارجية، وكلها أسباب –حسب محدثي - تؤكد بأن الأمر لا يجري بالصورة المتداولة، ويواصل في حديثه ل"السوداني" بأن الوزارة لديها لجنة لإجراء المعاينات بعد اجتياز المتقدم الامتحانات يكون فيها أعضاء اللجنة من السفراء ممن يشهد لهم بالنزاهة والشفافية وتراكم الخبرات. قدسية الامتحانات ويشارك في لجنة المعاينات السفير المخضرم جلال العتباني والذي أبدى امتعاضه في حديثه ل"السوداني" من قصة وجود قوائم تُعد مسبقاً للدخول إلى وزارة الخارجية، وقال إن قدسية امتحانات الخارجية -وإن صاحبتها بعض التغيرات- لكنها ظلت محافظة على شفافيتها؛ حيث كان يُعهد بها إلى معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية بجامعة الخرطوم، ويتولى تصحيحها أساتذة بالجامعة، ومن ثم تبدأ الخطوة الثانية وهي المعاينات للذين اجتازوا الامتحانات، وتتكون لجنة المعاينات من وكيل وزارة الخارجية رئيساً للجنة ومعه سفير إضافة لممثل لجهاز الأمن والمخابرات و"طبيب نفسي". ويشير العتباني إلى أن ملاحظة من الطبيب النفسي قد تُنهي حلم المتقدمين وإن كان من المتفوقين أكاديمياً في الامتحانات التحريرية، ويعتبر العتباني الحديث عن دخول أبناء مسئولين إلى الخارجية أو احتكار عوائل بعينها للسلك الدبلوماسي مجرد تضخيم للموضوع، ويضيف "الأهم لا توجد لائحة أو قانون يُجرِّم هذا الأمر بأن يعين مثلاً أخيه".. ويلفت إلى وجود بعض الأسر مثل أسرة شرفي "أبناء عمومة" أو "التني"، ويُردف "حتى هذا يتم في سنوات متباعدة جداً"، لكن العتباني يعترف بأن "التعيين" موجود ولن ينتهي. ثلاث قوائم سفير -فضل حجب هويته- قال ل"السوداني" إنه ومنذ الاستقلال وحتى العام 1989 كان الامتحان والمعاينة هما المعيار الوحيد المعمول به في اختيار الدبلوماسيين من مدخل الخدمة، وكان لرئيس الدولة نصيب "ضئيل جداً" في تعيين سفراء في سفارات بعينها. لم يكن هناك تعيين في الدرجات "الوسطى" أو ما بين السكرتير الثالث والسفير، وينبه إلى أنه وخلال سنوات الحكم الحزبي "الطائفي" شهد دخول بعض الأشخاص للعمل الدبلوماسي عن طريق "الواسطة" "ولكن هذا كان "محدوداً" ويعد على أصابع اليدين، ولا أثر له على مجمل أداء الوزارة"، محدثي يؤرخ للتعيين خارج الإطر بمجيء "الإنقاذ"، ويشير إلى أن معظم المسئولين في الدولة أدخلوا "أقرباءهم وأصدقاءهم" إلى السلك الدبلوماسي في إطار التعيين الحزبي والانتماء إلى أطراف بعينها، ويؤكد ذات السفير أنه وعلى مدى سنوات "نأى" السفراء بأبنائهم عن دخول وزارة الخارجية رغم أن معظمهم درسوا في مدارس وجامعات غربية وأجادوا اللغات الأوروبية وغيرها إجادة تامة، وذلك حتى لا يسمعوا ما يتم تداوله من حديث هذه الأيام. ويشير إلى حالة واحدة جرت مؤخراً لوكيل الوزارة السابق، وإن كانت ابنته من المتفوقات جداً رغم ذلك وجدت الخطوة وقتها انتقادات، ويؤكد السفير أن التعيين السياسي أدى إلى تدهور "الأداء الدبلوماسي" لأن السفير المعين لا يفيد المهنة ولا السودان ولا يفيد ما دونه من الدبلوماسيين الذين ينبغي أن تتنزل عليهم خبرته في معالجة قضايا الدبلوماسية في كافة مستوياتها، ويضيف "إلا أن أسوأ ما في الأمر هو التعيين الذي يتم في الدرجات الوسيطة". ويشير ذات السفير إلى أنه و في مرحلة لاحقة عاد القائمون على أمر التعيين في الوزارة إلى الامتحانات لكنها كانت امتحانات "صورية" لا قيمة لها وهدفها "إسكات" الأصوات المحتجة وليس رفد الوزارة بعناصر من ذات الكفاءات. لا يوجد ما يمنع السفير الطريفى كرمنو "يؤمن في حديثه ل"السوداني" على موضوع التعيينات التي تتم للكوادر الوسيطة في الوزارة حتى وإن خضعوا لامتحانات، بيد أنه يشير إلى أن الامتحان لمداخل الخدمة ظل يشكل وإلى حد ما كابحاً أمام التعيينات. ويشير إلى أنه لا يوجد ما يمنع تعيين أبناء المسئولين بالوزارة حال اجتازوا الامتحانات التي تضعها وتشرف عليها جامعة الخرطوم ولجنة الاختيار للخدمة العامة، ويلفت إلى أن وزارة الخارجية طلبت مؤخراً ضرورة إجراء امتحان "كتابة" بالإضافة إلى الامتحان الإلكتروني المتعارف عليه، ويشير إلى وجود لجنة لمعاينات يديرها سفراء مشهود لهم بالكفاءاة والنزاهة تضم طبيباً نفسيَّاً وآخرين، وهي المناط أن تقوم بالخطوة المهمة لاختيار المتقدمين إلى وزارة الخارجية، لكنه يشدد على أنه من حق أي سودانيٍّ مستوفٍ للشروط المؤهلة الدخول إلى الوزارة بأن يتقدم، لكنه يؤكد بأن الامتحانات لم تتمكن حتى الآن من الحد من موضوع التعيينات.