في احتفال أنيق وبحضور وفد مركزي رفيع وبرفقة وزيرة دفاع دولة الجنوب تم تدشين مشروع الميناء الجاف والمناطق الحرة بمدينة كوستي والجبلين وإطلاق صافرة إنعاش او عودة الحياة لأكبر ميناء نهري يربط السودان بنصفه الآخر… نعتقد ان إرجاع الحياة للنقل النهري وتحديثه يعتبر أكبر انجاز وأول مولود شرعي لاتفاقية السلام بجوبا والتي كانت صحوة او إيقاد لشعلة المصالح المشتركة التي تضررت كثيرا بل اغتيلت نواضرها وضمرت فوائدها منذ الانفصال.. ان إطلاق صافرة إنعاش النقل النهري ووضع حجر الاساس لمنطقة التجارة الحرة بمدينتي كوستي والجبلين بولاية النيل الأبيض تأتي في ظروف مهيأة تماما مع تباشير رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مما يسمح بإدخال منظومة متطورة وحديثة من السفن وآليات الرفع والتفريغ واستحداث أدوات المناولة ومقار الإدارات. وحوسبتها ومدخل لصيانة المواعين والبواخر التي تعطلت بسبب انعدام الاسبيرات والصيانة وسانحة ايضا لضخ دماء شابة وذات علوم وخبرات وفق مستحدثات التكنولوجيا. ميناء كوستي يعتبر أكبر ميناء نهري في أفريقيا وهو الثاني بعد ميناء بورتسودان، أنشأه المستعمر الإنجليزي عام 1938، بهدف خدمة مصالحه، ثم أصبح بعد الاستقلال عام 1956 شريانا وحبلا سريا للحياة بين شمال السودان وجنوبه، وكان بديلا حيويا عن الطرق البرية غير المعبدة في تلك البيئة الاستوائية غزيرة الأمطار وتقلبات الأجواء ومع الانفصال العام 2011 وعدم الاستقرار الأمني فقد هذا المشروع تدريجيا كل ميزاته وشردت العمالة والكفاءات وهلكت المواعين والآليات. وكان في الأصل قد تم تجهيز حوض الميناء ليتسع لنحو مائة باخرة، وبإمكانه تحميل وتفريغ عشرات البواخر في آن واحد، ويعمل به الآلاف من العمال في الميكانيكا والتحميل والتفريغ والصيانة وقيادة البواخر وهكذا.. ويضم أسطول الميناء حوالي 15 باخرة، ينقل أكثر من ثلاثين ألف طن من البضائع المتنوعة سنويا من غذاء ودواء وكساء إلى الجنوب وتأتي ايضا تلك السفن محملة بخيرات المناطق الاستوائية من فواكه لم تكن ربما تعرفها حتى العاصمة الخرطوم كالباباي والقشطة والاناناس والمانجو وغيره، ويستوعب أكثر من ثلاثين ألف عامل تم تسريح عدد كبير منهم في ظل توقف العمل مثله مثل الخطوط الجوية ومشروع الجزيرة والخطوط البحرية وغيرها من مشروعات انتاجية ومصانع كانت تمثل عصبا للاقتصاد والتجارة. وكان العمل في عمليات الملاحة النهرية أعيدت في 2019، بعد توقف دام أكثر من ثمانية أعوام، من خلال الجسر الإغاثي النهري الذي سيره برنامج الغذاء العالمي لمواطني دولة الجنوب بتسيير خمسة جرارات تحمل مواد غذائية بحمولة 170 طناً، من جملة إجمالي مواد إغاثية تصل ل120 ألف طن مقررا ترحيلها ومعروف ان النقل النهري والبحري وكذا البرى أقل تكلفة كما يمكنه إنعاش حركة المواطنين وايضا السياحة… اهمية هذا الحدث يتضح من مشاركة وفد مركزي عالي المستوى ووالي النيل الابيض… ولعل كلمة وزيرة دفاع جنوب السودان د.انجيلينا دينق والتي ذكرت انها من مواطني ولاية النيل الابيض ودرست بمدرسة كوستي الثانوية التي تحولت لجامعة وهي تنوي زيارتها مرةُ اخرى للالتقاء بمعارفها وصديقاتها وزميلات الصبا دليل تفاؤلها لمستقبل واعد يعود علي البلدين الشقيقتين خيرا ورفاه ومحبة واستقرار المنطقة. مبروك هذا الإنجاز والذي نعتبره اول عتبات التنمية الاقتصادية ونفض الغبار عن كل ما ينفع المواطن هنا وهناك ويبدو ان الأيام القادمات حبلى ببشريات فعلية على أرض الواقع تنعش الاقتصاد تخفف ضغوطات الحياة ورهقها حيث تفيد التقارير ان التبادل التجاري مع جنوب السودان يمكن ان يحقق عوائد مالية تقدر بنحو ملياري دولار سنويا مبروك لكوستي الألق والجمال.