ما حدث أمس من استخدام مُفرط للقوة تجاه المواكب السلمية – التي تكفلها الوثيقة الدستورية – هو أمرٌ مرفوضٌ تماماً. خرجت المواكب تُنادي بتصحيح مسار الثورة عبر المُطالبة "بتشكيل البرلمان، ومُحاكمة رموز النظام تجاه جرائمهم التي ارتكبوها في حق الشعب السوداني، والمُطالبة بحياة كريمة عبر تحسين معاش الناس". لكن للأسف تكرّر العسف والعُنف تجاه المواكب، في مشهد يُذكِّرنا بتصرفات القوات الأمنية في العهد البائد؛ من قمع الثوار وضربهم واعتقالهم؛ تحت بصر وسمع ومباركة وكلاء النيابة بالميدان. جميلٌ أن يصدر والي الخرطوم أيمن نمر، بياناً يرفض فيه الأحداث التي صاحبت مواكب (جرد الحساب). ووصف القوة التي استخدمت تجاه المواكب بالمُفرطة، التي تجافي نهج عهد الحرية والسلام والعدالة. فالوالي كان قد تعهّد بحماية المواكب وتأمينها حتى تبلغ غاياتها. الوالي قال إنه التقى بالنائب العام تاج السر الحبر، وعدد من وكلاء النيابة المُشرفين على قوات الشرطة المسؤولة عن تأمين المواكب، وقدّموا له تنويراً وذكروا له أنّ إطلاق الغاز المُسيل للدموع تم بناءً على تقديرهم للموقف. أقول لرئيس مجلس الوزراء ووالي الخرطوم المُحترميْن، ماذا تنتظران من نائب عام الثورة؛ الذي يبتعد نهجه تماماً عن مُتطلبات الثورة..؟ نائب عام يطلق سراح طارق سر الختم المطلوب في قضية مُهمّة، حتى يتمكّن من السفر إلى الخارج، ومن ثَمّ يبحث في أمر إعادته للبلاد عبر الإنتربول..!! نائب عام يضرب عرض الحائط بمُطالبات نادي النيابة العامة – الذي كان في قلب الثورة، وقال: لا لقمع الثوار في وجه المخلوع البشير – بإصلاح النيابة حتى تتمكّن من أداء الدور المُتعاظم في الحفاظ على العدالة؛ واستقلاليتها دُون تدخُّلٍ أو تأثيرٍ..!! نائب عام يسعى لتعديل قانون النيابة حتى يُكرِّس لسُلطات مُطلقة له؛ تنتج مؤسسة ضامرة وليس جهازاً مستقلاً، منوط به تحقيق العدالة..!! نائب عام يسعى لتعيين مساعدين للنائب العام من خارج النيابة..!! نائب عام يسعى أن تكون له السلطة المُطلقة في العزل والإحالة للمعاش دُون حجة تُذكر؛ حسب وصف نادي النيابة!! ماذا ننتظر من نائب عام يفعل مثل هذه الأفعال؛ التي لم تحدث في عهد النظام المخلوع؟! على السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، إيقاف هذه التجاوزات التي حدثت في حق المواكب. ومُحاسبة كل الضالعين فيها، فالتأسف على ما حدث فقط لن يكفي. ويجب العمل على أن لا تتكرّر مثل هذه الأفعال. إلى المناضل أيمن نمر، السير في درب النضال من أجل تحقيق غايات الثورة؛ يجب أن لا يُوقفه عباءة الوالي، بل يجب أن تكون العباءة خير مُعينٍ لتعبيد الدرب.. لذلك يجب الإسراع في التحقيقات؛ وإعلانها، وتقديم الضالعين للمُحاسبة الرادعة، فأنت الآن رئيس لجنة أمن الولاية بحكم الموقع. على مدير عام الشرطة الفريق أول عز الدين الشيخ علي، التحقيق الفوري في الانتهاكات التي حدث أمس، فتبريرات البيانات الصحفية الجاهزة لهذه التجاوُزات، لو كانت تنفع؛ لنفعت المدير السابق عادل بشائر، الذي لم يستوعب مُتغيِّرات واقع الثورة، حتى تمّت إقالته عبر مليونية الثوار. عليك بمُتابعة أمر تنفيذ تعليماتك للقادة والجنود، حينما طالبتهم بخدمة الشعب وحمياته، وأن تكون الشرطة مهنية؛ فقط لا غير. نتمنى أن نرى مُعاقبة الضالعين في هذه التجاوزات فوراً. على قوى الحرية والتغيير، أن تتوقّف عن المُشاكسات والخلافات الصبيانية فيما بينها، والتي لا تشبه الثورة ولا روحها ولا تضحيات الشهداء. وعليها الضغط من أجل تشكيل فوري وسريع للبرلمان؛ فهو الجهة الرقابية الوحيدة على مجلسي السيادة والوزراء. وقبل ذلك أن تضغط وتُطالب بإقالة النائب العام الذي يُكبِّل الثورة. فالشوارع لا تنسى.. والتاريخ لا يرحم..!