شكك صندوق النقد الدولي في نجاعة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة مؤخراً، والمتمثلة في رفع الدعم عن الوقود، وقدرتها على معالجة المشكلة الاقتصادية. وبحسب صحيفة الصيحة الغراء تضمن أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي الذي صدر الأسبوع الماضي، أول تقييم للأوضاع الاقتصادية في السودان يصدر منذ أن طلبت الحكومة الانتقالية برنامجاً خاضعاً لمراقبة موظفي صندوق النقد. وشكك التقرير في نجاعة الإجراءات الحكومية في تحقيق الإصلاح المرجو في ظل غياب شروط موضوعية، وتوقع صورة قاتمة في قراءته لمستقبل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وأبدى تحفظاً واضحاً حول جدوى الإجراءات ووصفها بأنها "صعبة ومؤلمة"، وأن القدرة على تحملها شعبياً يتسم بالهشاشة بالنظر إلى طول أمد الاختلالات الاقتصادية وبسبب ضغوط التضخم العالية وانعكاساتها، مع ضعف القدرات في إدارة الملف، وتأخر الشروع في تنفيذ الإصلاحات. تعليق:- من الواضح أن المعالجات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة مؤخراً كانت تحتاج إلى ثلاث مسائل رئيسة، الأولى: إحكام تنفيذ القرارات نفسها، على سبيل المثال فإن قرار تحرير التجارة في المحروقات تضمن ثغرة في غاية الوضوح هي استمرار وجود محروقات مدعومة تحت مسمى (التجاري المدعوم)، وهذا فتح المجال لعودة السوق السوداء مرة أخرى. المسألة الثانية أن القرارات كانت تحتاج إلى معالجات اقتصادية لتخفيف الصدمة على الفقراء، وهذا ما لم يحدث. لقد تسببت الحكومة في إضعاف ديوان الزكاة، وقامت بتصفية العديد من المنظمات الخيرية دون مبررات كافية، وها هي تحصد الآن ما زرعت، لا مؤسسات قوية تساعدها على الإحاطة بالفقراء، ولا موارد غير حكومية تقدم الدعم لهم. الناحية الثالثة التي أغفلتها الحكومة هي التخطيط الاقتصادي المحكم لحشد الموارد الداخلية. لأنه كان من الواضح أن التعويل على المانحين غير مجدٍ على الاطلاق في ظل جائحة كورونا. الحكومة وهي بصدد قرار ضخم بتحرير التجارة في المحروقات لم نشهد منها دعماً حقيقياً للمنتجين بسياسات واضحة، من ناحية ثانية تمت محاربة منتجي الذهب من الأهالي، ولم يتم تشجيع المستثمرين ولم تتم حمايتهم، بل قامت بعض الولايات بتعطيل الاستثمارات فيها بأسباب واهية. إن لم تغير هذه الحكومة حاضنتها السياسية، بأخرى مناصرة لسياسات تحرير الاقتصاد، وإن لم تعمد لتغيير بعض كوادرها التنفيذية الضعيفة، فسوف تظل عاجزة عن التعاطي والتعامل مع قرار اقتصادي ضخم هو قرار تحرير الاقتصاد السوداني، ووضعه على منصة الانطلاق. ربنا يعين.