تأتي خطوة والي ولاية كسلا، آدم جماع بقفل الحدود في أعقاب ما تناقلته وسائط التواصل الاجتماعي عن وجود حشود ودخول آليات وقوات مصرية في الأراضي الإرترية، إلا أن السلطات السودانية تسعى للتأكيد على أن الخطوة تأتي في سياق إعلان حالة الطوارئ بولاية كسلا والذي بدأ تطبيقه منذ نهاية العام الماضي، وتشير تسريبات صحفية الواردة إلى أن هنالك قوات سودانية تنتشر على طول الحدود بين البلدين، فيما أرسلت القوات الإثيوبية تعزيزات عسكرية قبالة المثلث الحدودي مع إريتريا والسودان والذي تزدهر فيه عمليات تهريب السلع والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والأسلحة بحسب السلطات الأمنية. وكشفت مصادر لقناة الجزيرة القطرية عن وصول تعزيزات عسكرية من مصر، تشمل أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي إلى قاعدة "ساوا" العسكرية في إريتريا. من جهتها حمَّلت أسمرا مسئولية التصعيد لأطراف معارضة داخلية، واعتبرت أن الناشط الإعلامي الإريتري المعارض محمد طه توكل هو المسئول عما حدث في محاولة لتضخيم الوجود الاستخباراتي التدريبي المصري، مرسلة بذلك رسائل تطمين للسودان وحلفائه. وكان النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح قد أنهى في أواخر ديسمبر الماضي زيارة إلى أسمرا استغرقت يومين أجرى خلالها لقاءات مع القيادة الإريترية حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ولم يتم الكشف عن تفاصيل الزيارة التي يرجح مراقبون أن تكون تطرقت لقضايا أمنية وبعثت بتطمينات الجارة الإريترية بشأن التقارب بين الخرطوم وأديس أبابا. ويقول الخبير الاستراتيجي د. الهادي محمد المهدي إن المنطقة تشهد تصعيداً مركَّباً ومعقداً من جهة مصر-إثيوبيا، ومصر-السودان، والسعودية وحلفائها وقطر ومناصريها، فضلاً عن صراع قوى كبرى حول الممر الأكثر حيوية للتجارة العالمية. تصعيد وتهدئة: للخرطوم وأسمرا علاقة تاريخية شهدت في العقدين الماضيين شَدَّاً وجذباً قبل أن يتحولا من مربع العداء المباشر لمصلحة التحالف وتبادل المنافع، إلا أن الاصطفاف الذي أحدثته أزمة الخليج جعلت أسمرا في صف الرياض وحلفائها، بينما اكتفت الخرطوم بحياد لا يُرضي طرفي الأزمة، كما أضفت تعقيدات ملف سد النهضة بين إثيوبيا والسودان ومصر بعداً جديداً لتعقيدات العلاقة في ظل تقارب أسمرا والقاهرة، وبالرغم من تلك التعقيدات إلا أن السودان وإريتريا يدركان جيداً خطورة أي توتر يهدد استقرار المنطقة. السفير السابق للسودان في إريتريا، د. محجوب الباشا يرى أن إريتريا تمثل أهمية استراتيجية للسودان ولأمن البحر الأحمر ككل فيما يمثل السودان ذات الأهمية الاستراتيجية لها باعتبار علاقته معها هِي الأفضل مقارنة بدول الجوار الأخرى -إثيوبيا وجيبوتي- ويضيف الباشا أن أي توتر بين البلدَين يُعتبر أمراً غير جيّد على مستوى العلاقات الاستراتيجية خاصة إن كان التوتر نابعاً من تعقيدات إقليمية. المهتم بالعلاقات السودانية الإريترية أحمد نقاش ينحو إلى أن المنطقة تشهد إعادة تموضع، لا سيما بعد أزمة الخليج وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم، ويشير نقاش إلى أن ظهور قوات وآليات عسكرية مصرية في قاعدة (ساوا) -ليس بعيداً عن الحدود السودانية- يمثل تهديداً للخرطوم خاصة في ظل حالة التوتر الخفي في علاقات الخرطوم والقاهرة، فيما يمتد الأمر أيضاً لحليف الخرطوم الاستراتيجي وغريم أسمرا: إثيوبيا. ويمضي نقاش في تحليله ويشير في مقالٍ منشور بأحد المواقع الإريترية إلى أن المنطقة على شفا تصعيد جديد بعد الرد السوداني المحتسب كان بإغلاق الحدود وحشد قوات عسكرية بجانب التنسيق مع إثيوبيا المتحفزة، والتي على وشك إكمال مشروعها الاستراتيجي -سد النهضة- خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما تردد عن اجتماعات مشتركة بين إريتريا ومصر والإمارات مع المعارضة السودانية والإثيوبية في أسمرا، وهو أمر نَفَته وسخرت منه إريتريا في وسائل إعلامها المحلية. ويبدي نقاش -المعارض لنظام أسمرا- أمله ضمنياً في أن تتعامل الخرطوم مع المعارضة الإريترية في سياق الرد بالمثل في حال لجات أسمرا لدعم الحركات المسلحة المعارضة للخرطوم وتوفير دعم لوجستي لها للتحرك في الشرق. ويحذر أحمد نقاش من تعقيدات الأزمة ويقول: "ينذر التصعيد في المنطقة الذي يستند على أطراف إقليمية مصرية وخليجية بما لا يحمد عقباه". من جهته، يدعو الباشا لضرورة تدارك أي شكل من أشكال التوتر في علاقات البلدين بحكمة القادة لا سيما وأن المنطقة لا تحتمل أي شكل من أشكال التصعيد، ويزيد: "إن كانت إريتريا لديها القدرة على الإضرار بمصالح السودان، فالخرطوم لديها قدرة أكبر وهو ما يمثل توازناً يستدعي حكمةً لمعالجة التوترات الحالية". وليس بعيداً عما سبق، يتوقع الخبير الاستراتيجي، د. الهادي محمد المهدي أن يكون التصعيد بمثابة سير على حدِّ السيف قبل أن يتم تدارك الموقف ونزع فتيل التوتر بعد أن يحقق كل طرف أهدافاً استراتيجية محددة، لافتاً إلى أن محاولة انطلاقة عمل عدائي من أسمرا -بغض النظر عن هويته- سواء نحو أديس أو الخرطوم؛ سيُغرِق المنطقة في تعقيدات لا متناهية، ويردف أيضاً: "إريتريا تدرك ذلك جيداً وتعرف حجم علاقتها بالقاهرة من جهة، وعلاقتها بالخرطوم من جهة أخرى، ولكن تميل المصالح الاستراتيجية".