مدرس تحليل السياسات العامة.جامعة الخرطوم تطرقنا في الجزء الثاني من سلسلة السياسات الاقتصادية الكلية لمحور السياسات المالية ونتطرق فى هذا الجزء لمحور السياسات النقدية Monetary Policies و هو ضلع مهم فى السياسات الكلية و هي معنية بعدة قضايا وغالباً يقوم على تنفيذها وإدارتها البنك المركزي فى كل دولة ولكن بقدر متفاوت من الاستقلالية عن السلطات الأخرى ولكن بتنسيق معها لتحقيق أهداف السياسات الاقتصادية الكلية.وتعمل البنوك المركزية بدرجات متفاوتة من المؤسسية في الدول المختلفة.ففي النظام الامريكي مجلس حكام بنك الاحتياطي الفيدرالي يدير حقا و صدقا و يصدر بياناته عقب كل اجتماع للمجلس. وهو كما سائر مجالس المديرين هنالك (بعكس المجالس الصورية عندنا هنا إلا من القليل مثل مجلس إدارة اتحاد الكرة و أحياناً مجلس إدارة مشروع الجزيرة و قليل آخر) و يدير بدرجة كبيرة من الشفافية و المؤسسية.ويخضع مثل سائر مؤسسات الدولة الأمريكية الأخرى لنظامها الإداري والهيكلي والذي يخضع لنظام راتبي ومكافآت موحدة أعلاه راتب رئيس الجمهورية السنوي والذي يساوي حوالي أربعمائة ألف دولار في العام خاضع للضريبة التصاعدية المباشرة يضاف إليه نثرية سنوية مائة ألف دولار في العام.. مرة واحدة فقط معفاة من الضرائب. وهذا الإعفاء ليس لأحد غيره.ونائبه يتقاضى راتباً سنوياً يساوي مائتين وسبعة عشر ألف دولار في العام ورئيس المحكمة العليا مائتين و أحد عشر ألفاً و كذلك رؤساء مجلسي الكونقرس والوزراء مائتين وسبعة آلاف دولار في العام، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي مائتين وخمسة آلاف دولار وغيرهم من العاملين فى الحكومة أدنى من ذلك ويصدر رئيس الجمهورية ذلك في السابع والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام ولا تغير فيه. يذكر منذ سنوات وعندنا لو تمت المحافظة على القيمة التبادلية للجنيه السوداني كما هي فقط كما كانت في فبراير 1974 عند ما تم تعييني مساعد تدريس بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم وكان راتبي ستين جنيهاً سودانياً تعادل مائتي دولار أمريكي.. تشتري اثني عشر ألف كوب من الشاي السادة بمقهى النشاط بالجامعة… ولو تمت زيادة راتبي دولاراً أمريكياً واحداً في كل شهر لأصبح راتبي الشهري الآن ستمائة اثنين و خمسين دولاراً فى الشهر فتخيل!!! و قارن كم كان سيساوي راتب الأستاذ الآن لو تم تدرجه حسب نسب التضخم الحادث فى البلاد .البنك المركزي معني بعدة أهداف من أهمها المحافظة على نسب التضخم العام بما لا يزيد عن نصف نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.وبذلك يعمل على المحافظة على التغير في نسب عرض النقود بنفس النسب. ومن أهم مسؤولياته أيضاً بناء الاحتياطي من الذهب حتى يحافظ على القيمة التبادلية للعملة الوطنية وقد أوقف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بيع الذهب مقابل النقد عند ما قام الرئيس نيكسون بالغاء قاعدة الذهب فى العام 1973The Gold Standard و من أهم واجبات البنك المركزي إدارة نظام الاستدانة من الجهاز المصرفي في الحدود الآمنة حتى لا تؤدي لاشعال التضخم ..وفي الحدود التي لا تؤدي إلى الانكماش ثم إلى الركود وأخطر ذلك الركود التضخمي المقيم Hyper Stagflation و من أهم واجبات البنوك المركزية هو الرقابة الشفافة المحوسبة لسائرالقطاع المصرفي والتاكيد على اعمال الضوابط الصارمة في إطار الإدارة الكلية للسياسات المالية وحتى لا ينفلت القطاع المصرفي. وتلك الرقابة تتطلب أحياناً التدخل الصارم في الأمر بتصفية بعض البنوك أو تغيير إداراتها أو دمجها والتأكد أن لا تستغل مواردها..وهي غالباً موارد جمهور المودعين.. لمصلحة مجالس إدارتها أو العاملين فيها أو بعض المصالح الاحتكارية .وذلك لا يتأتى إلا بتحقيق قدر عال من الاستقلالية الفنية للبنك المركزي وقيامه بالرقابة الصارمة على القطاع المصرفي والتأكيد على أن تقوم مجالس المديرين بمهامها المنصوص عليها بحزم وفي سائر وحدات النظام المصرفي. وقد أصدر رئيس مجلس إدارة البنك المركزي المصري تنبيهاً وتحذيراً للمصارف ألا تقل اجتماعات مجالس إدارة المصارف عن ثمانية اجتماعات في العام. وحتى تحقق السياسات النقدية المطلوب منها فلا بد أن تعمل على المحافظة على القوة الشرائية للعملة الوطنية والتأكد أن أدنى فئة نقدية لها قوة شرائية وضبط عرض النقود وألا تزيد نسب الفئات الكبيرة من العملة عن ثلاثة إلى خمسة بالمائة من إجمالي النقود المطروحة للتداول.فى عرض النقود الضيق Narrow Money و حتى M1 ا...و حتى M5 المطلوب المهم جداً والذي تعمل كل الدول على بنائه وهو بناء احتياطي من الذهب والعملات الأخرى القابلة للتداول الحر.الصين أكبر منتج للذهب في العالم..حوالي ثلاثمائة خمسة وسبعين طناً في العام وهي في نفس الوقَت أكبر مشتر للذهب وأكبر احتياطي من الذهب لدى البنوك المركزية هو عند الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا و روسيا و فرنسا و انجلترا.والحكومة. السودانية تزعم أن هنالك دول صديقة و شقيقة و هي من دول الفوائض و الاحتياطيات الكبيرة فإذا كانت حقاً كذلك فلا أقل من وديعة بعشرين مليار دولار لعشر سنوات في بنك السودان المركزي… و الا فتلك الأوصاف ضرب من الإنشاء وخداع النفس.. وألا يقوم البنك ببيع الذهب بل بشرائه.و التعاون مع مديري السياسات الكلية الأخرى لتحقيق ذلك وخاصة السياسات التجارية والاستثمارية والتامين على ان تفتح خطابات اعتماد حصائل الصادر مباشرة لمصلحة البنك المركزي ثم تحول للمصدر بعد استقرارها داخل الجهاز المصرفي السوداني و كذلك تقديرات تكلفة الاستثمارات الأجنبية المقترحة.. وهذا ما تفعله الجارة إثيوبيا.. وهو ما سنعرض له تفصيلاً بإذن الله فى الحلقة القادمة.