زمان الناس هداوة بال وانت زمانك الترحال و ليلم عمرو ما سآل و ليلك لي صباحو سؤال قسمتك يا رقيق الحال مكتوب ليك تعيش رحال. وكأن كلمات هذه الاغنية (زمان الناس ) تجسد حال الفنان الكبير عبدالكريم الكابلي الذي غادر السودان واستقر به المقام في (امريكا) ، والمتأمل في أغنيات الكابلي يجد بها حبا" دافقا" وحنينا" جارفا" لوطنه فهو العاشق لأرض بلاده الخصبة وطبيعتها الخلابة إذ يقول : و تقوم شتلة محنة مثال أريجا دعاش و حزمة نال قبال توتي ام خداراً شال عيون ام در لبيت المال. ولد عبدالكريم عبدالعزيز الكابلي في شرق السودان بمدينة بورتسودان وتلقى تعليمه الأولي بها ، ثم انتقل لمدينة أمدرمان لمواصلة مشواره التعليمي والتحق بكلية التجارة. أحب الكابلي الغناء منذ الصغر وكان يغني في جلسات الاهل والأصدقاء بصوته الغض الطري الذي نال إعجاب كل من استمع له ، حيث كانت بدايته الغنائية في العام 1960 عندما تغنى للشاعر تاج السر الحسن بقصيدة ( انشودة أسيا وأفريقيا) التي لاقت قبولاً كبيراً، فلم يكن منه إلا أن يشمر عن ساعديه ويخطو نحو سلم الإبداع والتألق والتميز مغرداً في غصن النغم. انطلق الكابلي بقوة في دنيا النغم، وقدم شدوا ً ملك القلوب وأسر الأفئدة وجعل الجميع يرددون : حبك للناس خلاني احبك تاني فيك الاحساس نساني اعيش احزاني ماانت نغم رنان في خيالي ما أنت عشم فنان زي حالي أغنيات الكابلي سكنت سويداء القلوب وألهبت الحماس وحركت المشاعر وسلبت العقول والألباب بمراقصتها أوتار العود ومغازلتها الكلمات لحناً : كيفن ما أريدك لوكان احوالي بيك تتباهى وتزدان وتلالي ياروح سر الألوان ياغالي ياصاحب عظمة وسلطان وعالي الكابلي ليس فنانا تحب أن تسمع أغنياته، ولكنه مشروع، لا تستطيع إلا أن تصدقه وتؤمن ، فقد استطاع بخبرته الفنية وامكانياته الإبداعية أن يحلق بعيداً في سماوات الطرب. سيرة الكابلي الفنية تحكي عن فنان قدم الروائع وشكلت اغنياته إضافة حقيقية لمكتبة الاغنية السودانية على غرار (حبيبة عمري) و (قمر دورين) و(سعاد)… الخ الكابلي صاحب صوت نادر منغم بكل مايجذب الأذان ،وحينما يراقص أوتار عوده تهطل دمعات العود وتنتحب حناياه وتنوح الأنامل التي تعزف بشاعرية مطلقة وإحساس مرهف قلما تجد مثله : رددت الخمر عن شفتي.. لعل جمالك الخمر نعم.. أنت الرحيق لنا وأنت النوّر و العطر.. وأنت السحر مقتدرا وهل غير الهوى سحر خذوا الدنيا بأجمعها حبيب واحد ذخر يعتبر عبدالكريم الكابلي من رواد مدرسة الغناء باللغة الفصحى، فقد امتع واقنع وهو يردد رائعة (شط البحرين) : أغلى من لؤلؤة بضة صيدت من شط البحرين لحن يروي مصرع فضة ذات العينين الطيبتين يعتبر الغناء بالفصحى صعباً لكن عند الكابلي الفن رسالة لا بد من ايصالها بالشكل الصحيح، فقد تغني ايضاً لأبي فراس الحمداني : اراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهى عليك ولا أمر؟ اشتهر الكابلي باغاني الحماسة وتغنى ب (قالو الدود قرقر ) و(خال فاطنة ) والكثير من الاغنيات التي لا استطيع حصرها في هذه المساحة، فبعد كل تلك السيرة والمسيرة يغادر الكابلي السودان ويستقر بامريكا ، ومن بلاد العم سام يرسل أنغامه وحنينه واشواقه : انا إن شئت فمن أعماق قلبي أرسلو الالحان شلالا رويا وابثو الليل اسرار الهوى واصوغ الصبح لونا بابليا لا تقول إني بعيد في الثرى