الزحف نحو المدن الكبيرة..!! الخرطوم: وجدان طلحة أحلامهم صغيرة كما أعمارهم، بضعة جنيهات تقبضها أياديهم الغضة، لكنها ترسم على وجوههم ضحكة نقية، ربما مسحت من ذاكرتهم معاناة حصولهم على حلوى كانوا يتوقون لشرائها سابقاً، فالشقاوة الممزوجة مع ما يقدمونه من خدمات في الأماكن التي يعملون بها لا تحتاج لكثير تدقيق، كما أننا لا يمكن أن نلومهم على عدم إتقانهم للمهمة وربما نجد انفسنا مجبرين على المسامحة في أحايين كثيرة نظراً لصغر سنهم، وكل ما نستطيع فعله هو أن نخرج تنهيدات ساخنة، بعدها ندخل في حوار مع انفسنا، حول تلك المعاناة التي ترتسم على وجوههم، وربما تتسلل من عيوننا دمعة نكفكفها سريعاً قبل أن نتحسر على زمان بات فيه استغلال الطفولة مباحا ..وصار فيه بعض المستحيل ممكناً. تناقض حال: مع بداية الإجازة الصيفية يشد الاطفال رحالهم نحو المدن الكبيرة طامعين في توفير المال لسد الفراغ الذي حل بينهم وما يحتاجونه في فترة الاجازة الصيفية، لكن يرى البعض أن لجوء الاطفال للعمل في فترة الاجازة الصيفية إن كان برغبتهم او لجأوا اليه بطلب من الاسرة يكون حصريا على الاسر التي تعاني من الضائقة المالية وتكون الاجازة الصيفية فرصة لمساهمة هؤلاء الاطفال في توفير بعض النقود للمساهمة في توفير متطلبات المنزل, ويستندون في رؤيتهم تلك إلى أن الاسرة الميسورة الحال تُلحق ابناءها بالبرامج الترفيهية في الأندية لممارسة هواياتهم من سباحة وفروسية وغيرها من الاشياء التي يفضلها الاطفال . هجرة ضرورية: بالقرب من مباني الصحيفة جلس عدد من الاطفال اكبرهم لا يتعدى عمره ال(15) سنة كانوا قد التفوا حول صحن (بوش)، قالوا لنا انهم حضروا إلى الخرطوم قبل يومين قاصدين العمل فيها حتى يوفروا بعض المال لشراء احتياجاتهم المدرسية للعام القادم، وهذه سُنة من سبقوهم في العائلة فهم لا يفضلون العمل في قريتهم لأن العمل هناك غير مجز بحسب قولهم كما أن الحضور إلى العاصمة يمنحهم فرصة طيبة لمعرفة كل ما احتجب عن قريتهم. أعمال شاقة: من الملاحظ أن هذه الاسراب المهاجرة من الريف للمدينة غالباً تستقبلهم المطاعم ومنهم من يتجه إلى العمل في بناء المنازل, وتجدهم يحملون مواد البناء بمشقة لا تتحملها اجسادهم الصغيرة .. وهذا في استغلال يصل حد الاجرام لهذه الفئة لأنها تكلفهم فوق طاقتهم .. كما أن بعض اصحاب العمل يفضلون عمل الاطفال لأنهم يقبلون العمل بأجر زهيد ويمتد عملهم إلى وقت متأخر من الليل. ضد الفكرة: الاستاذ محمد الحسن قال ل(السوداني) انه ضد فكرة عمل الاطفال حتى في فترة العطلة الصيفية بحجة أن تعود الطفل على المال ربما كان هذا محفزاً للطفل لترك مقاعد الدراسة وعندما تقف الاسرة ضد رغبته قد يكون هذا دافعا للخروج من المنزل وينضم إلى شريحة المشردين..! سلب طفولة: من جانبه قال المواطن عبدالمنعم محمد ل(السوداني) إن عمل الاطفال وجد قبولا من المجتمع في فترة ما، وهذا ما جعل يده بعيده عن إدارة المؤشر لمعرفة ما هي البدائل، حتى الطفل الذي يتجه للعمل في فترة العطلة الصيفة يُوصف بأنه مسؤول ويتنبأ له بمستقبل زاهر ويكون مضرب مثل بين اقرانه، وأضاف بحسرة: (هذا خطأ..نحن نسلب اولئك طفولتهم ونحرمهم من حقهم الطبيعي في التدرج الحياتي). تجربة ملموسة: آسيا الفاتح - ربة منزل- قالت ل(السودانى) إن عمل الاطفال محفوف بكثير من المخاطر , واضافت أن ذلك يؤثر سلبا على سلوكيات الاطفال وناشدت الاسر بعدم السماح لأطفالها بالعمل مهما كانت كانت ظروفها المادية سيئة لان عواقب هذا العمل لا ينفع المال في علاجها، واردفت أن ابنها ترك الدراسة رغم انه كان من النوابغ لكن والده دفعه للعمل في السوق وكان نتاج ذلك أن قرر الطفل ترك الدراسة نهائياً وفشلت كل المحاولات لإرجاعه مرة أُخرى..!