"تربيزة الرملة" التي تضع عليها الخطط العسكرية للمعارك الحربية وفي بعض الأوقات يتم استبدالها لتضع عليها (الخطط الانقلابية) في السابق لاتكون مزدحمة بالتفاصيل والمتطلبات حيث قد تتوقف الخطة على (عساكر متحمسين وإغلاق كباري يليها تلاوة بيان عبر الإذاعة والتليفزيون) وبطبيعة هذا الشعب العاشق للتغيير أياً كان مصدره ستجد أن هنالك تياراً مسانداً وقوى سياسية سراً وجهراً قد أرسلت برقياتها. ولكن الآن جرت تحت جسر الانقلابات مياه وأنهار أصبح في الأمر عجب فبعد أن نفذت الجبهة الإسلامية انقلاب فجر 30 يونيو 1989م تغيرت الكثير من الأوضاع حيث أصبح تنفيذ انقلاب عسكري أمراً في غاية الصعوبة يصل إلى درجة الاستحالة حيث تبدلت العديد من العوامل والعناصر التي كان يتم الاعتماد عليها في تنفيذ الانقلابات التي جربها هذا البلد ثلاث مرات بشكل ناجح تخلالتها العديد من المحاولات الفاشلة، ففي عصر العولمة أصبح القيام بانقلاب أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد وأن نسب فشله مرتفعة لدرجة كبيرة. الانقلابات العسكرية ..توقف ساعة الصفر! والشعب السوداني الذي يدور رأسه هذه الأيام بالمحاولة التي وصفت في بادئ الأمر "بالتخريبية" لتصبح محاولة "انقلابية" فيما بعد، أعادت للأذهان والآذان قصة المارشات والبيان الأول حيث اقتصرت هذه المحاولة على التفكير بصوت عالٍ في أحداث هذا الانقلاب الذي اعتقل فيه عدد من العسكريين بالإضافة لرئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق الفريق صلاح قوش وهذه قد تكون المحاولة الأولى التي تضم شخصيات من خارج القوات المسلحة وهذا قد يكون أول عامل في تغيير طبيعة الانقلابات حيث تبدل حال القوات المسلحة وشكل تسليحها وحتى أفرادها وانتشارها حيث لم تصبح الخرطوم هي مركز الجيش والدولة لأن البلاد تعيش في حالة اللامركزية السياسية والعسكرية حيث تنامى عدد القوات والتشكيلات العسكرية في مناطق خارج الخرطوم وهذا قد يرجع للحروب خاصة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بجانب أن الانقلاب في السابق كان يعتمد على قطع خطوط الاتصال التي كانت في شبكة توجد في "دار الهاتف" إلا أنه مع انفتاح الاتصال من هواتف نقالة وأخرى تعمل بالأقمار الاصطناعية والانترنت أصبح السيطرة على هذا العامل أمر صعب بجانب أن القوات شكل تسليحها اختلف من الآن حيث أصبحت قوات الشرطة والأمن تمتلك أسلحة ثقيلة وهي قد لا توازي القوات المسلحة إلا أنها قد تؤدي لإحدث إرباك لأي تحرك أضف إلى ذلك أن نظام الإنقاذ قد أنشأ قوات عسكرية موازية تدين له بالولاء مثل قوات الدفاع الشعبي والمجاهدين ومثل هذه الوحدات العسكرية لم تكن موجودة قبل 1989 لأن احتكارية السلاح كانت لدى قوات الشرطة والجيش. ومن المتغيرات أيضاً أن الخرطوم التي كان بها ثلاثة كباري يقوم عدد من المدرعات في أي تحرك انقلابي بإغلاقها صارت الآن ثمانية كباري غير "الطائرة" والتليفزيون والإذاعة اللتين كانتا ترابطان في أمدرمان أصبحت القنوات الفضائية الآن تملأ الفضاء بما استطاعت إلية سبيلا غير الفيس بوك والتويتر فإذا أذعت بيانك الأول في التليفزيون القومي قد تجد الرد في النيل الأزرق ناهيك عن الشروق وقوون وهارموني وقناة الأطفال سنابل وهذا يدل على ضعف السيطرة الإعلامية إذا حدث تحرك انقلابي. القوة العسكرية ...نظرية التشتيت! بالعودة للتغيرات الجوهرية التي حدثت في تركيبة القوات المسلحة التي تعقد عملية قيام انقلاب ونجاحه أصبحت كبيرة ومؤثرة حيث أصبحت القوات المسلحة أشبه بالجيش الأمريكي عبر هيئة الأركان المشتركة للقوات الأساسية (البرية، والجوية، والبحرية) بشكل يسمح لكل وحدة بالاستقلالية من خلال هيئة أركان لكل وحدة مما وفر لكل واحدة منها مرونة إدارية وعملياتية في تنفيذ واجباتها. وقد شهد التنظيم الداخلي للجيش توسعاً كبيراً في تشكيلاته بازدياد أعداد الفرق العسكرية هذا فضلاً عن اللامركزية في توزيع الوحدات العسكرية بالعاصمة،ويسمح التنظيم الجديد للقوات المسلحة أن يكون لها جيش ثاني وثالث كما فى تجربة الجيش المصري. ويرى خبراء عسكريون أن التغييرات لم تعد تقتصر على الجيش بل امتدت لتغييرات كبيرة في العاصمة الخرطوم وخارطة المواقع الحيوية، فكما هو معروف.. ففي السابق كان يكفي أن تقوم بالاستيلاء على القيادة العامة والمطار والتليفزيون والثلاثة كباري الرئيسية بعد السيطرة بطبيعة الحال على القيادات العسكرية بوادي سيدنا والمدرعات بالشجرة وسلاح الإشارة والمظلات ببحري وسلاح المهندسين بأم درمان، ويضيفون فى حديثهم ل(السوداني) إن وحدات الجيش وقواعد الطيران تم توزيعها ولم تعد مركزية كما السابق لذلك باتت السيطرة عملية بالغة التعقيد أكثر من أي وقت مضى. خطة الانقلاب ..."الشمارات" قد تكشف المستور! يرى خبراء عسكريون وأمنيون أن أهم عنصر فى عملية الانقلاب والاستيلاء على السلطة هو العمل الاستخباراتي والتأميني وهو بذلك يتفوق على عنصري القوات والتسليح، ويضيفون فى حديثهم ل(السوداني) أن الناظم المركزي لأي عمل انقلابي يتعلق بنظام تأميني استخباراتي فعال يسمح بالتواصل ويعمل على الإخفاء والتمويه بشكل يحفظ السرية للعملية، ويزيدون أن أي خلل في عنصر السرية كفيل بإجهاضها بالكامل خاصة قبل ساعة الصفر. ويقول الخبير العسكري والاستخباري اللواء حسن ضحوي إن الحالة السياسية التي تسود الأجواء مهمة لإنجاح الانقلاب، ويضيف فى حديثه ل(السوداني) الأوضاع الآن في السودان غير مواتية باعتبار أن حالة البلد الآن لاتسمح بمثل هذه المجازفات خاصة وأنها في مرحلة انتقالية وخارجة من عملية انفصال لجزء منها مشيراً إلى أن زيادة حجم القوات التي تمتلك السلاح صار أكبر من مامضى وأصبحت موزعة.. لذلك أي تحرك قد يواجه بتحرك مضاد من الجهات التي تمتلك السلاح وهذا قد يحدث "مجزرة". وحول ما إذا كان وجود قوات موازية عسكرية وذات تسليح نوعي غير الجيش يؤثر في إمكانية تقديم سند لأي قوة انقلابية يقول ضحوي خلال حديثه ل(السوداني)إنه حتى مع وجود تلك القوات تظل القوات المسلحة بتشكيلاتها هي القوة الأكبر والمسيطرة. فيما يقول الخبير العسكري العميد (م) عبد العزيز خالد إن السودان تعود على قيام الانقلابات العسكرية في ظل الأنظمة الحزبية حيث التمركز حول السلطة لايكون كبيراً عكس الوضع الحالي لأن النظام الحالي الذي قام بالانقلاب ومايزال الجانب العسكري فيه كبيراً وأنه للتاريخ أن أي انقلاب يتم في ظل أنظمة لديها امتدادات في القوات المسلحة يفشل وهذا حدث في فترة الرئيس عبود والرئيس نميري حيث لم ينجح سوى انقلاب هاشم العطا وفشل لاحقاً، ويشير فى حديثه ل(السوداني) إلى أن هنالك العديد من العوامل التي تغيرت في تركيبة البلاد والقوات العسكرية حيث لم تصبح "البندقية" محتكرة في يد واحدة مثل ماسبق حيث أصبحت قوات الشرطة والأمن تمتلك أسلحة متطورة وفعالة بجانب القوات التي تتبع للنظام من تشكيلات الدفاع الشعبي. وحول المحاولة الانقلابية الأخيرة ومدى إمكانية نجاحها يشير خالد إلى أن هذه حالة مختلفة حيث شاركت فيها شخصيات خارج القوات المسلحة مشيراً إلى أن عدم اكتمال مثل هذه المخططات الانقلابية يرجع لعدم اكتمال الخطط وعدم السرية مشيراً إلى الشخصية السودانية التي تميل للثرثرة قد تفشل العديد من مثل هذه المحاولات مضيفاً أن القوات المسلحة تظل هي القوة الوحيدة القادرة على إحداث مثل هذه التحركات أو إفشالها إذا صدرت من جهات أخرى. تراجع موضة الانقلابات....هل زهد العسكر في السلطة؟! بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة تراجعت الانقلابات على مستوى العالم خاصة العالم الثالث فوفقاً لدراسة، أجراها معهد الأبحاث الدولية التابع لجامعة هيدلبيرج الألمانية، فإن عدد الانقلابات في العام الواحد تجاوز 20 انقلاباً في دول العالم،خلال الفترة من ستينيات القرن الماضي " تاريخ استقلال معظم دول العالم الثالث" وحتى منتصف الثمانينيات، لكن هذا الرقم تراجع إلى الربع فقط " أي خمسة انقلابات فقط" خلال الألفية الثالثة. وبالتطبيق على الشأن الإفريقي، فإن دول القارة لم تشهد سوى ثلاثة انقلابات فقط خلال عامي 2008 و2009 في كل من موريتانيا ، وغينيا بيساو ، ومدغشقر ، فضلا عن انقلاب مالي الأخير، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بمجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية. فعلى المستوى الخارجي وبحسب خبراء سياسيين تتعلق بالبيئة العالمية ، وبعضها الآخر يتعلق بالبيئة الاقليمية، فعالمياً، هناك اتجاه دولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية أوائل التسعينيات لتبني مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد، وربط المساعدات الاقتصادية الدولية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وإذا كانت النظم الإفريقية قد تحايلت على هذا الأمر في التسعينيات عبر إدخال بعض الإصلاحات الشكلية فيما يتعلق بالتعدد الحزبي، والتخلي عن نظام الحكم الواحد ، فإنه مع مطلع الألفية الجديدة لم تستطع هذه النظم الصمود كثيراً أمام الضغوط الخارجية والداخلية في آن واحد. فشهدت القارة حالات كثيرة للتداول السلمي للسلطة سواء في غانا ، أو نيجيريا ، وليس السنغال منا ببعيدة. أما على الصعيد الإقليمي"الإفريقي"، فمنذ القمة الإفريقية التي عقدت في الجزائر عام 1999 إبان منظمة الوحدة الإفريقية، تم تبني مبدأ الرفض الإفريقي للاعتراف بالانقلابات العسكرية كوسيلة لتداول السلطة. وكانت جزر القمر من أولى الدول التي تم تطبيق هذا المبدأ عليها في حينها. ثم جاء الاتحاد الإفريقي ليقر هذا المبدأ ، مع فرض مجموعة من العقوبات، مثل تجميد عضوية الدولة في الاتحاد، وعدم الاعتراف بها، وهو ما دفع الانقلابيين إلى القيام بعملية التحول الديمقراطي الحقيقي عبر تسليم السلطة إلى مدنيين كحالة غينيا بيساو ، أو تحول شكلي عن طريق مشاركة العسكر في الانتخابات الديمقراطية كحالة ولد عبد العزيز في موريتانيا وفي مالي مؤخراً. أما الأمر الثاني، فهو يرتبط بفكرة حدوث تحول نوعي في تسليح الجيوش النظامية، بحيث باتت تعمل بصورة أكثر احترافية وعلى الرغم من أن ضعف القوات قد يشجع على الانقلاب مثل حالة مالي إلا أنه فشل نسبة لعدم وجود الدعم الإقليمي. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته