كتب بيتر فام المبعوث الأمريكي السابق لمنطقة البحيرات الكبرى مقالًا بصحيفة "ذي هيل" الأمريكية المحسوبة على الكونغرس، بشأن نجاح الانتقال السياسي في السودان وعلاقته بالمصالح الأمريكية، مشددًا على أن استقرار السودان له تأثيره على القرن الإفريقي ككل، وينعكس أيضًا على الصراعات في المنطقة بما في ذلك ليبيا واليمن، مؤكدًا على أن الانتقال السياسي في السودان يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة، لافتًا إلى ضرورة انخراط أمريكا في الشأن السوداني بشكل أكبر من أي وقت سابق.
متغيرات سياسية: واستدعى الدبلوماسي الأمريكي تاريخًا من المتغيرات السياسية في السودان، والتي كان لها انعكاسًا على العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوموواشنطن. وأشار بيتر فام مدير مركز إفريقيا التابع لمجموعة التفكير الأمريكية أطلانتيك كاونسيل إلى أن الشهر الماضي صادف الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإحدى تلك المحطات البارزة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية التي مرت دون ملاحظة في وقتها، فقط لتتردد لسنوات في المستقبل. في 30 نوفمبر 1997، أنهى تيموثي م. كارني، ضابط السلك الدبلوماسي، مهامه كسفير للولايات المتحدة في السودان. لم يتوقع أحد أن يمر ربع قرن من الزمان تقريبًا، قبل أن يقدم السفير الحالي جون جودفري أوراق اعتماده في مطلع سبتمبر الماضي، في ذات الوقت، الذي سيتم فيه إرسال مبعوث آخر معتمد من قبل مجلس الشيوخ إلى السودان.
انفصال الجنوب: واستعرض فام مسيرة العلاقات السودانية الأمريكية على مدى ربع القرن الماضي، مشيرًا إلى أنه حدث الكثير على مدار هذه الفترة. أرسل الرئيس بيل كلينتون صواريخ كروز إلى العاصمة السودانية في عام 1998، ودمرت مصنعًا للأدوية يشتبه في أنه كان يصنع غازًا للأعصاب، وربما كان متعاونًا مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وعقب احداث الحادي عشر من سبتمبر، كثف الرئيس جورج بوش تعاونه في مجال مكافحة الإرهاب مع المخابرات السودانية وكذلك المشاركة الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في البلاد، الأمر الذي مهد الطريق للانفصال السلمي النهائي لجنوب السودان. في الوقت نفسه، أدى تعامل الخرطوم مع الصراع الجديد الذي اندلع في إقليم دارفور إلى فرض عقوبات إضافية حيث وقع بوش على تشريع يسمح لحكومات الولايات والحكومات المحلية بقطع العلاقات مع الشركات التي تتعامل مع السودان. أشرف الرئيس باراك أوباما على انفصال جنوب السودان كذلك شهدت فترته انزلاق الدولة الحديثة إلى الحرب الأهلية، لكنه واصل أيضًا عملية التقارب المتزايد مع السودان. قبل أيام فقط من مغادرته البيت الأبيض، علق أوباما العديد من العقوبات التي فرضها الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون على السودان. وفي واحدة من أبرز الأمثلة على تواصل السياسة الخارجية بين إدارة أوباما وإدارة الرئيس دونالد ترامب، مدد الأخير أولًا تعليق أوباما للعقوبات، ثم في أكتوبر 2017، رفع الحظر التجاري الذي دام عقدين من الزمن وغيره من العقوبات الاقتصادية، مما يفتح الطريق أمام الأفراد والشركات الأمريكية للقيام بأعمال تجارية مع نظرائهم السودانيين، في معظم الحالات لأول مرة منذ عقود. سقوط البشير: ويشير فام في مقاله إلى الأحداث السياسية المتوالية على السودان، بما في ذلك، التغييرات السريعة التي طرأت على الساحة السياسية بالسودان بعد انتهاء العقوبات الأمريكية وإعادة فتح الاقتصاد السوداني. فقد أدت الاحتجاجات التي بدأت في أواخر عام 2018 إلى قيام الجيش بالإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير، الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 1989. بعد مواجهة طويلة، تتخللها حلقات عنف، تم تعيين حكومة انتقالية مؤلفة من ممثلين عسكريين ومدنيين في أغسطس 2019 وكان من المفترض أن تدير البلاد لمدة 39 شهرًا، وإعداد دستور جديد وتنظيم الانتخابات. لكن بحلول أواخر عام 2021، انهار الترتيب، الذي كان يكافح لبعض الوقت، وسيطر المكون العسكري بالكامل على السلطة. الوساطة الدولية: مشيرًا إلى الدور الذي لعبته الجهود الدبلوماسية المستمرة لما يسمى " الآلية الرباعية" للسودان – بما في ذلك المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة – وكذلك الأممالمتحدة، ليوقع قادة قوى الحرية والتغيير بما في ذلك النشطاء المؤيدين للديمقراطية، والأحزاب السياسية المدنية من مختلف المشارب، وعدد قليل من الجماعات المتمردة التي اتحدت جميعها ضد البشير، على اتفاق جديد مع الجنرالات لإنهاء المأزق السياسي في البلاد من خلال الحد من الدور العسكري الضخم في السياسة والاقتصاد وتشكيل حكومة انتقالية لمدة عامين بقيادة رئيس وزراء مدني. وأضاف الدبلوماسي الأمريكي إلى أنه سيتم تفويض السلطة الانتقالية بصياغة دستور جديد، مما يفتح الطريق لأول انتخابات حرة في البلاد منذ عقود. وستكون مسؤولة أيضًا عن إشراك الجمهور الأوسع في قضايا مثل العدالة الانتقالية، وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، وتنفيذ اتفاقية السلام لعام 2020 في دارفور. لافتًا إلى أن تحقيق هذه الأجندة الطموحة يتطلب مستويات بطولية من الصبر والالتزام من جميع السودانيين. ولكن بالإضافة إلى ذلك، وكما أكد الاتفاق الذي تم توقيعه، ستكون هناك حاجة أيضًا إلى مشاركة أمريكية فاعلة. ونبه فام إلى أن ربع القرن الماضي أظهر ما يمكن أن يحدث عندما تبتعد الولاياتالمتحدة – وكذلك ما يمكن أن يحدث عندما تستفيد أمريكا من نفوذها الكبير، حيث تعتبر حكومة الولاياتالمتحدة هي أكبر مانح دولي للمساعدات الإنسانية للسودان وقد كانت كذلك بالنسبة لسنوات عديدة. عندما استولى الجيش على السلطة العام الماضي، أدانت واشنطن هذا الإجراء وجمدت على الفور نحو 700 مليون دولار من المساعدات غير الإنسانية وسحبت دعمها لتخفيف عبء الديون البالغ 50 مليار دولار الذي كانت الخرطوم تسعى إليه من الدائنين الدوليين. أتاح الفراغ الذي أعقب ذلك فرصة للشبكة المرتبطة بالكرملين والمعروفة باسم مجموعة فاغنر للتحرك، والحصول على امتيازات تعدين الذهب في السودان، الذي يعتبر ثالث أكبر منتج في إفريقيا، بينما تتدخل في النزاعات الداخلية. أقرت الآلية الرباعية الحاجة الملحة للتسوية، جاء ذلك عند إعلان بيانها ردًا على الاتفاق الجديد بين الجيش السوداني وقوى الحرية والتغيير: مؤكدة العمل مع الشركاء لتنسيق الدعم الاقتصادي الكبير لحكومة انتقالية بقيادة مدنية للمساعدة في مواجهة التحديات التي تواجه شعب السودان.
ونبه الدبلوماسي الأمريكي إلى تأثير الاستقرار بالسودان على القرن الإفريقي وأثره على الصراعات بما في ذلك ليبيا واليمن. مشددًا على أن نجاح عملية الانتقال في السودان من مصلحة أمريكا – ولكي يحدث ذلك، ينبغي أن تشارك في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى. القمة الإفريقية: يأتي ذلك، في وقت استضافت فيه واشنطن قمة أمريكية إفريقية في حضور عشرات القادة الأفارقة في غياب خمس دول هي السودان، بوركينا فاسو، غينياومالي وإرتريا. حيث أوضح جود ديفيرمونت، المدير الأول للشؤون الإفريقية بمجلس الأمن القومي الأمريكي، أن أمريكا لم توجه الدعوة إلى الدول التي ليست في وضع جيد بالاتحاد الإفريقي، وتشمل اللائحة كل من مالي والسودان وغينياوبوركينافاسو، إلى جانب الدول التي ليست لديها علاقات دبلوماسية مع واشنطن، مثل إرتريا.