حسناً ، فعل وزير العدل محمد بشارة دوسة، حينما قرر أن يبدأ بنفسه في فحص إقرارات الذمة. ولا أدري لماذا انزعج مولانا دوسة حينما نقلت عنه صحف الخرطوم أمس أنه توعد بمعاقبة المسؤولين الممتنعين عن تقديم إقرارات الذمة، وسارع لنفي الخبر، رغم أن القانون يمنحه حق المساءلة والمحاسبة إذ ينص: (يُعاقب كل شخص، يرفض تقديم إقرار الذمة، أو يورد فيه أي بيانات يعلم أنها كاذبة، أو ناقصة، بالسجن لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، أو الغرامة، أو العقوبتين معاً). ومن قبل في سابقة نادرة قدم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير إقرار ذمة على الهواء، في برنامج حواري مع الأستاذ الطاهر حسن التوم، عدد فيه كل ما يمتلك في هذه الدنيا. وقلنا وقتها، إذا فعل الرئيس البشير ذلك اختياراً بثبات وتفصيل وعلى الهواء ، ما الذي يمنع من هم أدنى منه عن كشف ما يمتلكون للجنة محدودة العدد وفي غرفة مغلقة؟! وقبل أيام زارني الزميل الصحفي الاستاذ/ عبدون نصر عبدون في مكتبي بالصحيفة مهدياً لي واحدا من كتبه الجديدة (نقرشة بالقلم)، وعبدون هو ابن خالة الرئيس السابق جعفر نميري، تفاجأت حينما أخبرني عبدون بما ترك الرئيس نميري في الدنيا بعد رحيله. نميري الذي لطخته الإشاعات والاتهامات بنهب مال الشعب، رحل من الدنيا ولم يترك وراءه كثير مال ولا قليل ممتلكات. فحينما تغيب المعلومات وتطفأ الأنوار تنمو الشائعات وتزدهر الأكاذيب، من فوائد إقرارات الذمة وضع المعلومات والحقائق تحت أشعة الشمس وفي الهواء الطلق، أما حصرها في لجنة ذات عضوية محدودة وفي غرفة مغلقة فلن يؤدي الغرض وقت تتسرب الشكوك عبر النوافذ والفتحات الصغيرة! خاصة وقانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989م يلقي جانباً كبيراً من عبء اكتشاف التجاوزات على المواطنين لا على الجهات الرسمية. كما أن حصر فحص إقرارات الذمة على المسؤول وأطفاله القصر فقط لا يكفي ، لأن ذلك يتيح فرص واسعة لمن يريد التهرب من فحص ذمته بأن يعد لنفسه مخابئ أسرية أخرى لإخفاء كسبه الحرام. ومن الملاحظ أن الإنقاذ كانت في بدايتها جادة في مواجهة الفساد ومحاربة المفسدين لذا شرعت بعد أشهر قليلة في إجازة قانون جديد لمحاربة الثراء الحرام والمشبوه. ولكن من المؤسف أن النصوص المعنية بإقرارات الذمة لم تفعل كما يجب. فقد أوجدت نيابة للثراء الحرام ولكن أهمل تكوين لجنة فحص إقرارات الذمة التي يتم إنشاؤها بمقتضى أحكام المادة 10(1). بل في فترة من الفترات رفض عدد من المسؤولين تقديم إقرارات الذمة بحجة أنهم لن يقدموها لموظفين صغار بوزارة العدل، فسحبت إقرارات الذمة من الوزارة الى جهة عليا..! أخشى بعد تفعيل الجانب الإداري بتكوين اللجنة أن يهمل الشق المتعلق بسؤال القانون (من أين لك هذا)؟!. كم كان مثيراً للدهشة ما أورده المراجع العام في تقريره الأخير عن مسؤولين كبار في مواقع حكومية لهم شركات خاصة يبيعون ويشترون من أنفسهم! الغريب أن نواب البرلمان لم يطالبوا المراجع العام بالكشف عن الأسماء ولا هو من نفسه -وفقاً للقانون- قام بتقديمهم للمحاسبة والمساءلة القانونية! قريباً جداً نيابة عن البرلمان والمراجع العام سنقدم للرأي العام عينة من تلك النماذج ، تحت عنوان (اوقفوا هذا العبث)! مسؤول كبير في مرفق حكومي هام وحساس يقوم بالتوقيع على عقودات بالمليارات مع شركة خاصة يمتلك 50% من أسهمها، إنه رجل نهم يأكل بيديه الاثنتين ولا يشبع!