المحلل السياسي محمد عبد الحميد يشير إلى إن التدخلات الدولية من أجل السيطرة على البحر الأحمر حددت شكل وتطور الأحداث في القرن الإفريقي، لافتاً إلى أن درجة هذا التدخل تختلف من وقت لآخر, كما أن الصراع من أجل السيطرة على منطقة القرن الإفريقي ارتبط بأمن البحر الأحمر وتأمين حركة الملاحة به كما ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع العربي الإسرائيلي وهو ما دفع بالولاياتالمتحدة والدول الغربية إلى محاولة الدفاع والمحافظة على أمن البحر الأحمر عن طريق السيطرة والحصول على موطئ قدم في منطقة القرن الإفريقي. ويزيد عبد الحميد أيضاً: "اتخذت العديد من الدول الكبرى قواعد عسكرية في منطقة القرن الإفريقي؛ القاعدة الفرنسية والقاعدة الأمريكية في جيبوتى بالإضافة للتواجد الإيراني في ميناء عصب الإريتري ومراكز جمع المعلومات والمراقبة المنتشرة في الدول المطلة على البحر الأحمر". وليس بعيداً عما سبق، يقول الخبير الاستراتيجي د. الهادي أبو زايدة "لا يوجد وجود غير متفق عليه في البحر الأحمر باستثناء الإماراتي في (إريتريا ومحاولة الوصول لأرض الصومال)، والتركي في (الصومال). وبحسب أبو زايدة فإن الإشارات التي وردت في البيان الختامي تمثل مؤشراً إلى أن الحلف الإماراتي المصري إلى زوال، وأن مصر تسعى لتصفية الوجود الإماراتي والتركي في البحر الأحمر، خاصةً وأن مصر ستقود الاتحاد الإفريقي العام القادم وتتطلع للعب أدوارٍ إقليمية أكبر.قاعدة روسية في نوفمبر الماضي عرض الرئيس عمر البشير خلال زيارته الأولى لروسيا في إقامة قاعدة روسية، فيما أعلنت روسيا أنها بصدد دراسة مقترح حول نقطة إمداد للسفن الحربية الروسية المتواجدة في البحر الأحمر –وهو أمر يختلف عن القاعدة العسكرية-. وفي حال وافقت روسيا على إقامة القاعدة في السودان، فستكون القاعدة العسكرية الدائمة الأولى لروسيا في القارة الإفريقية. وقال كبير الخبراء في مركز الدراسات العربية والإسلامية التابع لمعهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية العلمية الروسية بوريس دولغوف إن القاعدة العسكرية في السودان ستساعد على تعزيز المصالح الروسية في القارة الإفريقية، إلا أن العقبة ستكون متصلة بالتكلفة المادية والسياسية. في الأثناء، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء د. أمين إسماعيل أن ما يثير مخاوف مصر في منطقة البحر الأحمر يرتبط بتخوفات إقليمية تتعلق بنية السودان وروسيا إقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، علاوة على أن المصالحة الإثيوبية الإريترية ستغير موازين القوى في المنطقة وستنعكس على الوجود الإيراني والإسرائيلي في البحر الأحمر. من جانبه يرى الخبير الاستراتيجي د. عصام بطران؛ يرى أن زيارة السيسي للسودان جاءت عقب عودة الرئيس البشير من روسيا وسط مؤشرات عن تقارب سوداني روسي وتفاهمات عن رغبة روسية للتواجد بمنطقة البحر الأحمر عبر البوابة السودانية. ويشير بطران إلى أن مصر تدرك أن أي وجود روسي بالممر المائي الحيوي بمعزل عنها قد يسبب لها متاعب استراتيجية، فضلاً عن التأثيرات الجيوسياسية التي يمكن حدوثها نتيجة التواجد الروسي بالمنطقة، خاصة من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، لذلك فإن القاهرة تسعى لأن تكون جزءً من أي تفاهمات سودانية روسية في القريب المنتظر. وقد فسر مراقبون الخطوة بأنها تأتي في إطار التنافس مع القاهرة التي أعلنت مؤخراً أنها بصدد السماح لموسكو بإقامة قاعدة عسكرية بحلول 2019م. وبالتالي يبدو أن الطرفين يراهنان على روسيا ويرغبان في كسب ودّها، فيما اعتبرها البعض إشعالاً لحالة من الحرب الباردة الجديدة بين موسكو وواشنطن التي تعتبره أحد المناطق الاستراتيجية التقليدية الخاضعة لها من جهة، ومن جهة أخرى قد تكون نواة لقيام تحالف ثلاثي سوداني روسي، إيراني، بحيث تسعى موسكو لعودة العلاقات بين الخرطوم وطهران، وهو ما سيكون على حساب علاقات السودان مع دول حصار الخليج (السعودية والإمارات). الميناء الأكبر سيشرع السودان في العام 2018 في بناء أكبر ميناء للحاويات على البحر الأحمر بتمويلٍ قطريّ، وهو ما يمثل فتحاً جديداً في مسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين، وينعكس بصورة إيجابية على المنطقة الإفريقية التي تسعى للنهوض الاقتصادي، إلا أن المشروع يأتي في ظل ظروف بالغة التعقيد تسود منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وتشهد تنافساً محموماً للسيطرة على الموانئ ومسارات الحركة التجارية العالمية. يمثل المشروع أملاً جديداً للسودان وللعديد من الدول الإفريقية في تطوير اقتصادها ومواكبة الحراك التجاري الكبير الذي ستحدثه مبادرة الحزام والطريق التي أعلنتها الصين، خاصة أن مشروع الميناء سيكون مصحوباً بمناطق حرة والعديد من المناطق الصناعية في السودان والدول الإفريقية الأخرى المستفيدة من الميناء. ونسب لوزير الدولة السابق بوزارة المالية والاقتصاد الوطني د. عبد الرحمن ضرار قوله: بعد اكتمال الدراسات الفنية سنشرع في بناء الميناء الأكبر للحاويات على ساحل البحر الأحمر خلال العام القادم برأس مال قطري بنسبة 100 %، مضيفاً: "سيكون الميناء بوابة لتسهيل التجارة وفتح آفاق للتعاون مع العديد من الدول في المنطقة". وتعتمد العديد من الدول الإفريقية على ميناء بورتسودان في تصدير منتجاتها واستيراد احتياجاتها وعلى رأس هذه الدول إثيوبيا ثاني أكبر دول القارة السمراء من حيث عدد السكان، خاصة أنها توصلت لاتفاق مع السودان يسمح لها باستيراد 50% من احتياجاتها عبر بورتسودان، وتخطط لربط الميناء بشبكة من السكك الحديدية على غرار ما فعلت مع جيبوتي، بجانب طرق برية اكتمل إنشاؤها خاصة في المناطق الغربية، والتي قد تكون -لأسباب اقتصادية واستراتيجية- خيار السودان الأفضل على الأقل حتى الآن. في ذات الوقت تعتمد دول وسط وغرب إفريقيا على ميناء بورتسودان؛ حيث وقَّعت دول تشاد والكاميرون وإفريقيا الوسطى على اتفاقيات تعاون مع السودان، وتنتظر بدورها ربطها بسكك حديدية تمتد من بورتسودان مروراً بتشاد وانتهاءاً بالكاميرون، بجانب طرق برية قطعت شوطاً كبيراً لربط هذه البلدان. وفي هذا السياق، يمثل ميناء بورتسودان محطةً استراتيجيةً في مبادرة طريق الحرير التي أطلقتها الصين لربط اقتصادها مع بقية أنحاء العالم، وتمثل الصين الشريك الاقتصادي الأول للقارة الإفريقية باستثمارات تقدر بمليارات الدولارات، فضلاً عن خطط لنقل العديد من الصناعات للقارة الإفريقية بدأت من إثيوبيا. يقول الخبير الاقتصادي السر محمد نور "يعد ميناء بورتسودان حيوياً في منطقة البحر الأحمر؛ فهو يخدم المنطقة العربية، ويشكِّل بوابةً للانفتاح على الصين ودول آسيا ومدخلاً للمناطق الأوروبية. ويضيف نور إن معظم صادرات السودان والعمق الإفريقي تسير عبر ميناء بورتسودان، مشيراً إلى أن ميناء بورتسودان سيكون مركز ثقلٍ كبيرٍ على ساحل البحر الأحمر، وسيشكل منطقة جذبٍ كبيرة، خاصة أن خلف الميناء منطقة تجارية حرة. في المقابل يشير الخبير الاستراتيجي اللواء د. أمين إسماعيل إلى أن الوجود القطري التركي في الموانئ السودانية وسيطرتهم على قطاع الخدمات في تلك المرافئ يمثل تهديداً لمصالح مصر في قناة السويس. في المقابل، يمثل المشروع خيبة أمل لبعض الدول الساعية للسيطرة على الموانئ ومسارات الحركة التجارية العالمية، خاصة في ظل التنافس السياسي الإقليمي، وتذهب بعض التحليلات إلى أن المشروع يشكل تحدياً كبيراً لدول مثل الإمارات التي تستفيد من حركة التجارة البحرية، لا سيما وأن الميناء السوداني الجديد، حال إنشائه، سيكون مركزاً اقتصادياً حيوياً مهماً يؤثر على ميناء «جبل علي» في دبي، وبقية الموانئ التي تسيطر عليها أبو ظبي في القرن الإفريقي، كما أنه في ذات الوقت يحقق تفوقاً سياسياً جديداً للدوحة على حساب الدول المحاصرة لها التي لطالما سعت لعزلها عن العالم. تزامن إعلان إنشاء أكبر ميناء للحاويات على البحر الأحمر مع فشل الإمارات في التوصل لصفقة مع الحكومة السودانية لإدارة وتشغيل ميناء بورتسودان، فقد وَصَف وزير النقل السوداني مكاوي عوض ما أُشيع عن تأجير ميناء بورتسودان لشركة دبي للموانئ بأنه مجرد إشاعة، مؤكداً عدم وجود أية رغبة أو مساعٍ لدى الخرطوم لتسليم الميناء للشركة سواء بغرض تشغيله أو تأجيره. ويرى مراقبون أن الإمارات تسعى لإضعاف ميناء عدن، جنوب اليمن، لما له من أهمية استراتيجية تقضي على أهمية ميناء دبي، فهو أكبر ميناء. حيث قررت الحكومة اليمنية الجديدة، آنذاك، إلغاء الاتفاقية مع شركة موانئ دبي، ولكن لم يمض الكثير من الوقت حتى عادت الإمارات تحت غطاء التحالف العربي ومحاربة مسلحي الحوثي لتسيطر على معظم موانئ جنوبي اليمن، وفي ذات التوقيت تسعى الإمارات للسيطرة على ميناء الحديدة الذي ما زال خاضعاً للسيطرة الحوثية. وفي مايو الماضي تسلمت شركة موانئ دبي العالمية إدارة ميناء بربرة الصومالي (خاضع لإدارة حكومة أرض الصومال غير المعترف بها دولياً)، وباتجاه الشمال وقَّعت الإمارات في سبتمبر الماضي اتفاقاً لتنمية وتطوير ميناء العين السخنة المصري. يقول الخبير الاستراتيجي د. عصام بطران إن هذه الخطوة تعد نجاحاً كبيراً للدبلوماسية القطرية؛ حيث يعتبر البعد الاستراتيجي لميناء بورتسودان ذا أهمية كبرى في ظل وجود استراتيجيات متعددة للهيمنة والنفوذ على سواحل البحر الأحمر. ويضيف بطران "على المدى القصير سيشكل ميناء بورتسودان خطوة مهمة لإجهاض محاولات دول لفرض عزلة على قطر، أما على المدى البعيد فسوف يدشن إنشاء الميناء مرحلة جديدة من السباق بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة للتواجد على البحر الأحمر ومنها الصين وتركيا ودول غربية أخرى". ويرى الخبير الاقتصادي د. السر محمد نور أن الميناء الجديد سيجعل من المنطقة مركز تركيزٍ استثماريّ، وسيكون له تأثير إيجابيّ على الموانئ الأخرى في المنطقة، مضيفاً أن الاستفادة من الميناء ستنعكس على السودان وقطر والعديد من الدول الأخرى.