قبل سنوات كنت حضورا لحفل تأبين شخصية كانت ملء السمع والبصر وصادفت صديقة أستاذة جامعية بعد السلام رمتني بسؤال ما زال عالقا بذاكرتي " هذه المبالغ المصروفة على التأبين أما كان الأجدى إقامة مدرسة تحمل اسمه بقريته بالسودان " قاعة فخمة مزينة بمجسمات بصور المتوفي وملصقات ملونة واعتلى المنصة مثنى وثلاثة من المتحدثين في كامل هندامهم وبثوا فصيح حديثهم عن مناقبه وكان حضورا بالصفوف الأمامية مجموعة من أهله حظوا بتذاكر الطيران والإقامة بالفنادق ولم نغادر القاعة إلا والعمال يفككون كل تلك البهرجة وما لفها من لمحة حزن و" انفض المولد " وليتخيل معي القارئ المدرسة التي حدثتني عنها الصديقة الغريبة وأثرها ومنفعتها المتصلة جيلا بعد جيل . مناسبة المقدمة تداعى بالأمس نفر من الناشطين بوسائل التواصل لشراء سيارة هدية او مساعدة لأسرة طيب الذكر المشير سوار الدهب رئيس حكومة السودان الأسبق والامين العام لمنظمة الدعوة الاسلامية المحلولة وتزامن مع دعوتهم صدور بيان نسب لمدير مكتبه ورئيس العلاقات العامة جاء فيه " المشير سوار الدهب له عدد من السيارات من القصر والجيش والمنظمة واحيانا تكون هناك سيارات هدايا من ملوك وأمراء ….ولكنه رحمه الله كان زاهدا ويفضل ان يترك السيارات وخاصة الجديدة في مرآب منظمة الدعوة الإسلامية تحت تصرف مدير المكتب والعلاقات العامة حتى يستخدمها ضيوف المنظمة … وكانت المنظمة تترك سيارة للمنزل حتى تكون مع الزوجة ولخدمات المنزل الذي يعج عادة بالمحتاجين من جميع أصقاع السودان ….الذي حدث انهم أخذوا سيارة المنزل وهى سيارة قديمة ولا قيمة لها ويوجد في المنزل سيارات اخرى لابنائه وأحفاده " … اولا هؤلاء الذين تنادوا لتقديم هدية او مساندة لهذه الاسرة هم في المقام الأول يهينون هذا الرمز الذي وصل لرتبة رفيعة وخلف سمعة طافت العالم أجمع ولا يشك شخص أنه كانت له من القدرات والامكانيات لإدارة أموره الحياتية والمادية وفق الضرورات فما بال شخص وصل لمركز رئيس للدولة غير عمله بالسلك العسكري ومعارا لبعض دول الخليج وترؤسه لكثير من لجان العمل والمؤتمرات.. الخ فهل شخص بهذا المقام يعجز عن توفير سيارة لاسرته من حر ماله وحسنا استرجعت السيارة طالما كانت من المال العام وفقا للجنة التفكيك .. أما كان الأجدر بهؤلاء الكرماء التنادي لإهداء سيارة أسعاف لإنقاذ حياة الموجوعين والمرضى الكثر أو رصد أموالهم الهدية او الهبة لعمل شفخانة او مدرسة او حتى روضة أطفال بإحدى القرى او النجوع تحمل اسمه وتذكر الأجيال بنهجه وسيرته وأحسب ان طيب الذكر ان كان حيا يرزق لترفع عن قبول هذه السيارة ولقدم لهؤلاء المندفعين العاطفيين درسا بليغا عن فضائل الأعمال وأنفعها للناس ولسيرته العطرة .. ما من شيء عطل وآخر مشروعات التنمية المستدامة وغرس البذور الطيبة لأجل التعليم والصحة ومعاش الغبش إلا عقلية تمجيد الأفراد وتعظيم مقاماتهم وبذل الغالي والرخيص لأجل رفاهيتهم على حساب ضرورات العيش الحاف للمواطن العادي والذي هو أولى به .. ان بذل هؤلاء دريهماتهم أولى بها أسرهم ومعارفهم و كان الأجدر بهم ان يهبوا ويتنادوا لإقامة مدرسة أساس او روضة بدنقلا العجوز موطن أجداد سوار الدهب أو بمسقط رأسه بكردفان وقراها ونجوعها …ان مثل هذه الحملات والتي قصد بها الرد علي لجنة استرداد المال العام والتفكيك والتي طالت منظمة الدعوة الإسلامية هي مشينة لاسم هذه الشخصية الوطنية وضرورات إبراء ذمته وهو بين أيادي العلي القدير وإحراج لأسرته ومناكفة وتشويش لاسترداد المال العام وتوجيهه لوجهته التي تنفع الوطن والمواطن. والله من وراء القصد ..أعيدوا صياغة الرؤى وأرموا الحجارة لبناء الإنسان صحته وتعليمه فهذا هو الأبقى والأنفع . إعلامية وناشطة اجتماعية مقيمة بقطر [email protected]